بالتزامن مع استمرار تدهور الوضع الإنساني..

تقرير: "نفط" مأرب و"فشل" غريفيث.. ما وراء تصعيد القتال بالجبهات؟

غريفيث "أرشيفية"

الرياض

بالتزامن مع استمرار تدهور الوضع الإنساني، والتزايد الملحوظ لعدد المصابين بفيروس “كورونا” في اليمن، يشهد البلد العربي الفقير تصعيدا عسكريا جديدا منذ أيام، يشمل مواجهات ميدانية في جبهات عديدة، وغارات جوية متبادلة بين التحالف العربي وجماعة “الحوثي”.

التحالف أعلن، فجر الثلاثاء، أن قواته أسقطت طائرات مسيرة محملة بمتفجرات أطلقها الحوثيون باتجاه المناطق المدنية في منطقة عسير جنوبي السعودية (قائدة التحالف العسكري الداعم للحكومة اليمنية).

جاء ذلك عبر بيان صادر عن الناطق باسم التحالف، تركي المالكي، بعد ساعات من بيان مماثل له تحدث فيه عن إسقاط طائرة مسيرة مفخخة أطلقها الحوثيون باتجاه مدينة خميس مشيط السعودية.

على الجانب الآخر من الحرب، أعلنت جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، الثلاثاء، أن سلاح الجو المسير التابع لها نفذ عملية واسعة على مرابض الطائرات ومخازن التسليح وأهداف عسكرية حساسة أخرى في خميس مشيط السعودية، بخمس طائرات مسيرة من نوع 2K.

وقال المتحدث العسكري للجماعة، يحيى سريع، في بيان، إن “الإصابة كانت دقيقة”، وهي رد على “التصعيد الجوي الكبير للعدوان (يقصد التحالف)”.

في اليوم ذاته، عاود طيران التحالف قصف مواقع للحوثيين في صنعاء (شمال)، بينها جبل النهدين جنوبا، وقاعدة الديلمي الجوية العسكرية شمالا، وفق مصادر عسكرية.

كما شن التحالف غارات على مخازن أسلحة وتعزيزات عسكرية للحوثيين بمديرية صرواح غربي محافظة مأرب (شرق)، حسب بيان مقتضب للجيش اليمني.

وفي اليوم السابق، الإثنين، اتهم الحوثيون التحالف بقتل 13 مدنيا في مديرية شدا بمحافظة صعدة (معقل الجماعة- شمال)، عبر غارات جوية، فيما لم يعلن التحالف مسؤوليته عن ذلك، ويقول عادة إنه حريص على تجنب قصف المدنيين.

والملاحظ أن التحالف العربي وجماعة الحوثي يتهم كل منهما الآخر ببدء التصعيد العسكري وعدم الجدية في تحقيق السلام.

مواجهات ميدانية

كما اندلعت، خلال الأيام الماضية، مواجهات على جبهات يمنية عديدة بين القوات الحكومية والحوثيين، أبرزها جبهة نهم شرقي صنعاء، ومديرية مجزر، وهي بين محافظتي الجوف ومأرب وتتبع إداريا الأخيرة، وسط اتهامات متبادلة بالمسؤولية عن التصعيد الميداني.

وللمرة الأولى منذ بدء الحرب، فُتحت جبهة قتال إضافية، الأربعاء، في محافظة البيضاء (وسط)، بين القبائل الموالية للحكومة والحوثيين، بعد اتهام الجماعة بقصف القبائل بصواريخ.

للمرة الأولى منذ بدء الحرب، فُتحت جبهة قتال إضافية، الأربعاء، في محافظة البيضاء (وسط)، بين القبائل الموالية للحكومة والحوثيين، بعد اتهام الجماعة بقصف القبائل بصواريخ

يأتي هذا في وقت جددت فيه الأمم المتحدة دعوتها لأطراف الصراع إلى إلقاء السلاح والتفرغ لمواجهة جائحة “كورونا”، الذي زادت حدته خلال الأيام الماضية، حيث سجل اليمن، في يوم واحد هذا الأسبوع، أكثر من 40 حالة وفاة.

وتقول الأمم المتحدة إن معدل وفيات “كورونا” في اليمن أعلى بأربع مرات من المعدل العالمي.

ورغم أن اليمن لم يعلن سوى تسجيل 909 إصابات، بينها 248 وفاة، إلا أن خبراء ومتابعين للواقع الصحي المتدهور في البلاد يرون أن الإصابات لا تقل عن الآلاف، مع مئات الوفيات على الأقل.

إستراتيجية عسكرية حوثية

يبدو أن التصعيد العسكري الراهن له عدة دلالات، وكل طرف يسعى عبره إلى تحقيق مكاسب، أو على الأقل منع الطرف الآخر من تحقيق أي نصر ميداني أو سياسي.

وقال عبد السلام محمد، رئيس مركز “أبعاد” للبحوث والدراسات (يمني غير حكومي)، إن “الحوثيين يريدون السيطرة على محافظة مأرب، ضمن إستراتيجيتهم الحالية للسيطرة على منابع النفط”.

وأضاف: “الحوثيون عندما يريدون تنفيذ إستراتيجية، يقومون بعمليات تصعيد في أكثر من منطقة لتشتيت التركيز”.

وتابع: “لأن طيران التحالف تدخل لدعم الجيش والمقاومة في منع الحوثيين من التقدم، أطلقت الجماعة صواريخ باليستية وطائرات مسيرة على السعودية، كرد فعل دائم عندما يتدخل الطيران في الحرب”.

وأردف الباحث اليمني: “لأن الصواريخ البالستية تُطلق من صعدة وصنعاء، وتوجد هناك مخازن الأسلحة الثقيلة، باشر التحالف بضرب تلك المناطق”.

وشدد على أن “هذا التصعيد هو نتيجة لتوجه الحوثي إلى السيطرة على مأرب، آخر مناطق (سيطرة الحكومة) الشرعية في الشمال”.

الحوثيون يريدون السيطرة على محافظة مأرب، ضمن إستراتيجيتهم الحالية للسيطرة على منابع النفط

ورجح أن “ذلك قد يؤدي إلى تصعيد في أكثر من مكان، سواء في محافظة البيضاء والساحل (غرب) وتعز (جنوب غرب) والضالع (جنوب)”.

واعتبر محمد ذلك “فرصة للشرعية والتحالف للضغط العسكري على الحوثيين أكثر، واستعادة محافظة الجوف (محاذية للحدود السعودية- شمال) ومديرية نهم (شرقي صنعاء) والتقدم في البيضاء والحُديدة (غرب)”.

واستدرك: “لكن لو كرر التحالف إعلان وقف إطلاق النار، فإن مأرب ستكون في خطر، فالحوثيون سيعيدون ترتيب إستراتيجيتهم وسيهاجمونها مرة أخرى”.

 فشل الجهود الدبلوماسية

مع هذا التصعيد العسكري اللافت، وعدم تحقيق أي تقدم سياسي في المشاورات بين طرفي النزاع، ثمة من يصفون جهود الأمم المتحدة الدبلوماسية بـ”الفاشلة”.

وقال مأرب الورد، محلل سياسي يمني، إن “التصعيد العسكري الحالي هو نتيجة طبيعية لفشل الجهود الدبلوماسية، بقيادة المبعوث الأممي لليمن، مارتن غريفيث”.

وتابع: “غريفيث يقارب الأزمة اليمنية بطريقة خاطئة تطيل أمدها أكثر مما تساعد بحلها”.

وأوضح “الورد”: “منذ إعلان التحالف والحكومة وقفا أحاديا لإطلاق النار، في 9 أبريل (نيسان الماضي)، لم تلتزم به مليشيات الحوثي، ولم يستثمره غريفيث لتهيئة الظروف لاستئناف المشاورات”.

وأردف: “يكفي أن نشير هنا كمثال إلى فشل غريفيث في إطلاق سراح 10 صحافيين مختطفين لدى الحوثي منذ سنوات”.

وحول التأثيرات المحتملة للتصعيد الراهن على عملية السلام، رأى “الورد” أن “هذا التصعيد لن يؤثر على أي جهود حقيقية للحل السياسي للأزمة اليمنية، فما نراه في التحركات الأممية والبريطانية لا يشير إلى جدية في هذا الاتجاه”.

عقبات أمام غريفيث

المبعوث الأممي عقد، خلال الفترة الأخيرة، لقاءات مع أطراف الصراع، عبر الاتصال المرئي، لكنه لم يحرز أي تقدم فعلي نحو إنهاء الحرب المستمرة منذ ست سنوات.

ويشكو غريفيث من تعقيدات الملف اليمني، واتساع الفجوة في وجهات النظر بين الأطراف المتحاربة، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام جمع المتحاربين في مشاورات جديدة.

ولم تحرز الأمم المتحدة أي تقدم سياسي حقيقي في الأزمة اليمنية منذ أكثر من عام ونصف.

فقط استطاع غريفيث جمع الأطراف اليمنية في مشاورات بالعاصمة السويدية ستوكهولم، في ديسمبر/كانون الأول 2018، واتفقت الحكومة والحوثيون على حل ملفات، بينها الحُديدة وتبادل الأسرى والوضع الإنساني بتعز، المحاصرة من الحوثيين.

لكن حتى اليوم لم يتم إحراز أي تقدم فعلي في تطبيق اتفاق ستوكهولم، وسط اتهامات متبادلة بين طرفي النزاع بشأن عرقلة التنفيذ، وتلاشي آمال اليمنيين بشأن تحقيق حل سياسي عاجل لأزمة بلادهم.