نتيجة التوتر والاضطرابات..
كيوبوست: هل تفتح معارك سقطرى باب أمل أم صراع طويل الأمد؟
يتمحور أحد أبرز منافع اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية في اليمن، حول الاعتراف الصريح بهذا الكيان الجنوبي؛ وهو ما يعني رفع حاجز العُزلة الدولية عنه. وعلى الرغم من الجدل الواسع حول عدم تنفيذ الاتفاق الذي جرى في نهاية العام الماضي؛ فإنه لا يزال مَدعاة غضب للمناهضين لقضية الجنوب العربي والمناوئين للمجلس الانتقالي، وعلى رأسهم حزب الإصلاح (الإخواني) الذي رفع حدة عدائيته والدعوة إلى تدخل تركي في اليمن نكايةً بالتحالف العربي، وعلى رأسه السعودية، وبحثاً عن سند لطموحاته.
تمثَّل أحدث جولات حزب الإصلاح والقوات الداعمة له لمقاومة قضية الجنوب العربي في السعي لسلب أرخبيل جزيرة سقطرى، والذي يقع بالقرب من خليج عدن؛ في محاولة لإتاحة الجزيرة ذات الأهمية الاستراتيجية العالية للنفوذ التركي المتزايد في اليمن، وهو مسعى ضد تيار التاريخ في الجزيرة التي يمتلك أهاليها علاقات تاريخية وعائلية وثيقة محلياً مع المحافظات الشرقية، بالذات محافظة المهرة، وإقليمياً مع دولة الإمارات العربية المتحدة؛ مما يعني أن ولاءهم للجنوب والبيت العربي لا يمكن زحزحته أو مقايضته بسهولة.
لماذا الآن؟
أحكم المجلس الانتقالي الجنوبي السيطرة على محافظة أرخبيل جزيرة سقطرى مطلع هذا الأسبوع، بعد أشهر من التوتر والاضطرابات والحشد العسكري، وانضمام كتائب عسكرية إلى القوات المؤيدة للجنوب. احتفل أهالي سقطرى بانتصار المجلس الانتقالي، بينما نددت الحكومة الشرعية بتحركاته ووصفتها بالتمرد والانقلاب.
تأتي السيطرة على الجزيرة في وقت تسعى فيه السعودية بصدق لإنهاء الصراع في اليمن، حسب تعبير قائد القيادة المركزية بالجيش الأمريكي الجنرال فرانك ماكنزي، مؤخراً. تُدرك الرياض أن إعادة إعمار البلاد في مرحلة ما بعد الصراع ضرورة مُلحَّة؛ لكنها مُكلفة في ظل حالة عدم اليقين التي تكتنف الأوضاع الاقتصادية الحالية، وهنا يأتي دور إشراك لاعبين آخرين في اليمن، وفي مقدمتهم الصين.
تمتلك الصين علاقات استراتيجية متينة مع السعودية والإمارات، وفي الوقت نفسه سعت إلى توطيد علاقاتها بجميع أطراف النزاع في اليمن؛ بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي. وعلى الرغم من أن الصين لم تستغل علاقاتها لتولي دور الوساطة أو الحوار؛ فإنها تُعبِّر دائماً عن استعدادها للاستثمار في الاقتصاد اليمني، والمشاركة في إعادة الإعمار الاقتصادي في البلاد.
تسعى الصين منذ عام 2013 إلى تنفيذ مشروع مبادرة الحزام والطريق؛ وهو مشروع يركز على الاستثمار في السكك الحديدية والطرق السريعة والموانئ في عدة دول حول العالم. يُوصف المشروع بأكبر مشروع بنية تحتية في التاريخ البشري، ويُؤمل تحقيقه العديد من المنافع الاقتصادية والرخاء للشعوب التي يمر بها.
صورة توضح المسار البري (بالأحمر) والبحري (بالأزرق) لمشروع مبادرة الحزام والطريق الصيني- أرشيف
يمر المسار البحري للمشروع عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب في خليج عدن. وعلى الرغم من أن المسار لا يقف بأي من موانئ الجنوب العربي؛ فإن الصين تدعم بقوة إدراج اليمن في هذا المشروع، والذي سيمر حينها بشكل كبير عبر الجنوب العربي الذي يعمل كبوابة لشبه الجزيرة العربية وكجسر بينها وبين القرن الإفريقي، في نفس الوقت.
وكما هو معروف عن السياسة الصينية الخارجية، فإن بكين ستكون مستعدة دائماً للاستثمار، ومد يد العون للفصائل والدول التي تستطيع فرض الاستقرار داخل أراضيها. ولعدة أسباب، فإن هناك مؤشرات كثيرة على أن الجنوبيين قادرون على فرض الاستقرار حال وقوف دول التحالف العربي؛ وعلى رأسها السعودية والإمارات، إلى جانبهم، ويبدو أن تقديم البراهين على ذلك هو ما يجري حالياً من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات النُّخب والأحزمة.
تفويت الفُرص
وكجزءٍ من الأهمية الاستراتيجية للجنوب العربي تجتذب جزيرة سقطرى الكثير من القِوى العالمية؛ بما في ذلك إيران وروسيا؛ فوفقاً لوثيقة دبلوماسية أمريكية فإن المصالح الإيرانية استهدفت الجزيرة منذ عام 2003؛ حيث عملت على عدة مشروعات على أراضيها، من بينها مهبط طائرات.
رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي في لقاء مع السفير الصيني لدى اليمن- أرشيف
أما التطلعات الروسية في جنوب اليمن، فقد عبَّر عنها مسؤول عسكري روسي في عام 2009، من خلال الحديث عن اهتمام روسي بإنشاء قاعدة عسكرية في اليمن. وتجددت الدعوات إلى إنشاء القاعدة لتكون في خليج عدن في عام 2017. وقد وصفَ معهد الدراسات الشرقية في موسكو جزيرة سقطرى بأنها المكان المثالي لبناء قاعدة روسية في اليمن.
ولكن الاهتمام المتزايد من قِبل التحالف العربي بإنهاء الصراع في اليمن، بما يشمل القضية الجنوبية، يثير مخاوف تيار (قطر وتركيا وحزب الإصلاح)؛ لأسباب من بينها اجتذاب جنوب اليمن حلفاء استراتيجيين للسعودية والإمارات؛ كالصين وروسيا.
ومن جانب آخر، فإن ما يثير المخاوف أكثر هو ما يحظى به خليج عدن من سمعة سيئة في القرصنة، وتهريب الأسلحة، والهجرات غير الشرعية، من القرن الإفريقي إلى الخليج العربي عبر اليمن.
رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي خلال لقائه خبراء عسكريين واستراتيجيين في مقر إقامته بالرياض- (موقع المجلس الانتقالي)
ففي عام 2011 مثلاً أشارت التقارير إلى أن جزيرة سقطرى هي إحدى أهم نقاط التزوُّد بالوقود للقراصنة؛ لذلك فإن إحكام السيطرة على الجزيرة ليس مهماً لتأمين الملاحة البحرية العالمية فحسب، بل أيضاً لأمن اليمن والخليج العربي من خلال تفويت الفرصة لاستخدام الجزيرة كمصدر إمداد أسلحة أيضاً للمتمردين الحوثيين من خلال إيران، وكذلك مصدر إمداد عسكري لميليشيا حزب الإصلاح من خلال القاعدة العسكرية التركية في الصومال القريبة، ولتحقيق هذه الغاية يتعيَّن على التحالف العربي إيجاد حليف موثوق سبق له التغلُّب على المتمردين والجماعات الإرهابية، ويتمثل ذلك الكيان حالياً في المجلس الانتقالي الجنوبي، والأحزمة والنُّخب الجنوبية، والتي عليها بذل المزيد من الجهود للحفاظ على مكتسباتها وإثبات جدارتها.