"أحببت أن أصنع الجمال من الطبيعة لا من الكيمياء"..

الخلطة السرّية.. كيف صنعت "أفراح عبدالباري" علامتها من تجربة شخصية؟

"بدأت رحلتي من مطبخ منزلي بحثًا عن علاج بسيط، لكنني وجدت نفسي أصنع مشروعًا يعبّر عني. لم تكن لدي إمكانيات كبيرة، فقط إيمان عميق بأن كل تجربة يمكن أن تتحول إلى قصة نجاح حقيقية."

كل ما أرادته الدكتورة أفراح عبدالباري في البداية هو علاج بسيط لمشكلة حبّ شبابٍ أرهق ملامحها

وفاء سيود

لم تكن تبحث عن الشهرة، ولا كانت تحلم بمصنع أو علامة تجارية. كل ما أرادته الدكتورة أفراح عبدالباري في البداية هو علاج بسيط لمشكلة حبّ شبابٍ أرهق ملامحها. لكنها، دون أن تدري، كانت تمزج أولى مكونات “خلطتها السرّية”؛ خلطت المعرفة العلمية بالإيمان بالنفس، والعجز المؤقت بالإصرار على التجاوز، فخرجت بنتيجة لم تُطهى في المختبرات، بل في قلب امرأة قررت أن تبدأ من جديد.
من داخل منزلها في مدينة الحوطة بمحافظة لحج، تحوّل المطبخ إلى مختبر صغير، والهاجس إلى مشروع، لتبدأ رحلة صيدلانية شابة في عالمٍ جديد: عالم الجمال الطبيعي.

 

آمنت الدكتورة أفراح عبدالباري عبدالله أن الإيمان بالذات هو أول طريق النجاح، فكانت قصتها واحدة من تلك الحكايات التي تبدأ بخطوة صغيرة وتنتهي بمشروعٍ ملهم يعبّر عن روح المرأة الجنوبية التي تعرف كيف تحول التحديات إلى فرص. ابنة مدينة الحوطة بمحافظة لحج، التي اشتهرت بإنجابها للكفاءات العلمية والفكرية والفنية، وجدت نفسها منذ سنوات أمام مفترق طرق، لتبدأ بعدها رحلة مختلفة تمامًا عمّا خُطط لها في البداية.

تخرجت أفراح من جامعة العلوم والتكنولوجيا في عدن حاملة شهادة البكالوريوس في الصيدلة، وهو مجال يرمز إلى الدقة والانضباط والمعرفة العلمية. التحقت بعد التخرج بالعمل في الجامعة نفسها، لتبدأ مسارًا أكاديميًا واعدًا، غير أن ضغوط الحياة الأسرية ومسؤولياتها كأم لطفلين توأم جعلت التوازن بين العمل والمنزل مهمة شبه مستحيلة. عند هذه اللحظة الحرجة، اتخذت قرارًا مصيريًا بالاستقالة، ليس انسحابًا من الطموح، بل انتقالًا إلى شكل آخر من تحقيقه. كان قرارها بمثابة مغامرة محفوفة بالقلق، لكنها رأت فيه فرصة لتعيد اكتشاف ذاتها بعيدًا عن الروتين الوظيفي.

كانت البداية بسيطة حدّ التواضع: معاناة شخصية مع حب الشباب دفعتها لاستغلال خلفيتها الصيدلانية في البحث عن علاج طبيعي آمن وفعّال. صنعت صابونة علاجية بيدها داخل مطبخ منزلها، دون أن تتوقع أن تلك الخطوة الصغيرة ستفتح أمامها بابًا لعالمٍ جديد. بعد أن جرّبتها على نفسها ولاحظت التحسن الواضح، شاركت منتجها مع أفراد أسرتها وجيرانها، الذين لم يترددوا في الثناء على النتيجة. من تلك التجربة المحدودة، وُلدت فكرة مشروع متكامل لصناعة منتجات العناية بالبشرة والشعر من مواد طبيعية خالصة.

لم يكن الطريق مفروشًا بالورود، بل كان مليئًا بالتجارب الفاشلة والاختبارات الصعبة، لكنها آمنت أن الفشل ليس نهاية الطريق بل دليل على أن الطريق مستمر. بدأت بتوسيع نطاق تجاربها، جربت تركيبات مختلفة، درست خصائص الزيوت والأعشاب، ودوّنت ملاحظاتها بدقة علمية حتى وصلت إلى ما يشبه "الخلطة الخاصة" التي تميز منتجاتها اليوم. ومن تلك المحاولات خرجت بعلامة تجارية محلية متنامية تضم أكثر من عشرة منتجات ما بين الصوابين العلاجية، والكريمات، والزيوت الطبيعية.

ولأنها تدرك أن الريادة لا تكتمل من دون المعرفة المتخصصة، قررت تطوير مهاراتها في التصنيع الاحترافي، فالتحقت بدورة تدريبية في جمهورية مصر العربية، ووصفتها بأنها نقلة نوعية غيرت نظرتها إلى صناعة منتجات التجميل. هناك تعلمت نسب الإضافات الدقيقة للمواد الخام، وطرق التصنيع العلمي الحديث، وكيفية اختيار المكونات الآمنة عالية الجودة. كما اكتشفت أماكن بيع المواد الخام النقية التي أصبحت تتعامل معها بشكل مباشر رغم صعوبات الاستيراد، لتضمن أن منتجاتها ليست فقط فعالة بل أيضًا آمنة ومعتمدة على أسس علمية متينة.

تقول الدكتورة أفراح إن كل منتج تصنعه يحمل جزءًا من تجربتها الشخصية، وجزءًا من شغفها بمساعدة الآخرين على استعادة ثقتهم بأنفسهم، فمنتجاتها لا تُباع فقط كسلع تجارية، بل كقصة نجاح محلية تُروى مع كل عبوة. خلال السنوات الأربع الماضية، أثبت مشروعها قدرته على الاستمرار والنمو، مستفيدًا من التفاعل الكبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تعتمد على مجموعات فيسبوك وواتساب كمنصات تسويقية للتواصل المباشر مع العملاء، وسماع آرائهم وملاحظاتهم لتطوير منتجاتها باستمرار.

لكنها، برؤية طموحة، تدرك أن المرحلة المقبلة تتطلب أكثر من ذلك، فهي تسعى إلى بناء خط إنتاج مصغّر بمعايير جودة عالية، وتحلم بأن تمتلك ورشة متكاملة داخل لحج، تضم فريقًا من الشابات المتدربات لتصنيع منتجات تجميلية يمنية خالصة. كما تخطط لتوسيع انتشار علامتها التجارية إلى الأسواق الإقليمية عبر خطة تسويقية حديثة تستفيد من المنصات الرقمية ووسائل الإعلام المحلية.

قصة الدكتورة أفراح عبدالباري ليست مجرد مشروع تجاري نجح بالصدفة، بل هي حكاية عن إرادة امرأة جنوبية آمنت بأن الإبداع لا يحتاج رأس مال كبيرًا بقدر ما يحتاج إلى شغف لا ينطفئ. إنها واحدة من تلك النماذج التي تكسر الصورة النمطية عن المرأة التقليدية، لتقدم نموذجًا عصريًا متوازنًا يجمع بين الأسرة والعمل والابتكار في آنٍ واحد. لقد صنعت طريقها بنفسها، لا في المختبر فقط، بل في الحياة، مثبتة أن الجمال الحقيقي لا يأتي من منتج يوضع على البشرة، بل من إصرار يسكن القلب ويضيء العيون بثقة من صنعت نفسها بيديها.