دراسة لمؤسسة الأبحاث الأمريكية..
ما مقدار ثبات الدعم الإيراني للحوثيين إذا وقعت تطورات دراماتيكية؟
مؤسسة الأبحاث الأمريكية المعروفة، أصدرت مؤخراً دراسة بعنوان “هل يمكن للحوثي أن يصبح حزب الله المقبل؟”؛ شارك في إعدادها تسعة من باحثيها، وامتدت على 147 صفحة حسب النسخة الإلكترونية المتوفرة على موقع المؤسسة. الأسئلة التي تطرحها الدراسة تسير هكذا:
– ما أرجحية أن تستثمر إيران أكثر في الحوثيين ليصبحوا مجموعة إنابة لها في اليمن؟
ـ ما الظروف التي يمكن أن تدفع إيران إلى توطيد دعمها للحوثيين، وزيادة تأثيرها عليهم؟
ـ كيف يمكن للمطالب الحوثية من إيران أن تتبدل في المستقبل؟
ـ ما مقدار ثبات الدعم الإيراني للحوثيين إذا وقعت تطورات دراماتيكية (مثل تنامي الوجود السعودي أكثر فأكثر)؟
ـ ما الانقسامات الإيديولوجية أو الدينية القائمة حالياً في أوساط الحوثيين، وكيف يمكن لهذه الاختلافات الانشقاقية أن تؤثر على العلاقة الحوثية – الإيرانية؟
أسئلة قياسة، أو حتى كلاسيكية كما يمكن للمرء أن يساجل، لعلها أبرز الأسباب وراء خروج الدراسة بخلاصتين اثنتين، لا مفاجآت كبرى تكتنف أياً منهما: 1) الأغلب أنّ إيران سوف تُبقي على علاقة مع الحوثي ذات طابع انتقالي، واسع وثيق ما أمكن، رغم خبرات المجموعة القتالية وطاقاتها التعبوية؛ و2) إذا نجح الحوثي في تمكين ذاته كقوّة سياسية قادرة على الحكم في اليمن، فإنّ إيران سوف تكسب حليفاً جيداً يمكن أن ينقلب إلى أداة حاسمة في ستراتيجيتها داخل المنطقة.
أليست أسئلة وخلاصات مثل هذه أقرب إلى تحصيل حاصل اليوم، بعد ستّ سنوات على التدشين الرسمي لانقلاب الحوثي، واجتياح العاصمة صنعاء، وإسقاط رئاسة عبد ربه منصور هادي وحكومة خالد بحاح، وحلّ البرلمان، وإطلاق “الإعلان الدستوري”؟ ألا يبدو جلياً أنها تبحث في مشهد فُصّل مسبقاً على مقاسات سلسلة من الكليشيهات، تتجاهل الواقع الراهن على الأرض؛ سواء في تطوراته العسكرية الميدانية على جبهات القتال، أو متغيراته التي تخصّ الجنوب والمجلس الانتقالي وأدوار الإمارات العربية هناك، أو بلوغ السلاح الصاروخي الحوثي مستويات مرعبة من تهديد أراضي السعودية ومنشآتها النفطية والأخرى الحيوية؟
خلال تلك البدايات توفرت مقاربة، تردد أنها أمريكية المنشأ اعتنقها سريعاً ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (وكان، يومذاك، وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي)؛ مفادها أنّ اليمن أشدّ تعقيداً، قبائلياً ومذهبياً ومناطقياً وعسكرياً وميليشياتياً، من أن تفلح إيران في إدارته عبر الحوثي. فلتتفرجْ كلّ من الرياض وواشنطن على انزلاق طهران نحو المستنقع اليمني، ولتبتهجْ بصفة خاصة إزاء انخراط الحوثي في مقاتلة “القاعدة”؛ حتى إذا أصاب الإنهاك ميليشيات “أنصار الله”، فإنّ الجيش اليمني لن يعجز عن إعادة بسط السيطرة، خاصة إذا التأم تحت مظلات عسكرية شتى أوّلها يرفعه المخلوع علي عبد الله صالح وخواتمها لن تقتصر على ضباط آل الأحمر أو مسلحي القبائل، وأمّا مظلاتها السياسية فلن يتأخر عن توفيرها حزبا “التجمع اليمني للإصلاح” و”المؤتمر الشعبي العام”.
لافت أنّ هذه الحيثية لا تندرج بما يليق بها من مغزى في دراسة “راند”، خاصة وأنّ السحر فيها (خرافة المستنقع إياه) انقلب سريعاً على السحرة؛ هؤلاء الذين لم تعد نقاط تخبّطهم في المستنقع إياه منحصرة ضمن نطاق مواجهة الحوثي، بل باتت مخارج إفلاتهم من وحول المستنقع دونها خرط قتاد كثير: هزائم متعاقبة في قلب المنظومة العسكرية السعودية، شروخ متفاقمة بين الرياض وأبو ظبي حول خيارات الجنوب واستثمار موانئه والموقف من رئاسة هادي ولجم أو إسناد ما يُسمى “المجلس الانتقالي”، وحرج مصدّري الأسلحة إلى الرياض في ضوء تفاقم الفظاعات الإنسانية في اليمن…
هذا، غنيّ عن القول، إذا وضع المرء جانباً ما يشوب الخيارات الإيرانية الإقليمية من تعقيدات سياسية وعسكرية ومالية راهنة، تُثقل كاهل “حزب الله” الأمّ في لبنان؛ فكيف تكون الحال أمام احتمال استيلاد حزب الله في اليمن، ومنذا الذي ينتظر ولادته أصلاً!