الرهان على علاقة صلبة

مصر والإمارات.. علاقات قدرية

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد

القاهرة

هناك نوع من العلاقات ليس مسموحاً لها أن تفسد، وهي ما يمكن أن يطلق عليها "علاقات قدرية". يجوز هذا الوصف على العلاقات الإنسانية كما يجوز أيضا على بعض العلاقات الدولية ذات الطبيعة الخاصة. وإن أردت أن أطبق هذا الوصف فإنه ينطبق الآن أكثر ما تنطبق على العلاقات بين مصر والإمارات. وإذا كان هذا الوصف ينطبق بشكل عام على هذه العلاقة على مدار تاريخها فإن هذه المرحلة التي نعيشها من التاريخ تؤكد ذلك.

هناك نوع من العلاقات يمكن أن نتخيل أنها تمر بأزمات أو تصدعات، ولكن هناك نوع آخر من العلاقات كما ذكرت هي علاقات تتسم بالأزلية والأبدية، منذ أن تنشأ. والعلاقات المصرية الإماراتية تجلت منذ قيام الدولة الإماراتية في العام 1971، وظل في ذاكرة الشعب المصري ذلك الموقف من الشيخ زايد عدنما اقترض عام 1973 ليستكمل المبلغ الذي التزم به لدعم مصر وسوريا في معركتهما مع إسرائيل، وعندما قال قولته الشهيرة أن النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي، وذلك بعد إعلان الدول العربية المصدرة للنفط وقف تصديره للدول الغربية التي دعمت إسرائيل.

العلاقات بين الدولتين لم تكن متميزة على المستوى السياسي فقط، ولكن هناك حالة من التقارب والتفاهم، والعشرة، بين المصريين والإماراتيين، فإحساس الدولة الواحدة متبادل بين مواطني الدولتين، وليس هذا فقط بسبب المشروعات التنموية التي تقيمها الإمارات في مصر، ولكن هناك أسباب أخرى ترتبط بتلك الطبيعة الخاصة، التي سبق وأن ذكرتها بين الشعبين والنظامين.

مرت العلاقات بين البلدين بحالة خطر حقيقي حينما اختطف الحكم في مصر جماعة الإخوان، وكان طبيعياً من تلك الجماعة أن تتناقض مع ثوابت العلاقات المصرية، كما تناقضت مع ثوابت وتوجهات وأفكار المصريين بشكل رئيسي، وشهدت تلك العلاقة بعد ثورة الشعب المصري في 30 يويو والإطاحة بالإخوان مرحلة أكثر تطوراً في العلاقات بين البلدين، وبدا هذا واضحاً من خلال الموقف المستمر للإمارات في دعم مصر، وهنا ينبغي الإشارة أن هذا الموقف هو موقف يحسب من زاوية الحرص على الاستقرار في المنطقة، ذلك أن هناك إدراكاً لمن يفهم في السياسة بأن استقرار مصر هو استقرار المنطقة، وأن سقوط مصر يعني أنها الأساس في فرط العقد، لذلك فإن الموقف الإماراتي، وبعض الدول العربية في تلك الفترة، لم يكن منطلقاً فقط من دعم مصر شعباً ونظاماً جديداً، ولكن من منطلق الحفاظ على استقرار المنطقة، والذي يعني بالتالي امتداد الاستقرار إلى كل المنطقة بما فيها تلك الدول.

في الأشهر الأخيرة دار حديث عن فتور بدأ يشوب العلاقات المصرية الإماراتية، وعلى الرغم من وجود شواهد، إلا أنني كنت من المراهنين دائماً على صدق وثبات وصلابة وصلابة تلك العلاقات، فمستوى التفاهم بين القيادتين عال، وقدر الإحساس بالمخاطر المحيطة لدى كلا الطرفين موجود وواع، وأيضا طبيعة تلك العلاقة كانت أيضا عنصرا حاسما، وبالتالي فأي فتور مصيره إلى نهاية، والعودة بالعلاقات إلى مستواها وطبيعتها.

ليس معنى هذا أن كل الأمور وردية في إدارة العلاقات وتفاصيلها، فهناك مشكلات ينبغي أن يكون هناك أسلوب عاقل وعلمي لدراستها وحلها، لأن ذلك يصب في تطوير تلك العلاقات إلى المستوى الصحيح والمنشود

النظر إلى طبيعة المشروعات التنموية المتعددة التي جرت على أرض مصر منذ 30 يونيو، تبين مدى الحرص على التواصل مع المصريين العاديين، حيث عملت على المساهمة في خطة للإنعاش الاقتصادي على تنشيط ستة قطاعات رئيسية تمثل غالبية الأنشطة الاقتصادية في مصر وتتوفر بها أكبر فرص واعدة للتوظيف، والطاقة، والسياحة، والزراعة، والإسكان، والتعدين، وصناعات النسيج، فضلاً عن مشروعات تنموية في الطاقة الشمسية، ومد القرى المحرومة وغير المرتبطة بالشبكة القومية والمناطق النائية بالكهرباء، بالإضافة إلى ما قام به الهلال الأحمر الإماراتي، حتى امتد التعاون مع الأزهر والكنيسة القبطية، وكل هذه المشروعت تصب في النهاية في صالح المصريين والإماراتيين في إطارتحقيق الاستقرار المنشود.

في هذه السنوات الثلاث الأخيرة، كان هناك جنود حقييون بعضهم مجهول وبعضهم معلوم في بناء والحفاظ على هذه العلاقة، وما زال هؤلاء أو بعضهم يقومون بأدوارهم، وقد يكون من هؤلاء الدكتور سلطان الجابر وفريقه، الذي لم يحن بعد الحديث عن حجم الجهد الذي قام به لتدعيم هذه العلاقة، وسوف يأتي وقت الحديث يوما ما، وهو حديث سيكون وضعاً للحقائق في مكانها بشكل يصب في ذات المعنى الذي بدأت به، بأن هذه العلاقات هي علاقات وجدت لتبقى.

زيارة ولي عهد دوة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان منذ أسبوعين، والتي لم تكن معلنة قبلها أو حتى متوقعة بين المتابعين، هي إحدى الدلائل على طبيعة هذه العلاقة، فالتحرك كان من أجل حسم الجدل حول ما يتردد عن فتور العلاقة، وبالتالي التحرك قدما نحو إقرار الحقيقة التي تقتنع بها القيادتان، وهي أن استقرار مصر ونجاحها هو استقرار ونجاح لكل المنطقة.