موقع أحوال تركية..

الإعلام يأبى الخضوع لآلة قمع النظام التركي

تركيا تحتاج إلى وسائل الإعلام الحرة أكثر من أي وقت مضى

أنقرة

في الوقت الذي كانت فيه وسائل الإعلام التركية تصدح بالمعلومات المتداخلة في قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، كانت أنقرة تلاحق المعارضين في الخارج، وترفع من رصيدها كإحدى أبرز الدول انتهاكا لحرية التعبير.

ومنذ محاولة الانقلاب في تركيا عام 2016، قامت الحكومة التركية بسجن الآلاف من الأعداء المفترضين للدولة التركية بينهم العديد من الصحافيين والأكاديميين ونشطاء حقوق الإنسان.

تقول غاوري فان غوليك، نائبة مدير برنامج أوروبا في منظمة العفو الدولية، “تحتاج تركيا إلى وسائل الإعلام الحرة اليوم أكثر من أي وقت مضى. فما برح صحافيون شجعان يواصلون عملهم في مناخ من الخوف”.

وكلما شددت الحكومة قبضتها على الإعلام وسعت إلى تكميم أفواه الصحافيين والمعارضين، ظهرت منابر أخرى تصدح بالحقائق وتواجه الآلة الكاتمة للنظام التركي، من ذلك موقع أحوال تركية، الذي بلغ سنته الأولى، مؤكدا أنه لا يزال هناك صحافيون يقاومون أجواء الترهيب ولا يخشونها في سبيل أن تكون تركيا بأحوال أفضل.

ويشير رئيس تحرير موقع أحوال، الكاتب السياسي التركي ياوز بايدار، إلى أنّ التطورات التي تشهدها تركيا والضغوط المختلفة التي يتعرض لها الصحافيون الأتراك، بما يُهدّد حرية الرأي “دعت إلى العمل العاجل لتقديم بدائل إعلامية من خارج تركيا، موجهة إلى الأتراك وإلى المهتمين بالشأن التركي من الناطقين بالعربية والإنكليزية كذلك”.

قمع حتى في الخارج

يشير تقرير حقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية إلى أن الحكومة التركية قامت بتلفيق التهم والقضايا للصحافيين المستقلين، مشيرا إلى أن العديد من المصادر الصحافية قالت إن هناك ما بين 81 و153 صحافيا تركيا في السجون في نهاية عام 2017.

وارتفع العدد سنة 2018، مع استمرار عملية الإيقاف واستهداف الصحافيين أينما كانوا، فمثلا يواجه الصحافي عادل يغيت، الذي يقيم في برلين خطر الإبعاد بعد قضائه 36 عاما في ألمانيا. واشتهر بغيت بحضوره مؤتمرا صحافيا مشتركا بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مرتديا قميصا كتب عليه “الحرية للصحافيين في تركيا”.

وتناقلت وسائل الإعلام الألمانية والدولية صورة بغيت وهو يرتدي قميصه أثناء اعتقال رجال الأمن له. وصرّح بغيت إثر ذلك بأنه تبلّغ بأن عليه “مغادرة البلاد بحلول يناير القادم”. وقال في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية “يجب أن يكون هناك علاقة بين الأمرين، ليس هناك تفسير آخر محتمل”.

لا يختلف الأمر كثيرا مع عيسى أرتار رئيس التحرير السابق لمجلة “سياست” الإخبارية السياسية الصادرة باللغة التركية، الذي قال في تصريح لموقع “أحوال تركية” إن موظفي القنصلية التركية في برلين رفضوا تجديد بطاقة هويته وإعطاءه الأوراق التي يحتاجها لتوكيل محام في تركيا للدفاع عنه في قضية يواجه فيها اتهامات بسبب مقال نشره.

وأضاف أرتار “لم أتسلم أي نوع من أوامر الاعتقال أو الإخطارات”. وأشار إلى أنه لم يعلم بأمر الاعتقال إلا بعد الاستقرار في ألمانيا، حيث رآه على النظام الحكومي الإلكتروني على الإنترنت. ويحتاج أرتار من أجل الدفاع عن نفسه في هذه القضية إلى تقديم توكيل رسمي في تركيا، لكن موظفي القنصلية رفضوا السير في الإجراءات الورقية.

منذ محاولة الانقلاب الفاشلة يواجه أكاديميون وصحافيون وكتّاب ينتقدون الحكومة الإحالة إلى التحقيق الجنائي، ومواجهة الملاحقة القضائية والترهيب والمضايقة والرقابة

وتابع قائلا “أخبروني بأنه يمكنني الاستئناف فحسب. لكنهم قالوا أيضا إن الاستئناف سيُرفض لأن هناك دعوى قضائية معلقة بحقي. وفوق ذلك، طلبوا مني جواز سفري. لم أعطيهم إياه لأنه كان من الممكن أن يقولوا لي إن جواز سفري قد تم إلغاؤه”.

ومنذ محاولة الانقلاب في تركيا عام 2016، قامت الحكومة التركية بسجن الآلاف من الأعداء المفترضين للدولة التركية بينهم العديد من الصحافيين والأكاديميين ونشطاء حقوق الإنسان. لكن، كلما شددت الحكومة قبضتها على الإعلام وسعت إلى تكميم أفواه الصحافيين والمعارضين، ظهرت منابر أخرى تصدح بالحقائق وتواجه الآلة القمعية للنظام التركي.

من هذه المنابر، موقع أحوال تركية والذي بات يعد أحد أبرز المنابر التي يتحدث من خلالها الصحافيون والباحثون وحتى مسؤولون أتراك سابقون، بحرية وموضوعية عن الأوضاع داخل تركيا وسياسات الرئيس أردوغان، التي تقود تركيا نحو عزلة إقليمية ودولية، بالإضافة إلى أزمة اقتصادية خانقة تضاعف من تأثيرات ظاهرة كتم الأفواه الصحافيين والمعارضين.

ويشير ياوز بايدار إلى أن موقع أحوال تركية ولد في الأول من نوفمبر 2017، خلال عصر شهدت فيه الصحافة في جميع أنحاء العالم، لا سيما في تركيا، تهديدا لدورها الاجتماعي الحيوي وحتى لوجودها ذاته.

ويقول مؤكدا “بعد مرور 12 شهرا، نحن الذين نحرر وننشر موقع أحوال تركية نشعر بالفخر العميق لقدرتنا على الوصول إلى جمهور عالمي بثلاث لغات، التركية والعربية والإنكليزية، بمحتوى واسع يعتمد على مبادئ الدقة والإنصاف والأمانة والتوازن”.

تركيا تسحق الإعلام

تحتل تركيا المكانة رقم 157 في قائمة تضم 180 دولة أعدتها منظمة “مراسلون بلا حدود” في إطار “مؤشر حرية الصحافة العالمية لعام 2018”، وتراجعت تركيا بذلك مركزين مقارنة بالعامين الماضيين. وفيما تؤكد وسائل إعلام غربية، منها صحيفة واشنطن بوست، أن تركيا تشهد أكبر حملات قمع لحرية الصحافة في العالم، قالت قناة فرانس 24 إن “القضاء في تركيا يسحق الإعلام”.

ويقول بيدار  “لقد رأينا، كمحررين لموقع أحوال تركية، ما يعنيه قمع مهنتنا دون رحمة. كل واحد منا يأتي من خلفية في تركيا، حيث تصر الدوائر العقيمة المتعجرفة في السلطة على القضاء على ما تبقى من وسائل الإعلام المستقلة في البلاد أو إخضاعها”.

في الوقت الذي تتم فيه محاكمة المئات من الصحافيين المعارضين لسياسات الحكومة التركية، تصر الحكومة التركية على أن تربط سجن الصحافيين بعملية الانقلاب الفاشلة، وغالبا ما تكون التهمة على صلة بالإرهاب.

وأصدرت تركيا، التي تمارس حكومتها السلطة في ظل حالة الطوارئ التي فرضت بعد وقت قصير من وقوع الانقلاب الفاشل عام 2016، مجموعة من القوانين الصارمة لمكافحة الإرهاب والتشهير.

لكن، يؤكد بايدار أن ما ينشره الصحافيون هو خير دفاع عنهم، حيث يقول “ما ننشره يجب أن يتحدث عن نفسه وضد كل محاولات تجريمنا وشيطنتنا من قبل النظام وأذنابه في مختلف ألوان الطيف السياسي. نهدف إلى الالتزام بهذا التعهد كل يوم”.

ويتحدث عن فكرة موقع أحوال تركية قائلا “عندما كنا نصمم موقع أحوال تركية قبل عام، لم نكن نريد أن يكون الموقع مجرد موقع منحاز ‘للمعارضة’ ببساطة. لقد رفضت دوما صحة المصطلح عندما يتعلق الأمر بمنفذ إخباري: ‘المعارضة’ مفيدة في وصف السياسة، ولكن بما أنها تعني وضعا ثابتا، فهي غريبة عما نفعله كصحافيين”.

ويضيف “نحن نمثل الصحافة النقدية. وهذا يعني اتخاذ نهج نقدي لكل حدث أو موضوع أو ظاهرة نغطيها. إذا كانت سياسة أو قرار من قبل أي هيكل سلطة يستحق مقاربة إيجابية بعد نظرة نقدية، فليكن ذلك. يجب أن يكون النهج النقدي بطبيعته نهجا عادلا”.

الصحافة ليست جريمة

يقول فاتح بولات، رئيس تحرير صحيفة إفرينسيل، “الصحافة ليست جريمة… نحن ندافع عن جوهر وأخلاقيات الصحافة بينما تحاول (الحكومة) تدمير ما نقوم به”، ويؤكد ذلك ياوز بايدار قائلا “حددنا مسارنا على هذا الأساس: كان هدف موقع أحوال تركية أن يكون موقعا إخباريا طموحا وحرا ومستقلا، مع تركيز أكثر جرأة على تغطية الاقتصاد، ولكن الشجاعة على التعامل مع أي موضوع يستحق التغطية في قصة تركيا المحيرة دائما، تشمل طيفا واسعا بدءا من السياسة وحتى الرياضة”.

ويضيف “… نحن مصممون على أن نكون الصوت لمن لا صوت لهم، وأن ننشر الحقائق والأرقام الحقيقية دون أي أجندة سياسية. نحن نؤمن بالديمقراطية. التزامنا بسيادة القانون غير مشروط. نحن نعمل تحت إشراف أخلاقياتنا ومعاييرنا العالمية. هذه تشكل مساحة تنفسنا وتعطينا القوة”.

وكغيره من المواقع ووسائل الإعلام، لم يسلم موقع أحوال تركية من يد الرقابة التركية، حيث تعرض للحجب. وعن هذا الموقف يقول بايدار “هناك قول مأثور يقول ‘من يريد البيض يجب أن يتحمل صوت الدجاج’. في تركيا المنكوبة بالأزمات في خريف عام 2017، كنت أدرك تماما التحديات التي يطرحها مسعانا. لقد عرفت منذ البداية أن القوى، التي يرمز إليها أردوغان، ستثير غضبها الصحافة الحرة التي نمثلها”.

ويضيف "كان من المعروف أنهم سيبذلون قصارى جهدهم لمنع وصول المحتوى الخاص بنا إلى جمهور متعطش للأخبار، ونهجهم الفظ والاستبدادي يمكن التنبؤ به على حد سواء: من خلال منع المحتوى الخاص بنا، عن طريق تشويه السمعة والتشهير ومن خلال اغتيالات الشخصية وعن طريق الأكاذيب".

وفي أحدث تقرير لها عن حرية الصحافة في تركيا وصفت منظمة العفو الدولية تركيا بأنها تحوّلت إلى سجن كبير، وشددت على ضرورة توقف تركيا عن استخدام حالة الطوارئ كذريعة للتضييق على الصحافيين والمعارضة والحقوقيين وقادة المجتمع المدني.

لكن بايدار يؤكد أن “تركيا تمثل مصدرا رائعا للقصص الإخبارية وتحديا مثيرا للصحافيين. وهي بلد مهم للغاية من حيث مجتمعه المعقد وموقعه الجغرافي السياسي. إنها تتطلب اهتماما كاملا ورصدا هادئا، في الكثير من الأبعاد، لا سيما في الأوقات العصيبة مثل هذه”.

موقع أحوال... نقل كل ما تحتاج معرفته عن تركيا

يعمل موقع أحوال تركية باستقلال تحريري كامل. يمكن بسهولة لأي شخص يراقب من الخارج أن يقيس ذلك: إن إنتاج أي وسيلة إعلامية يكشف عما إذا كانت هناك دعاية أو رقابة (ذاتية). لقد جعل التزامنا موقع أحوال تركية ما هو عليه اليوم: مركزا مستقلا يهدف إلى نقل كل ما تحتاج معرفته عن تركيا، فقد نضج الطفل البالغ من العمر سنة واحدة بسرعة أكبر مما كنا نأمل، على الرغم من محاولات السلطات التركية حظر الوصول إليه. 

وكان ردنا على تلك الإجراءات القمعية والتعسفية هو الاستمرار بعزم أقوى. لقد أنشأنا الآن جدارا صلبا ضد جهود الحجب، وتعتبر تطبيقاتنا على الهواتف المحمولة أكثر التطبيقات التي يمكن الاعتماد عليها، فهي سهلة الاستخدام بين منافسينا.

يتمتع فريقنا بمهارة عالية من الناحية التقنية وقد أظهر بصيرة بشأن مستقبل وسائل الإعلام. نحن نعلم أن الصحافة المطبوعة، كما في أي مكان آخر، تشهد تراجعا حادا في تركيا. لهذا السبب ننتقل إلى المستقبل باستخدام مقاطع الفيديو، لكن الأهم من ذلك، أننا بدأنا ما نعتقد أنه المستقبل لنشر الأخبار والتعليقات: أحوال بودكاست (التدوين الصوتي). هذا التدوين الصوتي يحظى بمكانة عند الجمهور، لا سيما الشرائح الشابة في المناطق الحضرية والمجموعات الاجتماعية المضطهدة، مثل الأكراد في تركيا، من أجل الوصول إلى الحقيقة والاستماع إلى رأي حر جريء.

يتوسع موقع أحوال تركية بسرعة على تلك الجبهة في الأشهر الأخيرة. في عام واحد، تخبرنا بياناتنا أننا قد تمكنا من الوصول إلى ما مجموعه 20 مليون زائر.

لدينا حاليا أكثر من 120 ألف مستخدم فريد يوميا، وهو ما يزيد عن ثلاثة ملايين مستخدم شهريا. لقد كانت وسائل التواصل الاجتماعي شرياننا الرئيسي: يصل ثلثا زائرينا إلينا عبر تويتر وفيسبوك ويوتيوب وإنستغرام. الآن، في نهاية السنة الأولى التي مرت بوتيرة سريعة، نتطلع إلى المستقبل بكل فخر وترقب.