الصمت بدل المواجهة..
تقرير: إخوان الأردن.. التخفي خلف الموقف الرسمي للدولة الأردنية
ترقب جماعة الإخوان المسلمين بحذر مسارات الأمور في الأردن، متجنبة المخاطرة بالتحرك واستفزاز النظام حيث سبق ودفعت ثمنا باهظا لاندفاعها حينما تصدرت موجة الاحتجاجات في العام 2011، على أمل الحصول حينها على تنازلات تضعها في قلب معادلة السلطة وليس على هامشها كما الحال بالنسبة لها منذ تشكلها في أربعينات القرن الماضي.
تعمل الجماعة وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي هذه الفترة بمقولة “الصمت أبلغ من الكلام أحيانا”، دون أن تغفل أعينها عن تتبع خطوات أصحاب القرار المتحفزة خصوصا مع الأزمات التي تعصف بالداخل في ارتباط بالوضع الاقتصادي الذي يزداد قتامة مع تفشي جائحة فايروس كورونا وتأثر شرائح مجتمعية واسعة بهذا الوضع الضاغط والذي لا يبدو أن هناك انفراجة قريبة له في الأفق.
وتزداد الضغوط على الأردن لاسيما مع الأوضاع الهشة في الجوار ودخول قانون قيصر الأميركي حيز التطبيق في سوريا والذي لن تكون المملكة بمعزل عن تأثيراته خصوصا وأن عمان كانت تراهن على استعادة النسق الطبيعي للعلاقة مع سوريا على أمل إعطاء جرعة دعم لاقتصاد البلاد المنهك، في ظل تراجع المساعدات الخارجية نتيجة تغير أولويات الدول الشقيقة والصديقة، والتهديدات الأميركية التي تطل بين الفينة والأخرى لوقف دعمها الذي يقدر بمئات المليارات من الدولارات.
لعل التحدي الأكبر يبقي الضغوط الإسرائيلية على عمان للقبول بخطط ضم أجزاء واسعة في الضفة الغربية المحتلة، يقابلها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بحملة إعلامية ودبلوماسية مكثفة في محاولة لحشد الدعم الدولي لإجبار تل أبيب على التراجع عن مشروعها وسط تلويحه بإمكانية السير في اتجاه تجميد اتفاقية وادي عربة للسلام التي تم التوقيع عليها بين الطرفين في العام 1994.
في خضم كل ذلك تنكفئ جماعة الإخوان على نفسها وهي التي كانت سباقة في النزول إلى الشارع في قضايا أقل خطورة وأهمية، لاسيما في علاقة بإسرائيل، لعل من بينها اتفاقية الغاز المبرمة بين عمان وتل أبيب في العام 2016، التي عملت الجماعة وذراعها السياسية على الاستثمار فيها طويلا تارة لابتزاز النظام وطورا لشد عصب الأنصار الذين انفض العديد من حولها في السنوات الأخيرة.
سياسة النعامة
موقف جماعة الإخوان في الأردن مما يتم التحضير له حاليا خلف الحدود الغربية لا يمكن قراءته بمعزل عن مواقف التنظيم الدولي للإخوان وباقي فروعه في المنطقة بما في ذلك حركة حماس الفلسطينية، فباستثناء بعض ردود الفعل “الخجلة”، يتخذ التنظيم وفروعه وضعية “النعامة حينما تدفن رأسها في الرمال”.
لطالما وظف الإخوان المسلمون القضية الفلسطينية لاستمالة الرأي العام، ولإحراج الأنظمة العربية الحاكمة، من خلال اتهام الأخيرة تارة بالعمالة وطورا بالضعف والتراخي، مع الإشارة إلى أنهم حينما صعدوا إلى السلطة في مصر في العام 2012 كانت أولى خطواتهم إرسال إشارات طمأنة لإسرائيل، كما أن حركة النهضة الإسلامية التي تعد شريكا أساسيا في الحكم في تونس منذ العام 2012 كانت ضمن المتحفظين على مشروع قانون تقدمت به قوى يسارية لتجريم التطبيع مع إسرائيل.
اليوم القضية الفلسطينية على المحك ومشروع قيام دولة مستقلة على أراضي 1967 قد يتحول إلى سراب في يوليو المقبل، ومع ذلك الإخوان المسلمون يرفعون شعار “لا أرى لا أسمع ولا أتكلم”، فيما تشن ماكينتهم الإعلامية وجيوشهم الإلكترونية حملة تظليل واسعة تستهدف دولا بعينها، وتتجاهل أخرى.
يقول سياسي أردني إن موقف الإخوان المسلمين متوقع لجهة أنهم يدركون مخاطر تصدر جبهة المعارضة لهذا المشروع من ذلك إثارة غضب الجانب الأميركي الذين يحرصون كل الحرص على كسب ولائه، ليس فقط من أجل تجنب عصا “قائمة الإرهاب” بل ولأنهم يراهنون على دعمه في هدفهم الأساس أي حكم المنطقة العربية.
يضيف السياسي أن من الدوافع الأخرى التي تقف خلف هذه المواقف الباهتة للإخوان في الأردن أو في باقي الدول من خطط الضم الإسرائيلية، هي الجهات الإقليمية المرتهنين إليها على غرار تركيا التي ترتبط بعلاقات اقتصادية وأمنية وثيقة مع الجانب الإسرائيلي. ويلفت إلى أنه لا يمكن تصور أن تمادي تركيا في أكثر من دولة عربية بدءا بسوريا مرورا بليبيا وصولا إلى العراق جرى دون ضوء أخضر أميركي الحليف الاستراتيجي لإسرائيل.
على ضوء ذلك فإن الصمت بالنسبة للإخوان في هذا الملف ليس فقط أقل كلفة بل له مزاياه، فمن جهة هم يريدون إحراج الأنظمة العربية وحشرها في الزاوية فإن ظلت تلك الأنظمة على رفضها قد تجد نفسها في مواجهة غير متكافئة مع إسرائيل باعتبار أن الأخيرة مسنودة بدعم لامشروط من الولايات المتحدة، وفي حال تنازلت فإنهم سيقفزون على الحدث مثل كل مرة ويجيرونه دعائيا خدمة لأجندتهم السياسية، وفي كلتا الحالتين هم الرابحون.
ويشكل مشروع الضم الإسرائيلي الذي يستهدف الكتل الاستيطانية وغور الأردن الاستراتيجي (الذي يقع شمال البحر الميت ويشكل ثلث مساحة الضفة الغربية ويحوي أخصب أراضيها) خطرا مباشرا من وجهة نظر أردنية ذلك أن هذا المشروع سيعني نسف أسس السلام “القائمة”، بما يعنيه ذلك نهاية حلم قيام دولة فلسطينية، وإحياء لمشاريع سابقة.
فبضم إسرائيل لغور الأردن لن يبقى للفلسطينيين سوى نحو 13 في المئة من الأراضى الفلسطينية، ما يجعل قيام دولة تخصهم أمرا مستحيلا، إذا ما أخذ بالاعتبار وجود نحو 500 مستوطنة منتشرة في أنحاء الضفة الغربية ويقطنها نحو مليون مستوطن.
هنا قد يجد الأردن نفسه أمام سيناريوهات “صعبة” ليس فقط لجهة إمكانية خسارة الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ديسمبر 2017 عاصمة لإسرائيل، بل وأيضا إمكانية إحياء فكرة أن يكون الأردن الوطن البديل للفلسطينيين.
قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عقب زيارة أداها إلى رام الله الأسبوع الماضي إن “عملية الضم حتى لو كانت جزئية فإن هذا يعني فصل شمال الضفة عن جنوبها وفصل الضفة عن القدس، وبالتالي قتل فرص قيام دولة مستقلة قابلة للحياة”.
وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني حذر في وقت سابق خلال مؤتمر عبر الفيديو جمعه بلجان وقيادات في الكونغرس الأميركي من أن “أي إجراء إسرائيلي أحادي لضم أراض في الضفة الغربية هو أمر مرفوض ويقوض فرص السلام والاستقرار في المنطقة”.
سلاح النقابات المهنية
جماعة الإخوان في الأردن تحاول التخفي بالواضح خلف الموقف الرسمي للدولة الأردنية في هذا الملف الحساس، لكنها تتحضر في الوقت ذاته لأي تطورات، خاصة إذا ما استشعرت حالة من الضعف بدت تدب في أوصال السلطة.
ولا يستبعد أن تعمد الجماعة إلى التحرك في محاولة لزيادة الضغوط على النظام ليس بشكل مباشر وإنما من خلال النقابات المهنية التي تسيطر عليها، لاسيما مع عودة نقابة المعلمين مؤخرا إلى واجهة الأحداث في المملكة، عبر تهديدها بالنزول إلى الشارع رفضا لوقف علاوة مالية جرى إقرارها للمعلمين مطلع العام الجاري.
وكانت الحكومة الأردنية اتخذت في منتصف أبريل الماضي جملة من الإجراءات لاحتواء التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا من بينها “تعليق” العمل بالزيادة المالية المقررة لموظفي الجهازين الحكومي والعسكري لعام 2020، اعتبارا من 1 مايو الماضي وحتى نهاية 2020.
وقال نائب نقيب المعلمين ناصر النواصرة، وهو أحد كوادر جماعة الإخوان ويتولى قيادة النقابة منذ 2019 بعد وفاة النقيب أحمد الحجايا، خلال اجتماع مع رؤساء فروع النقابة في 8 يونيو الجاري “لو ارتدت علينا الكرة الأرضية فلن نتنازل عن فلس واحد من علاوتنا”.
موقف جماعة الإخوان في الأردن من خطط إسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية لا يمكن قراءته بمعزل عن موقف التنظيم الدولي للإخوان وباقي فروعه في المنطقة بما في ذلك حركة حماس الفلسطينية
تلاه إعلان النقابة عن خطة لاستعادة العلاوة بأثر رجعي، حددت فيها خطوات، من بينها وقفات احتجاجية واعتصامات وإضراب عن الطعام، وإضراب متدرج عن العمل وصولا إلى إضراب مفتوح.
وقابلت الحكومة الأردنية هذا التصعيد برد حازم عبر عنه وزير الداخلية سلامة حماد، قائلا إن تصريحات نائب نقيب المعلمين “مرفوضة”، وتوعد بـ”إجراءات قانونية إذا ما تكررت”.
وكانت نقابة المعلمين دخلت في سبتمبر الماضي في إضراب مفتوح عن العمل استمر لشهر كامل وهو الأطول في تاريخ المملكة، لإجبار حكومة عمر الرزاز على تنفيذ اتفاق علاوة تقدر بـ50 في المئة من الراتب الأساسي قالت النقابة إنها توصلت إليه مع حكومة عبدالله النسور في عام 2014.
وتدرك حكومة الرزاز أن غايات سياسية تقف خلف عودة تصعيد النقابة في هذا التوقيت خاصة وأن قرار تعليق العلاوة مرت عليه أسابيع، فضلا عن أن باقي النقابات أبدت وإن على مضض تفهما لقرارات الحكومة، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها المملكة مع استمرار خطر كورونا.
وهناك شبه قناعة لدى الدوائر القريبة من صناع القرار في الأردن بأن جماعة الإخوان تحاول من خلال نقابة المعلمين جس نبض السلطة، وأن الموقف الذي عبر عنه وزير الداخلية يشي بأن الأخيرة لم تبلع الطعم، وأنها بالمرصاد لأي تحركات داخلية لاسيما من الجماعة وممن يدورون في فلكها، بالرغم من التحديات التي تتدافع من كل حدب وصوب.