خفايا تهريب الأسلحة من إيران إلي القرن الأفريقي
"الحوثيون والقاعدة".. المحور الإيراني الجديد من اليمن إلى الصومال عبر البحر الأحمر
تدفق الأسلحة يرجع إلي الانقسامات الحادة في الحكومة الشرعية نتيجة تقاطع المصالح بين حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون في اليمن)، الذي يشارك في سلطة مجلس القيادة الرئاسي والحوثيين، وتري جماعة الإخوان أنها قد تكون الهدف المقبل بعد القضاء علي الحوثيين، مما دفعها إلي عرقلة العديد من الجهود العسكرية لتحرير العاصمة صنعاء، خاصة في عام 2020

مسلحو ميليشيات الحوثي الموالية لإيران في ميناء الحديدة اليمني - أرشيف

تزايدت في السنوات الأخيرة، المؤشرات على تقارب متزايد بين إيران وحركة الشباب الصومالية. وتطمح إيران إلى توسيع نفوذها وأنشطتها في مختلف أنحاء منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر من خلال تعزيز علاقاتها بالحركات والمنظمات الناشئة، مثل الحوثيين في اليمن وحركة الشباب في الصومال، واستخدام هذه الجماعات لتحقيق أهدافها الاستراتيجية وخلق توازن جديد بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المنطقة. وتحاول إيران تعويض خسائرها السياسية والعسكرية في لبنان وسوريا بالتواجد المكثف في اليمن من خلال علاقاتها بدول القرن الإفريقي التي تستغلها في تقديم الدعم المادي والعسكري (السلاح والارهاب) للحوثيين.
كشف مخطط جديد لإيران
كشف مجند( أحمد سليمان أحمد هاملي رزيق) في بحرية مليشيا الحوثي عن مخطط إيراني يهدف إلى توسيع دائرة تهديدات الملاحة الدولية، وصولًا إلى المحيط الهادئ، عبر استغلال حركة الشباب الصومالية في القرن الإفريقي. وكان هذا من خلال اعتراف جديدة بثها الإعلام العسكري في الساحل الغربي. جاء ذلك بعد أن وقع المجند في قبضة الأمن في الحديدة.هذا وقد أشار المجند إلى أنه انضم إلى صفوف الحوثيين في نهاية العام 2023، بعد تجنيده من قبل شخص يدعى (أحمد محمد حلص بشارة) من محافظة الحديدة. و ذكر أنه خضع لتدريب قتالي لمدة شهر و20 يومًا، بالإضافة إلى دورة بحرية استغرقت شهرًا وعشرة أيام، قبل أن يتم تكليفه بالعمل ضمن شبكة تهريب أسلحة بين الحوثيين وحركة الشباب الصومالية، المرتبطة بتنظيم القاعدة. كما ذكر المجند أنه قام بتنفيذ خمس عمليات تهريب للأسلحة والمعدات لصالح حركة الشباب الصومالية في أواخر 2024، عبر السواحل الشرقية في محافظتي المهرة وشبوة. وأكد أنه كان يشارك أيضًا في تهريب عناصر إرهابية، سواء من الصومال أو اليمن، إلى داخل الأراضي اليمنية. تعتبر هذه الاعترافات تعزيزًا للاتهامات التي وجهتها لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة لإيران، بتورطها في دعم جماعات مسلحة إرهابية في الصومال عبر الحوثيين في اليمن. كما تسلط الضوء على محاولات إيران لتعزيز نفوذها في المنطقة، عبر تعزيز قواتها باليمن ودعم الميليشيات في القرن الإفريقي. ويعلق صالح أبو عوذل رئيس مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات في حديثه مع " الحل نت " قائلا :" خلال العقد الماضي، جند الحوثيون عشرات المهاجرين من القرن الأفريقي، سواء من إثيوبيا أو من الصومال، واعتراف الحوثيون بمقتل العشرات منهم خلال القتال ضد القوات الحكومية. ومع اندلاع الحرب في قطاع غزة، استغلت هذه الجماعات (الشيعية والسنية) الوضع لتجنيد المزيد من المقاتلين وتعزيز صفوفها. وأضاف بأن هناك تحالف واضح بين جماعة الحوثيين الموالية لإيران وجماعات مثل تنظيم القاعدة وحركة الشباب الصومالية، وقد كشف قوات مكافحة الإرهاب في محافظة أبين جنوبي اليمن عن العثور علي أسلحة ومتفجرات إيرانية الصنع، بالإضافة إلي استخدام تنظيم القاعدة للطيران المسير لأول مرة ضد أهداف حكومية".
تدفق الأسلحة من طهران
وتصل الأسلحة الإيرانية عن طريق البحر إلي الحوثيين المدعومين من إيران. وبحسب العديد من التقارير فإن السفن تدخل الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن دون تفتيش. وقال التقارير إن هناك "حديثا متجددا عن تدفق أسلحة إيرانية إلى ميناء الحديدة"، مضيفا أن الحكومة الشرعية في اليمن، وليس الحوثيين، أكدت ورصدت "تحرك السفن الإيرانية مباشرة من ميناء بندر عباس إلى ميناء الحديدة مؤخرا، فيما وثقت الحكومة البريطانية دخول 500 سفينة خلال الأشهر الثمانية الماضية، ولأول مرة منذ عام 2016، إلى موانئ يسيطر عليها الحوثيون دون الخضوع لآلية التفتيش الأممية". أكد محافظ الحديدة في الحكومة المعترف بها دوليا الحسن طاهر، أن السفن القادمة من إيران، وعلى متنها كميات مختلفة من الأسلحة، وصلت بالفعل إلى الميناء الحيوي الذي تسيطر عليه مليشيات الحوثي، دون أن تخضع للتفتيش من قبل آلية الأمم المتحدة، بحسب صحيفة العين. وقال المحافظ إن السفن الإيرانية محملة بالأسلحة، وتصل بشكل خطير إلى الحديدة، في انتهاك لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216.فقد أدي تدفق الأسلحة إلي الحوثيين إلي أن البعض يتهم الأمم المتحدة والدول الغربية المؤثرة في ملف اليمن بـ "التواطؤ في تسهيل صفقات الأسلحة المهربة. إن هذا أمر خطير لأنه مثال آخر على عدم منع الدول الغربية لتدفق الأسلحة إلى الجماعات المدعومة من إيران والتي تعمل على زعزعة استقرار المنطقة. فالأسلحة تتدفق إلى حزب الله فيما سبق وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، كما أنها تشق طريقها إلى سوريا والميليشيات العراقية.
إلا أنه في الوقت ذاته تكثف الولايات المتحدة وحلفاؤها جهودهم للحد من تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين. تهدف إعادة تصنيف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO) في اليوم الثالث فقط من رئاسته، جنبًا إلى جنب مع إعادة فرض سياسة العقوبات" الضغط الأقصى ضد إيران وأماكن تواجدها العسكري.وتستخدم الأسلحة في الهجمات على السفن، التي بدأها الحوثيون في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ويدعم الحوثيون حركة حماس. وسعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى إلى الرد على الهجمات. ويمر نحو 12% من التجارة العالمية عبر البحر الأحمر. ويقول الخبراء إن ترسانة الحوثيين تضم صواريخ باليستية يتراوح مداها بين 1600 و1900 كيلومتر، وطائرات بدون طيار إيرانية الصنع يمكنها الطيران لمسافة تصل إلى 2000 كيلومتر.
ويري أبو عوذل أن تدفق الأسلحة يرجع إلي الانقسامات الحادة في الحكومة الشرعية نتيجة تقاطع المصالح بين حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون في اليمن)، الذي يشارك في سلطة مجلس القيادة الرئاسي والحوثيين، وتري جماعة الإخوان أنها قد تكون الهدف المقبل بعد القضاء علي الحوثيين، مما دفعها إلي عرقلة العديد من الجهود العسكرية لتحرير العاصمة صنعاء، خاصة في عام 2020. ويضيف يمكن للولايات المتحدة والدول الغربية بذل جهود واسعة، لكن المشكلة تكمن في ضعف الحاضنة المحلية لهذا الدعم، أي الحكومة اليمنية الشرعية. فخلال السنوات الماضية، صنفت الولايات المتحدة مسؤولين حكوميين من حزب الإصلاح علي قوائم الإرهاب الدولية بسبب تمويلهم للإرهاب".
المنافع المتبادلة
بالنسبة لإيران، فإن العمل مع جهات فاعلة غير حكومية مثل حركة الشباب والحوثيين يشكل جزءًا أساسيًا من سياستها الخارجية، بهدف توسيع نفوذها الجيوسياسي في جميع أنحاء المنطقة طورت طهران تحالفًا غير معلن مع حركة الشباب بهدف إنشاء شبكة استخبارات سرية تسمح لها بتحقيق أهدافها ودعم مصالحها في الشرق الأوسط وأفريقيا. ودائما ما كانت المصالحة السياسية فوق أي خلافات دينية. فقد تختار إيران وحركة الشباب وضع خلافاتهما الإيديولوجية والعقائدية جانبًا والعمل معًا بشكل عملي لتحقيق أهداف متبادلة، تمامًا كما تمكنت إيران من تهريب السلاح للحوثيين ومن خلال تطوير علاقات مباشرة مع حركة الشباب، ممثلي تنظيم القاعدة في منطقة القرن الأفريقي، تتمكن إيران من تهديد المصالح الأميركية في البحر الأحمر وأفريقيا بشكل مباشر، على سبيل المثال من خلال استخدام حركة الشباب لنقل شحنات الأسلحة الإيرانية إلى مناطق الصراع في أفريقيا ومناطق الشرق الأوسط. من ناحية أخري تربط إيران وحركة الشباب علاقة متبادلة المنفعة؛ ففي حين تزود طهران الحركة بالدعم المادي واللوجستي، تزود حركة الشباب إيران باليورانيوم من المناجم الخاضعة لسيطرتها، لاستخدامه في برنامجها النووي. كما يمكن لإيران استخدام حركة الشباب لتهديد وتعطيل الملاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر. ويري أبو عوذل أن:" إيران لجأت إلي القرن الإفريقي لتعويض خسارتها في السيطرة علي باب المندب والساحل الغربي، باستثناء ميناء الحديدة، وتستخدم إيران القرن الإفريقي كنقطة عبور لتهريب الأسلحة إلي اليمن، بواسطة قوارب صغيرة. ولا شك أن طهران تستفيد من حركة الشباب الصومالية، كقاعدة لتخزين الأسلحة أو تمريرها إلي الحوثيين. ويقوم الحرس الثوري الإيراني وبالأخص فيلق القدس، بتنسيق هذه العلميات مع شبكات إجرامية محلية قد تشمل عناصر من الشباب". وأكد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أنه منذ عام 2017، ترسل إيران شحنات أسلحة إلى الصومال، وتحديدًا إلى حركة الشباب، مقابل كميات كبيرة من اليورانيوم. وتُعَد بونتلاند نقطة الدخول الرئيسية للأسلحة غير المشروعة إلى الصومال. وهذا وقد أفادت مجموعة مراقبة الأمم المتحدة بشأن الصومال أن الأسلحة تُهرَّب إلى بونتلاند إما على متن سفن كبيرة تسافر من مكران في إيران عبر المحيط الهندي، أو في قوارب أصغر من اليمن. وبالتالي فإن القرن الأفريقي يعمل كنقطة اتصال بين إيران والصومال واليمن. وقد أرسلت طهران كميات متزايدة من الأسلحة المصنعة في إيران عبر الصومال إلى اليمن وإلى بعض المنظمات الإرهابية في أفريقيا.
تجارة السلاح العابرة
إن الحوثيين يصعدون إلى دور أكثر بروزًا داخل شبكة حلفاء إيران ووكلائها. ويرجع هذا إلى ضرباتهم المتتالية على الشحن البحري الدولي، فضلاً عن تضاؤل نفوذ حزب الله وحماس بعد العمليات العسكرية الإسرائيلية المتتالية على القيادات العليا والبنية التحتية الحيوية. وبالتالي، ينبغي النظر إلى العلاقة بين الحوثيين وإيران باعتبارها جانبًا واحدًا من جهد استراتيجي أكبر بين خصوم الولايات المتحدة. و تسعى إيران إلى إنشاء تحالفات موازية مع الجماعات المسلحة السُنية والشيعية في المنطقة (وخاصة حركة الشباب والحوثيين) لتعزيز نفوذها هناك. ومن خلال تطوير جناحين عسكريين في المنطقة، سيكون الوجود الإيراني قادرًا على تحمل أي ضغوط تواجهه، على عكس أي من القوى الإقليمية الأخرى. وتأمل إيران في توسيع نفوذها من الصحراء الكبرى إلى الساحل الصومالي، عبر خليج عدن ومضيق باب المندب، حيث سيوفر هذا طريق نقل مهم لتهريب الأسلحة الإيرانية إلى المنظمات المسلحة والحكومات في إفريقيا، وسيسمح لإيران بزيادة وجودها في المناطق البحرية المهمة، مثل البحر الأحمر.
قال مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الأميركية في يوليو/ تموز 2024 إن حركة الشباب نجحت في عكس كل المكاسب التي حققها الجيش الوطني الصومالي في وسط الصومال على مدى العامين الماضيين، وهي تعمل الآن مع المسلحين الحوثيين لتوسيع قدراتها. وقال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن المسلحين الحوثيين في اليمن ينظرون إلى هذا التعاون "الناشئ" مع حركة الشباب باعتباره وسيلة "يجب أخذها على محمل الجد" في محاولتهم تشكيل تهديد للسفن الأميركية والبريطانية خارج البحر الأحمر. وفي منطقة البحر الأحمر، لم يعد الأمر قاصر علي مجرد تهريب الأسلحة، ولكن الحوثيين ــ بدعم من إيران ــ أصبحوا على نحو متزايد الطرف الذي يحرك هذه التجارة. والواقع أن تصاعد حالة عدم الاستقرار على ضفتي البحر الأحمر (اليمن والسودان والصومال)، مع تطوير الجماعات المسلحة غير الحكومية لقدرات هجومية متزايدة، يجعل مهمة الحد من تهريب الأسلحة أكثر إلحاحا بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. ويبدأ الأمر بملاحقة التمويل. منذ أواخر عام 2023، سمحت هجمات الحوثيين ضد الشحن وإسرائيل للجماعة بزيادة ظهورها ونفوذها وتشكيل تحالفات جديدة في البحر الأحمر. وفي حين تشكل الأسلحة التي تقدمها إيران مفتاحًا لهذه التحالفات التكتيكية، فإن الحوثيين يستخدمون هذه التحالفات لإنشاء شبكة من التمويل والإمداد والدعم مستقلة عن طهران.
وأخيراً، من المرجح أن تظل منطقة القرن الأفريقي منطقة ذات أهمية استراتيجية فيما يتصل بأجندة الأمن الإيرانية، وواحدة من ساحات المعارك الرئيسية التي يمكن لإيران أن تواجه فيها خصومها الإقليميين والدوليين، مثل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وبالتالي، سوف تحرص طهران على مواصلة تشكيل تحالفات إقليمية من شأنها أن تفيد مصالحها الاستراتيجية وتعزز نفوذها في المنطقة.
المصدر7al.net