ملف إيران..
معركة النظام الإيراني على جبهتين.. ضغط داخلي متصاعد وتراجع النفوذ الإقليمي
تعيش إيران على وقع تصاعد الاحتجاجات الشعبية والأنشطة المناهضة لنظام الملالي، حيث شهدت ذكرى تحرير مسعود رجوي من سجون الشاه جولة جديدة من التحدي قادتها وحدات الانتفاضة.
بمناسبة ذكرى تحرير السيد مسعود رجوي، قائد المقاومة الإيرانية، وآخر مجموعة من السجناء السياسيين من سجون الشاه، نفذت وحدات الانتفاضة في إيران يوم الأحد 19 يناير جولة ثانية من نشاطاتها الجريئة. وشملت هذه الأنشطة تركيب وتوزيع صور قائد المقاومة وشعارات خاصة بهذه المناسبة في طهران ومدن أخرى، أبرزها: كرج، ساري، زاهدان، شهركرد، مشهد، تبريز، رشت، أراك، بندرعباس، زنجان، أصفهان، يزد، مهاباد، أردكان، كاشان، أنديمشك، وكوهدشت. وتم تعليق لافتتين كبيرتين على جسر للمشاة في طريق همت السريع، أحد أكثر الطرق ازدحامًا في طهران.
وتزامنًا مع هذه الأنشطة، نظّم التربويون المتقاعدون وقفة احتجاجية أمام وزارة التعليم في طهران، مطالبين بصرف مستحقاتهم المتأخرة منذ 17 شهرًا. واجه المحتجون تهديدات من وزارة المخابرات، لكنهم استمروا في ترديد شعارات غاضبة.
وفي سياق متصل، تصاعدت احتجاجات المتقاعدين العاملين في قطاع الاتصالات في طهران و14 مدينة أخرى، حيث طالبوا باستعادة حقوقهم، مرددين شعارات ضد هيئة تنفيذ أمر خميني.
وعلى الصعيد السياسي، كشفت تصريحات ممثلي خامنئي في خطب الجمعة عن قلق متزايد بشأن مستقبل النظام. وفي أصفهان، عبّر ميردامادي عن استياء المواطنين من الوضع الراهن، مشيرًا إلى حكاية تعكس التوق إلى التغيير. بينما حاول أحمد علمالهدى في مشهد تبرير تكاليف التدخلات الإقليمية بأنها نجاحات استراتيجية، مما يعكس انفصال القيادة عن هموم الشعب.
وفي مقابلة أجراها مسعود بزشكيان، رئيس النظام الإيراني، مع قناة NBC الأمريكية، ظهر بوضوح خوف النظام الكهنوتي البغيض لولاية الفقيه من التطورات في المنطقة ومن عودة ترامب إلى المشهد السياسي.
وتراجع بزشكيان بشكل مثير للسخرية عن الادعاءات السابقة التي أطلقها خامنئي ومسؤولون آخرون في النظام ضد ترامب وأمريكا، مما عكس حالة الارتباك والضعف التي يعيشها النظام في ظل المستجدات الإقليمية والدولية.
وأثارت المقابلة الأخيرة لمسعود بزشکیان، رئيس النظام الإيراني، مع قناة NBC الأمريكية، تساؤلات جديدة حول تناقضات النظام في التعامل مع قضية تهديد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. هذه التصريحات التي بدت مليئة بالمراوغة والدفاع عن النفس تتعارض بشكل صارخ مع تصريحات سابقة لقادة النظام الإيراني، بما في ذلك علي خامنئي وقادة حرس النظام الایراني.
ونفى بزشکیان بشكل قاطع وجود أي خطة أو نية من قبل النظام الإيراني لاستهداف ترامب، قائلاً: “هذه الاتهامات جزء من الحملات الدعائية التي تهدف إلى تغذية الإسلاموفوبيا وإيرانوفوبيا.” وعندما سئل عن صحة الادعاءات الأمريكية بشأن وجود مخطط إيراني لاغتيال ترامب، قال: “لم ولن تكون هناك مثل هذه الخطط.”
لكن هذه التصريحات تناقض بشكل واضح ما قاله علي خامنئي في 16 ديسمبر 2020، حيث صرح بوضوح: “قاتل سليماني والآمر بقتله يجب أن يدفعا الثمن… في أي وقت نستطيع وبأي طريقة ممكنة.” هذه التصريحات أكدت بشكل مباشر عزم النظام الإيراني على تنفيذ أعمال انتقامية ضد ترامب ومسؤولين أمريكيين آخرين.
ومن بين التناقضات الأخرى، تصريحات قائد القوة الجوية في حرس النظام، أميرعلي حاجي زاده، في فبراير 2023، حيث قال: “نسعى إن شاء الله لقتل ترامب وبومبيو ومكينزي. هؤلاء الأشخاص يجب أن يُقتلوا.” هذا التصريح العلني يعكس بوضوح نوايا النظام العدائية تجاه قادة الولايات المتحدة.
وأشار حاجي زاده إلى قدرات إيران العسكرية، قائلاً: “نستطيع استهداف السفن الأمريكية على بُعد 2000 كيلومتر.” مثل هذه التصريحات، التي تمثل تهديدات مباشرة، تعكس استراتيجية النظام القائمة على التصعيد العسكري في المنطقة.
وفي يناير 2022، تم تعليق حساب تويتر الخاص بعلي خامنئي الولي الفقیة للنظام بشكل دائم بعد نشر فيديو يحرض على اغتيال ترامب ومايك بومبيو. الفيديو لم يكن مجرد دعاية، بل تأكيد على استمرار التهديدات الإرهابية من قبل النظام الإيراني. وقد أدانت كل من البيت الأبيض والبنتاغون هذا التصرف باعتباره تهديداً مباشراً للأمن القومي الأمريكي.
وشدد مسؤولون قضائيون إيرانيون، من بينهم كاظم غريب آبادي، على ضرورة محاكمة ترامب وبومبيو ومكينزي. وقال غريب آبادي في يناير 2024: “على الأقل، يجب أن يعيش هؤلاء في حالة من الخوف الدائم على أمنهم.”
وحاول بزشکیان خلال مقابلته مع NBC تبني لهجة أكثر هدوءاً ودبلوماسية، حيث قال: “آمل أن يعمل ترامب على إحلال السلام في المنطقة والعالم بدلاً من التصعيد.” لكن هذا الخطاب يتناقض بشكل صارخ مع التهديدات المستمرة الصادرة عن النظام الإيراني، مما يعكس حالة ارتباك واضحة داخل النظام.
وتتناقض تصريحات بزشکیان الأخيرة وتغيير نبرة النظام بشكل كبير مع مواقفه العدائية السابقة، مما يعكس الفشل الكبير الذي تعرض له النظام الإيراني في المنطقة، خاصة في سوريا ولبنان. فقدان الحلفاء الإقليميين وتراجع النفوذ الإيراني دفع النظام إلى التراجع عن خطاب التهديدات واللجوء إلى لغة الدبلوماسية في محاولة للالتفاف على العزلة الدولية المتزايدة.
هذا التغيير في اللهجة يعكس أيضاً حالة الضعف الداخلي للنظام، نتيجة تصاعد الاحتجاجات الشعبية، وتفاقم الأزمات الاقتصادية، وانخفاض شرعيته بين الإيرانيين. الخوف من السقوط الداخلي أجبر النظام على تبني لهجة تصالحية، لكن هذه المحاولات تكشف تناقضاته بشكل أكبر وتؤكد أنه يقترب من نقطة انهيار لا يمكن الرجوع عنها.