الاتفاق السري..

تقرير: "الرباعية الإسلامية".. حلف تموّله قطر لإضعاف نفوذ السعودية

تحالف إسلامي هدفه إضعاف نفوذ السعودية

الدوحة

قمة كوالالمبور نهاية العام الماضي، التي هدفت إلى تطويق النفوذ السعودي جنوب شرق آسيا، والبحث عن “منظمة سنية موازية”، لم تكن فكرتها وليدة اللحظة بل بدأت منذ 2003 من خلال تحركات قطرية مختلفة قامت على التآمر مع شخصيات ومجموعات إسلامية لإرباك الوضع الأمني في المملكة، وتستمر إلى الآن عبر تمويل أنشطة وشبكات علاقات مختلفة افتضحت بشكل كامل في 2017 بقرار دول المقاطعة الأربع وقف تعاملاتها مع الدوحة إلى أن توقف كل أشكال دعمها للإرهاب.

 سعى أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي إلى زرع ما بات يعرف بالرباعية الإسلامية التي تضم كلا من تركيا وقطر وباكستان وماليزيا بهدف ضرب استقرار السعودية ومحاولة إسقاط الأسرة المالكة السعودية وتقسيم المملكة.

وحرّكت التسريبات الجديدة لحوارات سرية للقائد الليبي الراحل مع عناصر إخوانية النقاش حول خطط قطر والجماعات الإسلامية المرتبطة بها لاستهداف المملكة وأمنها، والتحريض عليها.

وتمكنت جماعات الضغط القطرية منذ ذلك الحين من دفن تاريخ هذا الاتفاق السري من خلال إعادة سرده مع التركيز على أزمة الخليج 2017، ليبدو وكأن الخلاف جديد وليس مؤامرة تلعب الدوحة رأس الحربة فيها بالتمويل وبتحريك علاقاتها مع الحركات الإسلامية المتشددة لتشويه المملكة والتشويش على خططها الإقليمية.

وتوسع هذا التحالف ليشمل إيران خاصة في اليمن، حيث تتولى قطر دعم المتمردين الحوثيين وتمويلهم والتسويق الإعلامي لأجندتهم الهادفة إلى المس بالأمن القومي للسعودية وبقية دول الخليج وضرب حركة الملاحة الدولية، فضلا عن حركة تصدير النفط.

وتوجهت جهود الرباعية الإسلامية بعقد قمة كوالالمبور في ديسمبر الماضي، وقوبلت بانتقادات واسعة منها محاولة تقويض دور منظمة التعاون الإسلامي، ومقرها السعودية، والتي تمثل 57 دولة تسكنها أغلبية مسلمة.

وهذه الرباعية الإسلامية الناشئة، التي ربما تكون منظمة لمواجهة موقف دول المقاطعة الأربع (التي تجمع السعودية والإمارات ومصر والبحرين) التي تضغط على قطر لوقف دعم الإرهاب، تركّز نشاطها على كشمير والعداء للهند، التي تعرف حالة من التقارب مع السعودية، وعلى الخطاب الشعبوي المعادي لإسرائيل.

وآخر حلقات هذا التعاون في دعم المتطرفين الإسلاميين توفير ماليزيا اللجوء للواعظ السلفي ذاكر نايك، وهو داعية إسلامي هارب من الهند إثر اتهامات بالتطرف وغسيل الأموال، بناء على طلب باكستان.

لكن، هل يُعتبر هذا التحالف جديدا؟

على الرغم من الإعلان الأخير عن “التشكيل الرسمي” للرباعية في كوالالمبور، أمضت الدول السنّية المحافظة عقودا في صياغة علاقاتها وجداول أعمالها المشتركة قبل إضفاء الطابع الرسمي على العلاقة بينها وتوقيع الاتفاقيات في تلك القمة.

فعلى سبيل المثال، ازدهرت علاقة تركيا مع باكستان لعدة سنوات في مجالات مختلفة، ويتدرب أكثر من ألف مجند باكستاني في تركيا عسكريا. كما استثمرت تركيا في باكستان في مواجهة توجهها السعودي التقليدي حيث كان البلدان يوسعان أفق التجارة بينهما، بينما علا صوت تركيا بشأن قضيّة كشمير.

كما وسّع الاثنان تعاونهما  في مجال مواجهة الأقليتين البلوشية والكردية بوصمهما بالإرهاب وتجريدهما من بعدهما الإنساني. كما وعدا بتوسيع تعاونهما مع إيران على نفس الجبهة.

ويربط إيران تعاون وثيق مماثل مع ماليزيا، حيث يُقيم عدد كبير من اللاجئين الإيرانيين، وينتشر عملاء الحرس الثوري الإيراني وموظفو المخابرات ليراقبوا المنشقين ويهددوهم. وانتقدت ماليزيا التصفية الأميركية لقائد فيلق القدس قاسم سليماني، وأصبحت تدعم الخط السياسي الإيراني المعادي للولايات المتحدة بينما زادت من توسيع العلاقات التجارية بين البلدين.

وبالمثل، نمت علاقات ماليزيا وتركيا العسكرية على مدى السنوات الأخيرة. حيث أمسكت الجماعات الإسلامية المحافظة السلطة في ماليزيا (وفي إندونيسيا، التي قد تنضم إلى الرباعي قريبا) منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي. وواصلت اكتساب نفوذ سياسي على الرغم من شعارات “الاعتدال” قبل صعود هذه الأحزاب إلى الواجهة السياسية.

وتعمل بعض الأحزاب السياسية الإسلامية على تطوير قواعدها منذ الثمانينات ببطء من خلال التركيز على القضايا الأقرب إلى الشعب، حيث حرصت على تجنب الخطاب الشوفيني والمتطرف لجذب الأغلبية.

وبدأت الإسلاموية العالمية في الخروج إلى العلن لتظهر سيطرتها في جنوب شرق آسيا مع تنامي أنشطة تنظيم القاعدة في التفجيرات والاغتيالات، وكذلك أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في التسلل السياسي والتمدد المالي في منطقة لا تحتكم لآليات رقابة نشيطة، وهو ما أثر سلبا على أداء وأنشطة المنظمات المرتبطة بمنظمة المؤتمر الإسلامي (قبل أن تتحول إلى منظمة التعاون الإسلامي)، أي بالنفوذ السعودي في المنطقة.

كما أعادت تركيا توجيه نفسها نحو نهج إسلاموي أكثر تشددا بعد تباطؤ الاقتصاد إثر العقد الأول من صعود حزب العدالة والتنمية النيزكي إلى السلطة.

وقالت إيرينا تسوكرمان، وهي محللة في مجال حقوق الإنسان والأمن القومي في نيويورك، إن التركيز على مواجهة النفوذ السعودي يرجع إلى عقدين على الأقل، مع طعن قطر لظهر “أختها الكبرى”. لم ينس الكثيرون هذا التاريخ على الرغم من تحريف قطر له ومحاولة التغطية عليه. وقللت السعودية من شأن هذا التآمر في محاولة للتعامل معها بهدوء دون جر المجتمع الدولي إلى النزاع.

ومع اندلاع أزمة الخليج في 2017، عبرت اللجنة الرباعية لمكافحة الإرهاب خط اللاعودة في علاقتها مع قطر. عند هذه النقطة، استفادت جماعات الضغط القطرية من صمت السعودية بشأن التوترات الموجودة لتشكيل الرواية التي تناسبها لتصوير الصراع الجيوسياسي الحالي.

باختصار، بدأت أزمة الخليج في يونيو 2017 مع صعود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وفي ظل توجه خليجي لمواجهة تأثيرات الجماعات الإسلامية المتشددة على المجتمعات الخليجية، ودورها في تفريخ الجهاديين وزرع التشدد، لكن قطر عارضت التوجه الجديد ومرت إلى التصعيد مع  جيرانها.

كانت هذه المواجهة بمثابة قطرة أفاضت كأس سلسلة طويلة من الأحداث التي يجب فهمها لتصوير خلفية اللجنة الرباعية الإسلامية وعمق علاقاتها، والتي تظهر للغرب كمجوعة جديدة ومختلفة.

تبدأ القصة الحقيقية في 2003، عندما استغلت قطر سوء تفاهم بين الزعيم الليبي معمر القذافي وولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبدالله في قمة شرم الشيخ لتفاقم النزاع بين البلدين. وتدور شكوك حول دور الدوحة في ضبط مؤامرة تضم نشطاء من القاعدة، بما في ذلك ليبيون وسعوديون والأميركي المسلم من أصل إريتري، عبدالرحمن العمودي، لاغتيال ولي العهد السعودي آنذاك في نوفمبر 2003 أثناء زيارته لمنطقة القصيم. وتفرعت المؤامرة المعقدة إلى معسكرات تدريب في السودان ولبنان وحتى في إيران، حيث خطط العديد من نشطاء القاعدة للسفر بحثا عن أماكن تؤويهم.

في نفس الفترة، حصلت السعودية على تسجيلات لمحادثات سرية بين القذافي وأمير قطر آنذاك، لاستهداف العائلة المالكة السعودية، وأنهما ناقشا في التسجيلات مشروعا يمتد على 12 عاما لتقسيم المملكة إلى كيانين صغيرين، مما سيمكّن قطر الصغيرة من ميزة جيوسياسية ويضعف نفوذ السعودية.

واعترف أمير قطر آنذاك الشيخ حمد بزراعة مختلف حركات “المعارضة” في المملكة وتمويلها. وتضمنت هذه المجموعات حزب الله الحجاز، وادعت أن مكة والمدينة هما الممثلان الحقيقيان للثقافة السعودية.

كما حرص على تمويل سعد الفقيه المعروف بخطته لتأسيس مملكة إسلامية “دستورية” (هرب في النهاية إلى بريطانيا). ودعم الأمير الحركات الثورية والاضطرابات في الدول العربية الأخرى، بما في ذلك مصر والبحرين والإمارات والجزائر والمغرب، والتي بلغت ذروتها في انتفاضات “الربيع العربي” في 2011.

وأدرك السعوديون دور قطر كمصدر مستمر للمشاكل، وبدأوا في قطع العلاقات الدبلوماسية في 2014، ولكنهم لم يبثوا التسجيلات إلى ذلك الحين. وبرز تمويل قطر للجماعات الإرهابية والتدخل في شؤون الدول العربية، مما تسبب في توترات كبيرة في جميع أنحاء المنطقة.

وفي 2013، نظمت زوجة الأمير الشيخ حمد، الشيخة موزة، “انقلاباً” أجبره على الخروج من السلطة وصعود نجله ولي العهد الشيخ تميم بدلا عنه، حيث كان من المفترض أن يبدأ علاقات مع الدول الأخرى بسجل نظيف. ومع صعود الشيخ تميم، بدأ العمل على العلاقات الدبلوماسية مع السعودية وغيرها، وزار الرياض في 2014.

وخلال تلك الزيارة، وقّع اتفاقا مشابها للمطالب الـ13 التي قدمتها اللجنة الرباعية لمكافحة الإرهاب. ووافق على وقف التدخل وتمويل الإرهابيين (بما في ذلك في ليبيا)، وقطع العلاقات مع إيران والإسلامويين، والتوقف عن استخدام قناة الجزيرة للتحريض على أعمال الشغب في دول عربية أخرى.

وراء الكواليس، استمرت قطر تحت حكم الأمير الجديد في أنشطتها السابقة. ففي سبتمبر 2015، كشفت قطر، التي كانت آنذاك جزءا من التحالف العربي الذي يقاتل الانفصاليين الحوثيين الممولين من إيران في اليمن، للحوثيين عن موقع قاعدة سرية بناها السعوديون وبها جنود إماراتيون. وأدى ذلك إلى مقتل 45 جنديا إماراتيا و10 سعوديين وخمسة بحرينيين.

بهذا، أدرك السعوديون أخيراً أن قطر لن تتغير. ومهد هذا الطريق للمواجهة معها بشأن عدم التزامها بالاتفاقيات القائمة في صيف 2017 بعد صعود الأمير محمد بن سلمان. وخلال هذه الفترة، كانت قطر تستغل الاتجاهات السياسية في الدول الإسلامية الأخرى لإثارة المشاكل للمملكة. وعملت على تمويل الناشطين المناهضين للسعودية، الذين يتحركون تحت قناع “المعارضة” و”المنشقين” و”جماعات حقوق الإنسان”، على الرغم من سجلهم الواضح في الأنشطة التخريبية التي تستهدف الدول الأجنبية.

وتشكلت الرباعية الإسلامية في نهاية المطاف مع قطر كمركز للتمويل، لتتوافق إلى حد كبير مع أجندة الدوحة.