مصادر دبلوماسية تكشف لـ«اليوم الثامن» كواليس لقائه بالخارجية..
رشاد العليمي يلوّح بالعودة على ظهر دبابة سعودية وخطاب حوثي متعالٍ تجاه الرياض
تفيد مصادر بأن السعودية اتخذت إجراءات وصفت بالضاغطة بحق قادة جنوبيين في قوات درع الوطن، شملت الإقالة وفرض قيود على حركتهم وحركة عائلاتهم، على خلفية رفضهم المشاركة في قتال جنوبيين. ولم يصدر تعليق رسمي سعودي يؤكد أو ينفي هذه المزاعم حتى الآن.
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني المؤقت خلال اجتماع افتراضي في مكتبه بالعاصمة السعودية الرياض - أرشيف
قالت مصادر دبلوماسية وثلاثة سفراء جنوبيين إن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، لوّح بإمكانية “العودة على ظهر دبابة سعودية وأخرى عُمانية إذا اقتضى الأمر”، في مواجهة ما وصفه بـ«تصعيد المجلس الانتقالي الجنوبي» في وادي وصحراء حضرموت والمهرة.
ويأتي ذلك في وقت احتضنت فيه العاصمة العُمانية مسقط لقاءً جمع مسؤولين سعوديين وقيادات من جماعة الحوثيين المصنّفة على قوائم الإرهاب الإقليمية، لإبرام صفقة تبادل محتجزين بين الجماعة وقوات محلية يمنية محسوبة على الجانب السعودي.
وبحسب وسائل إعلام سعودية ويمنية، عقد رشاد محمد العليمي اجتماعًا موسعًا بقيادات وزارة الخارجية ورؤساء البعثات الدبلوماسية، بحضور وزير الخارجية شائع الزنداني. وفيما خُصص اللقاء رسميًا لإحاطة دبلوماسية حول مستجدات الوضع المحلي، إلا أنه حمل في جوهره رسائل سياسية وأمنية موجهة للخارج قبل الداخل، وفي مقدمتها التطورات الجارية في حضرموت والمهرة.
البيان الرسمي الصادر عن اللقاء عكس قلقًا واضحًا من الإجراءات الأخيرة التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي، واعتبرها خطوات “أحادية” بلغت – بحسب توصيف مكتب العليمي – مرحلة خطيرة تهدد وحدة القرار والمركز القانوني للدولة، وقد تفتح الباب أمام صدام داخلي جديد. ولمّح البيان إلى أن جماعة الحوثيين وشبكات الإرهاب ستكون المستفيد الأول من هذا المسار.
وجاءت هذه التصريحات غداة تلويح نائب وزير الخارجية مصطفى النعمان بالتحالف مع الحوثيين، في حال تأخرت السعودية في توجيه ضربة للقوات الجنوبية في وادي وصحراء حضرموت.
ما وراء الخطاب الرسمي
لكن خلف هذا الخطاب الرسمي المنضبط، كشفت ثلاثة سفراء جنوبيين لـ«اليوم الثامن» أن الاجتماع اتسم بحالة توتر واضحة لدى رشاد العليمي، وأن الرسائل التي طُرحت في الغرفة المغلقة تجاوزت التحذير السياسي إلى ما يشبه سيناريو تخويف منهجي.
وقال السفراء، في أحاديث منفصلة، إن العليمي ركّز بشكل لافت على المجلس الانتقالي الجنوبي، محاولًا الجمع بين تأكيده اللفظي على “عدالة القضية الجنوبية” وبين تحذيرات متكررة من أن تحركات الانتقالي قد تقود – حسب توصيفه – إلى “حرب أهلية جنوبية–جنوبية”، وانهيار الدعم الإقليمي والدولي، وتوقف المعونات، وتفاقم الأزمة الإنسانية التي يعاني منها قرابة 20 مليون يمني.
وأشاروا إلى أن العليمي بدا مأزومًا سياسيًا وهو يشرح للدبلوماسيين مخاوفه من أن يؤدي المسار الجنوبي المتسارع إلى إخراج الملف من يده، وإضعاف موقع مجلس القيادة الرئاسي أمام الشركاء الإقليميين والدوليين، أكثر من كونه قلقًا فعليًا من الحوثيين الذين يُفترض أنهم “العدو الرئيسي” وفق الخطاب الرسمي.
تلويح بالحشود… وشخصنة الخلاف
وتكشف المصادر أن العليمي لمح – بشكل مباشر – إلى وجود حشود سعودية وأخرى عُمانية على الحدود، مزوّدة بدبابات حديثة وطيران قتالي، في سياق حديثه عن حماية أمن دول الجوار، وتحديدًا الرياض ومسقط.
وبحسب المصادر، قال العليمي للسفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية إن المجلس الانتقالي الجنوبي، إذا لم يتراجع عن قراراته، فإن ذلك قد يؤدي إلى حرب إقليمية، وعودة التنظيمات الإرهابية إلى المدن المحررة، إضافة إلى تحركات حوثية – زعم أنها قائمة – في أكثر من جبهة للعودة إلى عدن.
وقال مصدر في مكتب العليمي إن نقاشًا خاصًا عُقد في الليلة السابقة للاجتماع، بين العليمي وعدد من معاونيه، من بينهم وزير الخارجية شائع الزنداني، جرى خلاله التلميح إلى احتمال تحرك الحوثيين على حدود الضالع وأبين للضغط على رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزُبيدي، في إشارة وُصفت بأنها تعكس شخصنة متصاعدة للخلاف السياسي.
وخلال الأيام الماضية، بدأت جماعة الحوثي شن هجمات على مواقع للقوات الجنوبية في شمال الضالع، وفق ما أفادت به قوات الحزام الأمني هناك.
تحفظات دبلوماسية ومواقف إقليمية
وقال دبلوماسي جنوبي إن حديث العليمي تضمّن امتعاضًا واضحًا من مواقف بعض الأطراف الإقليمية والدولية، التي – بحسب قوله – لم تتجاوب إيجابيًا مع اتصالاته. وأشار إلى أن هذه الأطراف كانت ترى أن الجنوب ظل خلال السنوات الماضية شريكًا أساسيًا في تأمين السواحل ومكافحة الإرهاب، وأن أي مقاربة تتعامل معه بوصفه “مشكلة” لا كجزء من الحل قد تفضي إلى نتائج عكسية.
ويرى مراقبون أن الخطاب الذي قدّمه العليمي لم يكن موجّهًا لإطفاء الأزمة بقدر ما كان محاولة لإدارة مأزق سياسي متصاعد داخل مؤسسة مجلس القيادة نفسها. فبدل تقديم رؤية جديدة لمعالجة جذور الخلاف، جرى اللجوء إلى أدوات التخويف: شبح الحرب الأهلية، وفزاعة المجاعة ووقف المعونات وقطع المرتبات، وهي تهديدات سبق أن طُرحت منذ بداية الأزمة.
ويرى هؤلاء أن هذه الأدوات قد تُربك المشهد مؤقتًا، لكنها لا تقدم حلًا مستدامًا، ولا تعالج حقيقة أن القضية الجنوبية خرجت عمليًا من مربع المناورة الخطابية إلى مسار سياسي مختلف.
أزمة داخل «درع الوطن»
في سياق متصل، كشفت مصادر خاصة لـ«اليوم الثامن» عن أزمة داخل قوات “درع الوطن” المدعومة سعوديًا، على خلفية رفض قيادات جنوبية تنفيذ أوامر باستعادة مواقع من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة خلال ديسمبر 2025.
وأشارت المصادر إلى أن هذه القوات – التي أنشأتها الرياض قبل سنوات بقوام يتجاوز 20 لواءً، ونُشرت في الجنوب لمواجهة الحوثيين – شهدت رفضًا قاطعًا من قادة جنوبيين للانخراط في “قتال الإخوة الجنوبيين”.
وأضافت أن هذا الرفض عكس عمق الانقسامات، وسط تقارير عن إقالة قادة رافضين، وفرض قيود مشددة على تحركاتهم وتحركات بعض أفراد عائلاتهم، وُصفت بأنها تقترب من الإقامة الجبرية، في إطار ضغوط سياسية وعسكرية لتغيير مواقفهم.
وقال السياسي الجنوبي مقيم في الولايات المتحدة، حسين بن عاطف، إن السلطات السعودية احتجزت أسرة قائد في قوات درع الوطن بمدينة شرورة، للضغط عليه من أجل المشاركة في قتال قوات جنوبية في وادي حضرموت.
في المقابل، قال مصدر مسؤول في المجلس الانتقالي الجنوبي لـ«اليوم الثامن» إن نشر بعض منتسبي قوات درع الوطن في حواجز أمنية مشتركة، وهم جنود جنوبيون، جاء بهدف درء الفتنة وتجنّب أي احتكاك ميداني.
ولم يصدر حتى لحظة كتابة هذا التقرير أي تعليق رسمي من الجانب السعودي أو من قيادة قوات درع الوطن بشأن هذه المعلومات.
خطابان متباينان حول تبادل المحتجزين
وعلى صعيد ذي صلة، أعادت التصريحات الصادرة عن المتحدث باسم جماعة الحوثيين محمد عبدالسلام، والسفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، تسليط الضوء على اتفاق تبادل المحتجزين الذي جرى التوصل إليه في مسقط، لكن من زاويتين سياسيتين مختلفتين.
قدّم عبدالسلام خطابًا اتسم بنبرة تعالٍ سياسي، واصفًا الاتفاق بأنه “صفقة تبادل” مع الجانب السعودي، ومركّزًا على دور سلطنة عُمان، دون الإشارة إلى الحكومة اليمنية أو الأطر الدولية المشرفة على الاتفاق.
في المقابل، شدد السفير السعودي محمد آل جابر على أن الاتفاق تم بتوجيه ومتابعة من القيادة السعودية، وبالتعاون مع الحكومة اليمنية، وتحت إشراف مكتب المبعوث الأممي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، مؤكدًا أن الخطوة ذات طابع إنساني بحت، ولا تحمل دلالات سياسية أوسع.
ويعكس هذا التباين اختلافًا واضحًا في إدارة السقف السياسي؛ إذ سعى الحوثيون إلى تقديم أنفسهم كطرف تفاوضي ندّي، فيما حرصت الرياض على تثبيت الإطار المؤسسي والشرعي، وحصر الاتفاق في سياقه الإنساني.
وبين الخطابين، يبقى اتفاق تبادل المحتجزين خطوة إنسانية مهمة، لكنه لا يعكس تحولًا جوهريًا في مسار الصراع، بقدر ما يعكس توازن رسائل دقيق في لحظة إقليمية شديدة التعقيد.


