مظاهرات بالجملة والسترات الصفراء مجدداً إلى الشوارع..

خريف حار ينتظر السلطات الفرنسية

أمس كان حافلاً بالمظاهرات والتجمعات

باريس

«الخريف الحار» ينتظر الرئيس الفرنسي وحكومته وعنوانه إضرابات ومسيرات ومطالب وتخوف من عودة أعمال الشغب التي عرفتها باريس والكثير من المدن الفرنسية الكبرى في إطار تجدد الحركة الاحتجاجية لـ«السترات الصفراء» التي انطلقت في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وكانت آمال الرئيس إيمانويل ماكرون وإدوار فيليب، رئيس حكومته، أن تكون التدابير والإجراءات التي اتخذاها و«الحوار الوطني» وخلاصاته قد أطفأت جذوة هذه الحركة. كذلك راهنا على العطلة الصيفية وعلى أسلوب الحكم الجديد للرئيس ماكرون الذي، أكثر فأكثر، يريد «انطلاقة جديدة» في تعاطيه مع المواطنين وفي طريقة استمراره في العملية الإصلاحية. و«كلمة السر» الجديدة هي «الحوار وأيضاً الحوار» على كل المستويات، والسعي لإقناع الناس بجدوى ما تقوم به حكومته من إصلاحات.
هذه الآمال يبدو أنها قد خابت إلى حد بعيد. فبداية الأسبوع الماضي، شلت حركة المواصلات تماماً في العاصمة ومحيطها بسبب إضراب عمال شبكة السكك الحديد احتجاجاً على الشروع الحكومي لإصلاح نظام التقاعد. وبعد يومين فقط، نزل الأطباء والمحامون وكتاب العدل وكثير من المهن الحرة الأخرى بدورهم إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم للمشاريع الحكومية. وأول من أمس، حل دور أنصار البيئة الذين نزلوا إلى شوارع العاصمة وعدد من المدن الكبرى وهم يأخذون على ماكرون مشاريعه «الكونية» بينما إنجازاته في الداخل تفتقر إلى الطموح وتتميز ببطئها.
أما أمس، فقد كان حافلاً بالمظاهرات والتجمعات. فمن جهة، ضرب «السترات الصفراء» على مواقع التواصل الاجتماعي موعداً للتلاقي في العاصمة التي بدأوا بالوصول إليها مجموعات منذ الصباح الباكر ليجدوا بوجههم خطة محكمة قوامها 7500 رجل شرطة ودرك وأمن وسيارات مدرعة وناقلات وخراطيم مياه وحملات تفتيش واعتقالات. واستبق مدير شرطة العاصمة ديديه لالمان المظاهرات ليؤكد أن رجاله «جاهزون» للمواجهة، معلناً أنه «بمواجهة أشخاص يريدون الانتقام ويؤكدون أنهم لم يتخلوا عن أي شيء، أقول: سنكون بالانتظار». وبالفعل، فقد عمدت الأجهزة الأمنية إلى عدة آلاف من عمليات التفتيش وحتى الظهر كانت قد أوقفت 120 شخصاً. والأهم من ذلك أن جادة الشانزليزيه قد تحولت إلى ساحة كر وفر بين الأمن والمتظاهرين الذين تخلوا هذه المرة عن ستراتهم الصفراء لكيلا يلقى القبض عليهم واعتمدوا تكتيكات جديدة لإنهاك القوى الأمنية بحيث يلتقون مجموعات صغيرة ثم، في لحظة ما، يتجمعون معاً ويبدأون الصراخ والغناء. وأغلقت الشوارع المفضية إلى الجادة الشهيرة. كذلك، أغلق الكثير من المحلات والمطاعم والمقاهي أبوابها وأنزلت الستائر الحديدة تلافياً لأعمال التكسير والحرق التي شهدتها الجادة طيلة شهور العام الماضي وبداية العام الحالي. وأبدت السلطات الأمنية تخوفاً من انضمام مجموعات من اليسار واليمين المتطرفين، وخصوصا تلك التي تسمى «بلاك بلوك» إلى المتظاهرين لتعيث فسادا. ولم تقتصر الحركة على «الشانزليزيه» التي أعلنت منطقة محظورة على التظاهر والتجمعات مثلها مثل ساحة الأتوال وساحة الكونكورد. وقد جرت مواجهات قرب كنيسة «مادلين» وفي محيط محطة سان لازار... لكن الملاحظ كان ضبابية مطالب «السترات الصفراء» التي فقدت حركتهم، إلى حد بعيد، قدراتها التنظيمية.
لم يكن «الأصفر» وحده حاضراً في باريس، فقد كان هناك أيضاً «المظاهرة الحمراء» التي دعت إليها نقابة «القوى العاملة» احتجاجا على إصلاح قانون التقاعد الذي تحضر له الحكومة. وتأتي مسيرة المدافعين عن البيئة أمس بعد يوم واحد من نزول الشباب من الطلاب والتلامذة في إطار اليوم العالمي الاحتجاجي للدفاع عن البيئة ومحاربة التلوث والاحتباس الحراري. وما تتخوف منه السلطات أن تتلاقى هذه الحركات الثلاث لأن مطالبها ليست متباعدة. فالكثيرون يرون أن المطالبة بالعدالة الاجتماعية ليست بعيدة عن المطالبة بـ«العدالة البيئية» وبتحسين مستوى الحياة خصوصاً للفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
يوم الأربعاء، ستعيش العاصمة وضواحيها يوماً جديداً من الإضرابات خصوصاً في قطاع النقل. وتتجه أنظار السلطات إلى يوم 20 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، حيث سينزل رجال الشرطة والأمن بدورهم إلى الشوارع احتجاجاً على أوضاعهم وعلى الإنهاك الذي يصيبهم والذي انعكس في تكاثر عمليات الانتحار. وما لا يريده ماكرون أن تتكرر معه التجربة التي عاشها الرئيس الأسبق جاك شيراك أواسط التسعينات عندما شلت الحركة في البلاد تحديداً بسبب مشروع إصلاح نظام التقاعد غير العادل بالنسبة لفئات كثيرة من المجتمع.