تركيا وقطر خصصتا قناة تلفزيونية للغرياني لتمرير أجنداتها..
دراسة: الخطاب الديني التحريضي.. إعطاء مصداقية للسرديات المتطرفة
تخطى تحريض حكومة الوفاق التي يسيطر عليها الإخوان في العاصمة الليبية طرابلس ومن ورائها داعمتهم تركيا، حدود ليبيا ليصل إلى السودان ففي الوقت الذي تسعى فيه الدول العربية والغربية لإيجاد حل سلمي يوقف الحرب التي أججها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أصدر صادق الغرياني مفتي فرع التنظيم في ليبيا فتوى دينية لإشعال نار الفتنة ضد المسؤولين في السودان.
وللتغطية على انتهاكات تركيا التي أرسلت آلاف المرتزقة من سوريا والجنود والأسلحة وتحريضها على الاقتتال في ليبيا، أصدر ما يسمى بـ"المجلس البحوث والدراسات الشرعية" بدار الإفتاء التابعة لحكومة الوفاق، بيانا تكفيريا يتهم فيه السودانيين بالمشاركة في العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش الوطني الليبي لاستعادة طرابلس من الإرهابيين والجماعات الإسلامية والمتطرفة الحاملة للسلاح.
واعتبر بيان دار الإفتاء أن معارك طرابلس مقر حكومة الوفاق يقودها "أبناء الإسلام" ضد الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر الذي أصدر فتوى سابقة بإهدار دمه، و"ناشد" ما أسماهم بـ"الإخوان من علماء السودان وعقلائها" للتدخل لوقف إرسال "المرتزقة" للقتال ضدهم.
دار الإفتاء التي تخضع لحكومة الوفاق وجهت سهامها التحريضية نحو الإمارات للتغطية على الدور التركي العابث بأمن ليبيا بعد أن أجهض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كل الفرص التي كانت متاحة ودعت لها أبوظبي نفسها إلى جانب عدة دول عربية وغربية لوقف الصراع والوصول إلى حل سياسي في ليبيا.
ورغم نفي حكومة السودانية الرسمي في السابق إرسال مقاتلين إلى ليبيا وعدم وجود أي دليل يذكر على علاقة الإمارات بالمرتزقة في ليبيا، إلا أن وكالة الأناضول التركية تشن هجمات وتلفق تقارير يومية ضدها للتغطية على أعداد المرتزقة المتزايدة الذين جندتهم تركيا من فصائل موالين لها في شمال سوريا للقتال إلى جانب حكومة فائز السراج.
وبالتزامن مع التصعيد العسكري ميدانيا ينتهج إخوان ليبيا نفس وتيرة العنف إعلاميا للتغطية على تسليم حكومة الوفاق إلى المحتل التركي، حيث يشن مرتزقة إلكترونيون هجمات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتبرير العبث التركي إما عبر التحريض ضد من يعارض الإسلاميين والدعوة إلى العنف ضدهم لنصرة "حماة الدين" أو عبر توثيق فيديوهات المتطرفين والمرتزقة السوريين الذين أرسلهم أردوغان، وهم يتباهون بالأسلحة والمدرعات والطائرات التركية المسيرة التي تقتل يوميا الليبيين.
بيان دار الإفتاء الذي وصف "تجنيد الشباب السودانيين من قبل حفتر بالمتاجرة الرخيصة"، لم يتطرق للمرتزقة الذين جندتهم أنقرة لقتل الليبيين في بلادهم بأسلحة تركية بل لحقته تصريحات داعمة على لسان المفتي المعزول الصادق الغرياني الذي اشتهر بإصدار فتاوى غريبة يقوم يوميا بالترويج لها على مقاس المحور التركي القطري لتمكين جماعات الإسلام السياسي تحت غطاء الدين و"نصرة الإسلام".
الغريانى الذي يلقب في ليبيا بـ"مفتي الفتنة"، أجاز بالتزامن مع بيان داء الإفتاء عبر برنامج “الإسلام والحياة” الذي تبث قناة تلفزيونية يديرها ابنه من إسطنبول بتمويل قطري، استلاء الميليشيات والمقاتلين في طرابلس على الممتلكات حيث أفتى بأن "السيارات والأسلحة الثقيلة والمعدات والنقود لا تعد من السلَب الذي يختص به المقاتل، بل هي غنيمة، أربعة أخماسها ملك لجميع الحاضرين للقتال، وخمسها تتصرف فيه القيادة للمصالح العامة".
بعد ازاحة أنظمة دكتاتورية في بعض البلدان العربية برز دور الذراع الفقهية للجماعات الإسلامية عبر إصدار فتاوى تحريضية تتوافق مع مصالحها وأهدافها فنادت برفع السلاح ومحاربة قوات الأمن والجيش التي روجت لاعتبارها "طواغيت" تصادر حرية الشعوب
وفي وقت سابق أجاز الغرياني أيضا دفع أموال الزكاة للجماعات المسلحة لشراء المقاتلين والسلاح لصالح حكومة الوفاق في تبرير فاضح لانتهاكات تركيا في ليبيا واستثمارها في أموال الليبيين وتأجيجها للاقتتال فيما بينهم.
هذه الفتاوى الإخوانية التي يصدرها الغرياني من حين إلى آخر حسب مقاس المصالح التركية والقطرية الطارئة في ليبيا، تشبه إلى حد كبير تلك الدعوات التي يبرر بها تنظيم داعش الإرهابي هجماته ضد الأبرياء بحثا عن مراكز القوة عبر القتل، إلا أن التكتيكات والأساليب تختلف في هذا السياق حيث يعتمد الإخوان على حكومات "شرعية" معترف بها دوليا مثل حكومة الوفاق للتغطية على فقدانها المصداقية لدى الشارع، وهو نفس الأسلوب الذي تنتهجه في هجومها الدائم على المؤسسات العسكرية سواء في ليبيا أو مصر أو السودان وذلك بهدف التشكيك في ولاء الجيش ودوره الوطني في حماية الدولة التي يسعى الإسلاميون لإضعافها وتركيع مؤسساتها القوية لتسهيل عملية الاستيلاء على الحكم.
بعد تدخل تركيا عسكريا في ليبيا زادت وتيرة التحريض على العنف من قبل الغرياني وصلت حد التشكيك في هيئة الأوقاف التابعة لحكومة الوفاق نفسها بزعم تبنيها للسلفية العلمية أو ما يسميه الإسلام السياسي بـ"التيار الجامي المدخلي" المحسوب على المملكة العربية السعودية.
هجوم الغرياني على هيئة الأوقاف ورئيسها محمد العباني في السابق كشف الصراع على مراكز النفوذ في طرابلس وما يعكسه من مواجهة سياسية يلجئ فيها التيار الإخواني بدعم قطري تركي لإباحة جميع الأساليب العسكرية وخاصة الدينية لمواجهة كل من يعارضهم بهدف الحفاظ على نفوذهم في المنطقة.
في فتوى أخرى سابقة دعا الغرياني الذي يقيم في تركيا، وزير التعليم بحكومة الوفاق، محمد عماري زايد، بوقف الدراسة في طرابلس وإرسال الطلاب إلى القتال لمواجهه الجيش الوطني الليبي.
هذه الفتاوى على غرابتها تثير السخرية لدى البعض لكن هدفها التحريضي الخطير لم يعد يخفى على الشعوب التي ثارت على الأنظمة الدكتاتورية حتى يأتي تيار الإسلام السياسي لإعادة تركيزها من جديد باسم الدين. إن التعتيم والتغطية المتعمدة من قبل الإخوان على الاستعمار التركي الجديد لبلد عربي بهدف غنم ثرواته خدمة لمشروع متكامل في المنطقة ما هو إلا بداية لتأسيس ديكتاتورية إسلامية جديدة تنفذ تحت راية "حماية الدين والإسلام" ضمن مشروع تمدد متكامل للثنائي التركي القطري.
منذ 2011 أي بعد ازاحة أنظمة دكتاتورية في بعض البلدان العربية التي شهدت ثورات شعبية، برز دور الذراع الفقهية للجماعات الإسلامية عبر إصدار فتاوى تحريضية تتوافق مع مصالحها وأهدافها فنادت برفع السلاح ومحاربة قوات الأمن والجيش التي روجت لاعتبارها "طواغيت" تصادر حرية الشعوب، فارتكبت عدّة جرائم عنف واغتيالات حتى بات تنظيم الإخوان أحد أبرز المساهمين في انتشار الفوضى وتعزيز الانقسام في تونس ومصر وليبيا وسوريا وبلدان أخرى شهدت صراعات للاستيلاء على السلطة وكانت تلك فرصة الإخوان لاغتنام الاحتجاجات الثائرة ضد النظام وتمرير خطاباتها الدعوية.
يشهد تاريخ الإخوان العنيف أن الجماعة لا تستثني طريقة تمكنها من الوصول إلى الحكم سواء بالترويج للشائعات أو التحريض وصولا إلى توظيف الخطاب الديني لإشعال نيران الفتنة وذلك حتى يتسنى لها استغلال فرصة انتشار الفوضى للانقضاض على مفاصل الدولة وتفكيكها في ظل غياب خطاب ديني تنويري هادف في تلك المجتمعات الإسلامية.
الغرياني هو نسخة مصغرة عن يوسف القرضاوي الذي تحتضنه قطر بعد أن نفخ بدوره خلال السنوات الماضية في صورة جماعة الإخوان لتقديمها في ثوب "المنقذ للإسلام"، لكن هذا النوع من الفتاوى لم يعد يجد اليوم الصدى المطلوب لدى الشعوب العربية خاصة في دول المغرب العربي الذي يصعب على أشكال الإسلام السياسي اختراق نمط عيشه نظرا لهويته المجتمعية والخصوصية العقائدية التي تتميز بها منطقة شمال إفريقيا.
ورغم وجود نسبة كبيرة من الليبيين تتأثر بالفتاوى التي تطلقها المؤسسات الخاضغة لسيطرة حكومة الوفاق، فإن التحريض والعنف الذي يعتمده الإخوان ومن ورائهم تركيا وقطر أصبح يقف عائقا أمام المطالب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لدى فئة كبيرة من الشباب الليبي، الذي انكشفت أمامه في السنوات الأخيرة أطماع الإسلاميين وأصبحت تمثل عائقا أمام أحلامهم ببناء دولة عصرية متقدمة تعكس طموحاتهم منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي، على غرار ما حصل في تونس ومصر والسودان الذي يحرض ضدها الإخوان بالتركيز على مؤسساتها العسكرية باعتبارها تمثل الصد المنيع أمام مشروعهم السياسي.
بعد الإطاحة بحكم البشير والإخوان الذي فقّر السودان وجعله في عزلة إقليمية ودولية، أصبحت السلطة الانتقالية في السودان تثير حنق الإسلاميين الذي تزايد على إثر حل حزب المؤتمر الوطني ووضع حد لتحركاته المشبوهة وتجفيف المنابع المالية التي كان نظام البشير يستخدمها للحصول على دعم نظامه من قبل أنقرة والدوحة وحتى تنظيم القاعدة.
وأثارت تلك الخطوة هلع المحور التركي القطري الذي يحاول منذ فترة إعادة فلول الحزب الإخواني في السودان إلى دائرة النفوذ عبر أساليب مختلفة، لكن حجم الدمار والفساد الذي اقترفه حكم "الكيزان" والاستبداد الذي مارسه على السودانيين تحت غطاء الدين طيلة عقود جعل الشارع ينبذه إيمانا بأن التغيير والثورة يمران وجوبا بقطع جذور وامتدادات الإخوان أولا.
فتوى حكومة الوفاق ودعوات التحريض على لسان الغرياني تندرج ضمن هذه المحاولات لتأجيج الشارع في السودان عبر دعوة الإسلاميين هناك لتشويش على الحكومة الانتقالية في الخرطوم والكيد الممنهج ضد المؤسسة العسكرية على غرار ما يفعله الإخوان في مصر.
هذه الاتهامات التي يستأنفها الإخوان كلما وجدوا أنفسهم في مأزق تندرج ضمن طريقة أحسن وسيلة للدفاع هي الهجوم ضد بلدان بعينها، فالتحريض ضد الخصوم وسيلة يستخدمها المحور التركي القطري اعتمادا على الإخوان للتغطية على انتهاكاتها في أكثر من بلد عربي لبسط نفوذ مشروع الإسلام السياسي خدمة لمصالحه الاستراتيجية في المنطقة.
الإنخراط في الحرب في ليبيا عبر إرسال المرتزقة السوريين يندرج ضمن خطط تركيا التوسعية في ليبيا لكنه لا يخدم الحكومة السودانية التي تسعى بكل السبل إلى التصالح مع المجتمع الدولي من خلال رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فهي منشغلة بإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية وإصلاح الخراب والخروج من العزلة التي خلفها حكم الإخوان لمدة 3 عقود.
لقد أصبح السودان الذي كان ملاذا آمنا لجماعة الإخوان على مر عقود يربك تركيا وقطر بعد ان كان محطة مركزية في حساباتها لذلك فإن التفريط فيه أو التضحية بالموالين للتنظيم وقادته وأنشطتهم فيه لن يكون سهلا، لذلك يسخر أردوغان ومعه النظام القطري كل الطاقات الإعلامية واللوجستية لتوفير غطاء ديني يبرر تدخله العسكري في ليبيا بفتوى ويحرض ضد الحكومة في الخرطوم بخطابات تحريضية لذر الرماد على تسليم الإسلاميين ليبيا لطرف أجنبي يغزوها ويقتل أبنائها وينهب ثرواتها تحت راية "نصرة الإسلام".
هذا الأسلوب من الخطاب الديني التحريضي هو وسيلة جماعات الإسلام الإسلامي لتعزيز الشعور لدى الشعوب التي تريد التأثير عليها بوجود عدو يتربص بها بهدف إعطاء مصداقية لسردياتها المتطرفة للحرب والتقاتل من أجل الوصول إلى السلطة.