الشرعية اليمنية تحت الضغط..
المجلس الانتقالي في حضرموت والمهرة: تصعيد عسكري أم اختبار للتقسيم؟
تعيش محافظتا حضرموت والمهرة لحظة فارقة، مع تصاعد تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي وسيطرته على مواقع استراتيجية، ما أثار قلق السلطة الشرعية اليمنية من خطر التقسيم وإضعاف الجبهة المناهضة للحوثيين.
أولى التبعات الدولية لتلك التحركات تعليق صندوق النقد الدولي لأنشطته الحيوية في اليمن
تتصاعد التوترات في محافظتي حضرموت والمهرة شرقي اليمن منذ أوائل ديسمبر 2025 إثر تحرك عسكري واسع للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يطالب بانفصال جنوب اليمن. فقد سيطر الانتقالي خلال الأيام الماضية بالكامل على محافظة المهرة، وعلى أجزاء واسعة من محافظتي حضرموت وشبوة تشمل حقولاً نفطية ومرافق استراتيجية. جاء ذلك بعد مواجهات محدودة مع قوات المنطقة العسكرية الأولى التابعة للجيش اليمني وقوات «حلف قبائل حضرموت» المحليaa.com.tr. بدت هذه التحركات بمثابة محاولة لإعادة تقسيم البلاد بين شمال وجنوب، وهو ما اعتبرته الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً خرقاً للاتفاقات القائمة وخطراً على تماسك الجبهة المناهضة للحوثيين.
المجلس الانتقالي الجنوبي هو حزب مسلح كون عام 2017 من عدة فصائل جنوبية كانت تطالب بانفصال «جنوب اليمن» عن الشمال، قبل الوحدة في 1990. شارك الانتقالي قبل أعوام ضمن تحالف الحكومة اليمنية المعترف بها في مواجهة الحوثيين، لكن التوتر ظل قائماً حول مستقبل الحكم وتقاسم السلطة. مع هدوء الجبهات إلى حدٍّ كبير خلال 2023، استغل الانتقالي هذه الفرصة لتعزيز وجوده في الجنوب. إذ أعلن مسؤولون في المجلس أنه أطلق عمليته العسكرية (بتسمية «المستقبل الموعود») للسيطرة على كل أراضي الجنوب، مستفيداً من انسحاب بعض القوات الموالية للحكومة وإعادة انتشارها. هذا التصعيد يأتي في ظل هشاشة الشرعية اليمنية وتضارب الصلاحيات بين المكونات المختلفة، كما أشار إليه تحالف أحزاب موالية للحكومة اليمنية.
بحسب تقارير محلية ورسمية، فإن قوات المجلس الانتقالي أكملت سيطرتها على محافظة المهرة، كما انتشرت في مناطق مختلفة من حضرموت وشبوة، لا سيما حول حقول النفط ومرافئ التصدير. وتقدّر الحكومة أن هذه التحركات تمت بعد مواجهات محدودة مع الجيش والقبائل المحلية، وقد خلفت مقتل 10 من الطرفين في اشتباكات محدودة بمديرية دوعن في حضرموت يوم 5 ديسمبر. وفي نفس الأيام، شنت قوات الانتقالي حملة اعتقالات واسعة، حيث اختطفت مثلاً قائد الكتيبة الثانية بالمنطقة العسكرية الأولى العقيد الركن فتحي الضبوي وثلاثة من مرافقيه في سيئون، ثم أعدمتهم ميدانياً بعد يومين. وأكدت مصادر حقوقية ومحلية أن العشرات من الجنود والأسرى ما زالوا مصيرهم مجهولاً بعد سيطرة الانتقالي على وادي حضرموت، مما أثار دعوات محلية للتحقيق في «انتهاكات خطيرة» ارتكبتها القوات الانفصالية.
على الأرض، أسس السكان المحليون ما يُسمى بـ«حلف قبائل حضرموت» للدفاع عن المحافظة والقبض على زمامها، وهو كيان قبلي ذي هوية مستقلة عن الحكومة والانتقالي. وخلال المعارك ظهر انقسام جغرافي: فالمدن الساحلية (مثل المكلا والشحر) خضعت لسيطرة قوات النخبة الحضرمية التابعة للانتقالي، بينما بقيت معظم وادي حضرموت تحت سيطرة الجيش الوطني. ودفع انتشار الانتقالي الواسع بعض القبائل للتصعيد دفاعاً عن مناطقهم، خاصة بعد سماع نبأ «رفع علم الانفصال» فوق مقرات حكومية في حضرموت.
إزاء هذه التطورات، اختارت قيادة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أسلوب التفاوض والدعوات السلمية أولاً، مع التصعيد الخطابي المتدرج ضد ممارسات الانتقالي. فقد جدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، دعوته بإخراج جميع القوات الموالية للانتقالي من محافظتي حضرموت والمهرة، مطالباً بتمكين السلطات المحلية من إدارة شؤونها الأمنية والخدمية وفق الدستور والقانون. وطالب العليمي أبناء المحافظتين وقواها الاجتماعية والسياسية بالالتفاف حول جهات الدولة للحفاظ على الأمن والاستقرار واحتواء الآثار المعيشية السلبية للتصعيد.
وحذّر رئيس مجلس القيادة من “مخاطر أي تصعيد إضافي أو إراقة المزيد من الدماء”، مشدداً على أن الأولوية في هذه المرحلة يجب أن تبقى لمواجهة الحوثيين (المصنفين «ميليشيات إرهابية» بدعم إيراني) وتحقيق أمن واستقرار اليمن. كما أكد على إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه واحترام مخرجات المرحلة الانتقالية، محذراً من أن الظروف الاقتصادية الصعبة لا تتحمل فتح جبهات داخلية جديدة.
على المستوى الإنساني وحقوق الإنسان، أمر العليمي بفتح تحقيق شامل في جميع «انتهاكات حقوق الإنسان» التي ترافقت مع الإجراءات الأحادية للانتقالي، مثل الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري والتعديات على المنازل والمنشآت العامة. وجدد التأكيد على عدم الإفلات من العقاب ومحاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات. وتوازياً مع ذلك، أعرب العليمي عن دعم كامل للجهود السعودية الرامية إلى خفض التصعيد واستقرار الوضع في محافظتي حضرموت والمهرة، مثنياً على وساطة المملكة التي أدت إلى التوصل إلى هدنة مؤقتة في حضرموت بداية الشهر الجاري. وشدد في تصريحات لاحقة على رفض أي إجراءات أحادية تضر بالأمن والاستقرار أو تتنازع صلاحيات الحكومة، داعياً إلى الالتزام الكامل باتفاق التهدئة.
ساندت المملكة العربية السعودية، الحليفة الرئيسية للحكومة اليمنية، الدعوات لوقف تصعيد الانتقالي. فقد طالب رئيس الوفد السعودي إلى حضرموت اللواء محمد القحطاني خلال لقاء قبلي في المكلا بخروج فوري لكافة قوات الانتقالي الجنوبي من حضرموت والمهرة، مؤكداً أن موقف الرياض ثابت في دعم هدنة ووقف الصراع. وأكد القحطاني على رفض المملكة إدخال المحافظة في صراعات جديدة، داعماً في الوقت نفسه «قوات درع الوطن» التابعة للحكومة في حماية المعسكرات وتولي أمن المحافظتين. كما رحّبت بعض القوى السياسية اليمنية المحسوبة على الحكومة بهذه الخطوة السعودية وعبّرت عن رفضها المحاولات «إخضاع محافظات الجنوب بالوطن بالقوة».
على الصعيد الدولي، علقت مؤسسات مالية عدة نشاطاتها في اليمن بسبب التطورات الأمنية. فقد أعلنت الحكومة أن «صندوق النقد الدولي علّق أنشطته الحيوية» في اليمن مؤخراً، وانتهت مصادر اقتصادية إلى أن مجلس إدارة الصندوق قرر تأجيل مشاورات المادة الرابعة المرتقبة بسبب «التطورات الأمنية في المحافظات الجنوبية». ويعكس ذلك انزعاج المجتمع الدولي من أي تصعيد داخلي جديد يعرقل جهود التعافي الاقتصادي أو يُضاعف من معاناة السكان.
تكشف الأحداث الأخيرة عمق الانقسامات في صفوف «الشرعية اليمنية» وبين مكوناتها العسكرية والسياسية. فبينما تدعو الحكومة إلى ضبط النفس والإيفاء بوحدة الصف لمواجهة التهديد الحوثي، يبدو الانتقالي معزولاً في حملته لإنفصال جنوب اليمن، محاولاً فرض واقع جديد قسرياً. وقد لحظ مراقبون أنّ رفع الانتقالي إعلام الانفصال والتمسك بالسلاح في حضرموت والمهرة يهدّد بشكل مباشر وحدة الدولة وفعالية التحالف ضد الحوثيين. وأعربت أحزاب مدنية وشعبية عن رفضها للتوسع العسكري بالقول إن التصعيد هو نتيجة طبيعية لـ«الانقسام بين مكونات السلطة الشرعية وتضارب المصالح». وفي الوقت نفسه، عبّر ناشطون محليون عن خشيتهم من انزلاق مناطق النفط في حضرموت إلى فوضى كبيرة، مؤكدين أن الحل يجب أن يبدأ بإعادة القوات المسلحة القادمة من الخارج (في إشارة للانتقالي) إلى مواقعها السابقة.
تظل الوضعية في حضرموت والمهرة هشّة، إذ تُشير التطورات إلى أن أي انتهاك جديد لهدنة السعودية أو تحرك مسلح إضافي قد يؤدي إلى انهيار نسق التهدئة واستئناف القتال على نطاق أوسع. وقد تمتلئ وسائل الإعلام المحلية والأجنبية في الأيام المقبلة بتفاصيل جديدة عن هذه الأزمة. حتى الآن، أكدت التصريحات الرسمية أن فصل الملفات الداخلية عن المعركة الكبرى ضد الحوثيين هو الخيار الوحيد لتجنب مزيد من الأزمة


