مؤشرات غير المسبوقة..
تقرير: رسائل خطاب السيسي.. هل أربكت حسابات تركيا وميليشيات "الوفاق"؟
حظي خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم السبت الماضي أمام قادة وضباط وجنود الاصطفاف العسكري بسيدي براني بالمنطقة العسكرية الغربية المحاذية للحدود مع ليبيا، باهتمام بالغ، نظراً لاحتوائه على العديد من المؤشرات غير المسبوقة بشأن الوضع في الجارة الغربية.
وجّه الرئيس المصري مجموعة من الرسائل الواضحة والحازمة، سواء للداخل المصري أو للشعب الليبي أو للمجتمع الدولي، فيما اعتبره بعض المحللين أنه إعلان مؤجل للحرب جاء نتيجة متغيرات جرت على الأراضي الليبية خلال الفترة الأخيرة، تهدد أمن مصر بشكل مباشر، ورد فعل على متغيرات قامت بها تركيا عملياً على الأرض، لهذا اختار أن يعلن بيانه من قاعدة عسكرية، وليس من قصر الرئاسة كما فعل في مبادرة القاهرة في وقت سابق من الشهر الجاري.
وجّه الرئيس المصري رسائل واضحة وحازمة سواء للداخل المصري أو للشعب الليبي أو للمجتمع الدولي
كان محتوى الرسالة الأولى الموجهة للمجتمع الدولي "شرعية التحرك المصري في ليبيا"؛ فقد أكد الرئيس المصري أنّ أي تدخل مباشر من الدولة المصرية باتت تتوفر له الشرعية الدولية سواء في إطار ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بحق الدفاع عن النفس، أو بناء على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي؛ أي مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، مما عدّه البعض أنّه يقطع الطريق على أي دعاوى تحاول الطعن في طبيعة التدخل المصري.
أما الرسالة الثانية "استبعاد قوى التطرف وجماعات الإرهاب، هو شرط لنجاح المفاوضات في ليبيا" فقد وجّهها لحكومة الوفاق، وقد عبر عن ذلك بقوله "إنّ مصر بشعبها العظيم وجيشها القوي كانت ولا تزال تعمل من أجل السلام، وتدعو لتسوية كافة الأزمات من خلال المسارات السياسية التي تلبي طموحات الشعوب وتحترم قواعد الشرعية الدولية، إلا أنّ ذلك لا يعني الاستسلام والتفاوض مع القوى المعادية والميليشيات الإرهابية والمرتزقة الذين يتم جلبهم لتهديد الأمن والسلم الإقليمي والدولي"، في إشارة واضحة لاحتواء أو تعاون وزارة الوفاق مع إرهابيين موسومين دولياً.
كانت أشد رسائل السيسي موجهة إلى الجانب التركي ومؤيديه من ميليشيات مسلحة ومرتزقة
الرسالة الثالثة كانت للمجتمع الليبي تحت عنوان "مصلحة مصر استقرار ليبيا" وذلك بإعلانه استعداد بلاده مساعدة القبائل الليبية للدفاع عن بلادها، بعد طلب عمدة قبائل ليبيا منصور بسيسي تدخل الدولة المصرية لحماية الليبيين من الاحتلال التركي؛ فقال الرئيس المصري: "نحن مستعدون لتدريب شباب القبائل وتجهيزهم وتسليحهم، تحت إشراف زعماء القبائل"، مؤكداً أنّ "مصلحة مصر الوحيدة في ليبيا أن تكون مستقرة وآمنة".
وأوضح أنّ تدخل بلاده له ثلاثة أهداف: الأول حماية وتأمين للحدود الغربية للدولة بعمقها الاستراتيجي من تهديد الميليشيات الإرهابية والمرتزقة، واستعادة الأمن والاستقرار داخل المجتمع الليبي باعتباره جزءاً لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والأمن القومي العربي، والثالث حقن دماء الأشقاء من أبناء الشعب الليبي شرقاً وغرباً بتهيئة الظروف لوقف إطلاق النار ومنع أي من الأطراف من تجاوز الأوضاع الحالية".
ثم وجّه السيسي رسالته الرابعة للدولة التركية "سرت والجفرة خط أحمر" وذلك عبر تحذيره شديد اللهجة على أنه يجب التوقف عند الخط الذي وصلت إليه القوات الحالية، سواء أكان من جانب أبناء المنطقة الشرقية أو المنطقة الغربية، وأن تبدأ مفاوضات بعد ذلك للوصول إلى حل للأزمة، "لكن إذا ظن البعض أنه يستطيع تجاوز خط سرت الجفرة فهذا خط أحمر بالنسبة لنا".
كانت هذه أشد رسائل السيسي على الجانب التركي ومؤيديه من ميليشيات ومرتزقة مسلحة، فهذا يعني إفشال مخطط أنقرة التي تسعى لإنشاء قواعد عسكرية جوية في الوطية، وقد بدت الرغبة التركية واضحة بعد زيارة وفد تركي عسكري وسياسي لطرابلس منذ أيام، وهذا أمر لم يشهده أي بلد عربي منذ الاستقلال.
حكومة الوفاق تتجاهل حقيقة تاريخية جيوسياسية وهي أن الأمن القومي المصري مرتبط بليبيا
أما الرسالة الخامسة فكانت للعالم العربي "نحن نواجه قوى توسعية تهدد الأمن القومي العربي ككل" حيث أكد الرئيس المصري أنّ ما يهدد الأمن المصري هو بالضرورة يهدد الأمن العربي ذاته، وقال: "نقف أمام مرحلة فارقة تتأسس على حدودنا، فهناك تهديدات مباشرة تتطلب التكاتف والتعاون ليس فيما بيننا فقط وإنما مع أشقائنا من الشعب الليبي والقوى الصديقة للحماية والدفاع عن بلدينا ومقدرات شعوبنا من العدوان الذي تشنه الميليشيات المسلحة الإرهابية والمرتزقة بدعم كامل من قوى (يقصد تركيا) تعتمد على أدوات القوة العسكرية"، مشيراً إلى أنّ تلك القوى تستهدف تحقيق طموحاتها التوسعية على حساب الأمن القومي العربي والسيادة الوطنية لدول المنطقة، من خلال زرع الميليشيات في ليبيا والتدخل التركي في الشأن الليبي، هو ضرب لأمن شمال إفريقيا بالكامل، ولمنطقة الساحل والصحراء.
ثم كانت الرسالة السادسة للقوات المسلحة المصرية "كن مستعداً"؛ بأنّ عليهم أن يكونوا مستعدين لعمليات في داخل الحدود المصرية او خارجها؛ مذكِّراً بدور الجيش المصري في المنطقة "الجيش المصري جيش قوي صحيح، ومن أقوى جيوش المنطقة صحيح، لكن هو جيش رشيد، جيش بيحمي مش بيهدد، جيش بيأمن مش بيعتدي، دي استراتيجيتنا ودي عقائدنا... اللي مبتتغيرش".
توالت ردود الفعل الدولية والعربية المؤيدة للموقف المصري، وكان طبيعياً أن تشذّ عن هذا الإجماع حكومة الوفاق ومؤيدوها من الميليشيات المسلحة، التي رأت أنّ تصريحات السيسي "تدخل في شؤون ليبيا الداخلية وتعدٍّ على سيادة الدولة" متناسين دعوة الرئيس المصري في وقت سابق لوقف إطلاق النار بين الجانبين "حقناً لدماء الأشقاء الليبيين في كلا الجانبين"، وتجاهلاً لحقيقة تاريخية جيوسياسية وهي أنّ الأمن القومي المصري مرتبط بليبيا، وأنّ القبائل العربية (قبائل أولاد عي الأحمر كمثال) ممتدة بين البلدين، وأنّ هذا حق لا تنتظر مصر الإذن لتقوم به، في حين يتغافل السراج عن التدخل السافر من الدولة التركية في الشأن الليبي، ولا يرى بأساً في تهريبها المرتزقة إلى بلاده ليقتلوا إخوانه الليبيين!