"العلاقات اليمنية السعودية"..

دراسة حديثة تبحث العلاقة بين السعودية واليمن.. "سياسة توسعية أم حماية للمصالح؟"

"التدخل العسكري السعودي في 2015 لم يكن فقط لمحاربة الحوثيين، بل كان خطوة لترسيخ النفوذ في جنوب اليمن، وضمان بقاء مناطق استراتيجية تحت الهيمنة"؛ الباحث

الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح يتحدث في مقابلة مع قناة العربية السعودية، حول ترسيم الحدود بين اليمن والمملكة (مارس 2020) صنعاء -

د. سالم الحنشي
مدير تحرير مجلة بريم الصادرة عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات

تثير العلاقات بين المملكة العربية السعودية واليمن جدلًا مستمرًا، إذ تتشابك العوامل التاريخية والسياسية والجغرافية في تشكيل هذه العلاقة المعقدة. دراسة حديثة صادرة عن مؤسسة "اليوم الثامن" للإعلام والدراسات، تحت عنوان "التقاطعات الجيوسياسية في البحر الأحمر والعربي: السعودية وجوارها الجنوبي بين المصالح والصراعات"، أعدها الباحث د. سالم الحنشي، تسلط الضوء على تاريخ التوسع السعودي في جنوب الجزيرة العربية، ومدى ارتباط ذلك بالسياسات الجيوسياسية للمملكة.  

وفقًا للدراسة، فإن السعودية لطالما سعت إلى توسيع نفوذها جنوبًا، مستخدمة مزيجًا من الاتفاقيات الحدودية، التدخلات العسكرية، ودعم الزعامات القبلية كأدوات لتحقيق أهدافها. بدايةً من دعم إمارة الأدارسة في عسير مطلع القرن العشرين، إلى فرض اتفاقية الطائف عام 1934، التي انتزعت بموجبها مناطق نجران وجيزان وعسير من اليمن، تبدو المملكة قد انتهجت سياسة "تحريك الحدود" لصالحها كلما سنحت الفرصة.  

تواصل هذا التوجه في ستينيات القرن الماضي، عندما دعمت السعودية الملكيين في الحرب الأهلية اليمنية ضد الجمهوريين، الذين تلقوا دعمًا مصريًا. لم تكن القضية مسألة دعم نظام ملكي ضد جمهوري فحسب، بل كانت الرياض تسعى إلى الحفاظ على يمن ضعيف ومجزأ، حتى لا يشكل تهديدًا على مصالحها، وفقًا لما أوردته الدراسة. كانت سياسة "فرق تسد" أداة رئيسية استخدمتها المملكة، حيث عمدت إلى تقوية زعماء القبائل في أقصى شمال اليمن، مما خلق حالة دائمة من عدم الاستقرار هناك.  

أما في جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، فقد اتخذت السعودية موقفًا أكثر تعقيدًا. في البداية، دعمت بعض الفصائل المقاومة للاستعمار البريطاني، لكنها سرعان ما تحولت إلى معارضة النظام الشيوعي الذي نشأ بعد استقلال الجنوب عام 1967. اشتبكت الرياض مع عدن على خلفية النزاع الحدودي حول منطقتي الوديعة والشرورة، وهو نزاع يعود إلى خمسينيات القرن الماضي عندما كانت بريطانيا لا تزال تسيطر على الجنوب. ومع تطور الأحداث، لم تعترف السعودية بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، بل دعمت القوى المعارضة لها، وسعت إلى احتواء نفوذها من خلال تعزيز علاقاتها بالجمهورية العربية اليمنية في الشمال.  

بحلول عام 1990، عندما تم الإعلان عن الوحدة بين اليمن والجنوب، كانت السعودية في البداية رافضة لهذه الخطوة، خشية أن يؤدي قيام دولة موحدة إلى تحدي نفوذها الإقليمي. لكن لقاءً بين الملك فهد والرئيس اليمني آنذاك علي عبدالله صالح في حفر الباطن غيّر موقف المملكة. خرجت السعودية بتصريح داعم للوحدة، ولكن وفق الدراسة، كان ذلك مشروطًا بضمانات حدودية لمصلحتها، وهذا ما تأكد لاحقًا في اتفاقية جدة 2000، التي ثبّتت سيطرة السعودية على المناطق التي استولت عليها في 1934، ومنحتها نفوذًا متزايدًا في المناطق الحدودية.  

لكن القصة لم تنته عند هذا الحد، إذ تشير الدراسة إلى أن السعودية لم تتخلَ عن استراتيجيتها في اليمن، فبعد حرب 1994 التي انتهت بسيطرة صنعاء على الجنوب، عززت الرياض دعمها لزعماء القبائل، وركزت على التغلغل في محافظتي حضرموت والمهرة، نظرًا لموقعهما الاستراتيجي المطل على البحر العربي. هذا التوجه تصاعد بشكل ملحوظ بعد التدخل العسكري السعودي في اليمن عام 2015، حيث أصبح النفوذ السعودي أكثر وضوحًا في الجنوب، سواء من خلال الدعم السياسي لبعض الفصائل أو عبر السيطرة غير المباشرة على الموانئ والمنافذ البحرية.  

إذن، هل تمارس السعودية سياسة توسعية في اليمن؟ تجيب الدراسة بالإيجاب، مستعرضة كيف استغلت المملكة الفرص التاريخية والجغرافية لترسيخ وجودها جنوبًا. وترى أن هذا التوسع لم يكن محض صدفة، بل كان نتيجة استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى السيطرة على المفاصل الاقتصادية والجيوسياسية اليمنية، ومنع أي قوة إقليمية أخرى من استغلال ضعف اليمن لصالحها.  

في النهاية، تخلص الدراسة إلى أن إدراك اليمنيين والجنوبيين لهذه السياسة التوسعية هو المفتاح لاستعادة سيادتهم، وتدعو إلى إعادة تقييم الاتفاقيات الحدودية التي تم توقيعها في ظروف سياسية غير متوازنة، فضلًا عن العمل على بناء تحالفات إقليمية تقلل من التأثير السعودي المباشر على مستقبل اليمن والجنوب العربي.