التوجه نحو مقاطعة الانتخابات التشريعية ليس بالقرار الهين..
تقرير: "إخوان الأردن".. خيارات صعبة في التعاطي مع الواقع الجديد
حالة تخبط تعيشها جماعة الإخوان المسلمين الأردنية وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي إزاء التطورات المتسارعة الضاغطة عليها في ظل غياب أوراق ضغط قوية يمكن أن تراهن عليها في المرحلة الحالية. ولم تحسم الجماعة وحزبها بعد مسألة المشاركة في الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل، حيث هناك موقفان؛ الأول يرى بضرورة السير في خيار المقاطعة وما يحمله ذلك من رسالة سياسية قوية للسلطة، والثاني يعتبر أن هذا التوجه لا يخدم الجماعة وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى تهميشها سياسيا وعزلها شعبيا على غرار ما حصل مع استحقاقي 2010 و2013.
تواجه جماعة الإخوان المسلمين في الأردن خيارات صعبة في التعاطي مع الواقع الجديد الذي فرضه القرار الصادر عن محكمة التمييز، أعلى هيئة قضائية أردنية، القاضي بحلها بشكل نهائي وقطعي، وما استتبعه ذلك من جملة قرارات أخرى لا تخلو من دلالات عن توجه رسمي لتحجيم الجماعة، كضرب إحدى أبرز أذرعها النقابية الممثلة في نقابة المعلمين التي تم إيقافها عن العمل لمدة سنتين وإغلاق مقرها وتوقيف 13 من أعضاء مجلسها بمن في ذلك النقيب ناصر النواصرة، فضلا عن إحالات على التقاعد شملت العشرات من المعلمين جلهم ينتمون إلى التيار الإسلامي.
لا يخفى أن السياقات الداخلية والإقليمية لا تخدم جماعة الإخوان، فعلى الصعيد المحلي يسجل تراجع كبير لرصيد الجماعة الشعبي، فضلا عن كون مشاركتها في البرلمان الحالي لم تأت بالثمار السياسية المرجوة، أما على الصعيد الإقليمي فإن خفوت المشروع الإسرائيلي المتمثل في ضم أجزاء من الضفة الغربية، (غور الأردن والمستوطنات) والحديث عن تعليقه إلى أجل غير محدد، أفقد الجماعة ورقة ضغط مهمة.
ولطالما استثمرت جماعة الإخوان في القضية الفلسطينية لحصد مكاسب سياسية وشعبية، وكان إقدام إسرائيل على خطوة الضم، المرفوضة عربيا ودوليا، من شأنه أن يمنح الجماعة هامشا كبيرا للتحرك والضغط على أصحاب القرار في الأردن.
سيناريو مقاطعة الانتخابات
إزاء هذا الوضع، فإن هامش المناورة أمام إخوان الأردن يبدو ضيقا في مواجهة الضغوط التي يواجهونها في الداخل وكل السيناريوهات المطروحة لها مساوئها وتكلفتها، كالانخراط في لعبة عض أصابع مع حكومة عمر الرزاز وتبني سيناريو مقاطعة الانتخابات النيابية التي لم يعد يفصل عن إجرائها سوى أسابيع.
ومن المقرر إجراء الانتخابات التشريعية في الأردن في 10 نوفمبر المقبل، لانتخاب المجلس التاسع عشر، بعد انتهاء ولاية المجلس الحالي، الذي جرى انتخابه في سبتمبر 2016. ويتوقع أن تؤثر أزمة تفشي جائحة كورونا -التي عادت لتضرب بقوة في المملكة- على الحملات الانتخابية في ظل منع التجمعات، كما ستدفع الأزمة نسبة كبيرة من الناخبين إلى العزوف عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، مع الإشارة إلى أن نسبة المشاركة في انتخابات 2016 لم تتجاوز عتبة الـ37 في المئة.
ويحق لنحو 4 ملايين و655 ألف ناخب وناخبة المشاركة في الانتخابات القادمة، وسط ترجيحات بعدم حدوث تغيّر كبير في المشهد النيابي المقبل، حيث من المتوقع بقاء ذات الفسيفساء العشائرية والمناطقية مع تقلص حجم الأحزاب السياسية بما في ذلك حجم الذراع السياسية لجماعة الإخوان حزب جبهة العمل الإسلامي، وربما هذه من الدوافع التي قد تجعل الجماعة تنظر بجدية في جدوى المقاطعة، في ظل التحديات الداخلية الراهنة التي تعصف بها.
ونشر مركز الحياة راصد، الأسبوع الماضي، دراسة حول توجهات الأحزاب السياسية في الأردن للانتخابات النيابية 2020، وأظهرت النتائج أن عدد الأحزاب التي تنوي المشاركة في الاستحقاق التشريعي 41 حزبا من أصل 48 حزبا مرخصا، فيما وصل عدد الأحزاب التي لم تحسم أمرها بعد في ما يتعلق بالمشاركة إلى 7 أحزاب سياسية، بينها حزب جبهة العمل الإسلامي.
وسبق أن لمح حزب جبهة العمل وكتلة الإصلاح النيابية التابعة له قبل أيام إلى إمكانية تبني خيار مقاطعة الاستحقاق التشريعي. وقال الحزب وكتلته في بيان مشترك، على خلفية تصاعد أزمة نقابة المعلمين، إن “أجواء الهجوم الرسمي على الحريات العامة، ومصادرة الرأي، وحملة المداهمات والاعتقالات، والتعدي بالضرب على المعلمين والمعلمات، وقوائم إحالة المعلمين على التقاعد، تشكل نسفا كاملا لما جاء في الإرادة الملكية من إعلان عن إجراء انتخابات نيابية، وممارسة الحياة الديمقراطية، وقد شكلت الحكومة بهذا الهجوم أجواء للمقاطعة لتلك الانتخابات عوضا عن توفير أجواء التوجه للمشاركة فيها”.
وبدا واضحا أن هناك حالة تخبط لدى جماعة الإخوان وحزبها في التعاطي مع التطورات المتسارعة والضاغطة عليها على الساحة الأردنية، وهناك تياران اليوم داخل الجماعة منقسمان حول مسألة المشاركة في الانتخابات، الأول يدعم خيار المقاطعة باعتبارها رسالة سياسية قوية للسلطة، خصوصا وأن المشاركة السابقة في العام 2016 لم تحقق الأهداف المرجوة لاسيما على مستوى تذويب الجليد المتراكم بينهم وبين السلطة منذ العام 2011، فضلا عن توقعات متشائمة حيال إمكانية تعزيز حضور الجماعة في البرلمان المقبل مع استمرار النزيف الشعبي.
ومن بين الأصوات الإخوانية التي أبدت تأييدا للسير في خيار المقاطعة رئيس كتلة الإصلاح عبدالله العكايلة الذي هاجم مؤخرا الحكومة واتهمها باستغلال أزمة كورونا وظروف قانون الدفاع المعلن في مارس الماضي، لتنفيذ هجومها على نقابة المعلمين و”على غير النقابة”، في إشارة إلى الذراع السياسية لجماعة الإخوان.
وقال العكايلة في هذا الصدد “من المؤسف أن تتسع دائرة الاعتقالات والمداهمات إلى غير نقابة المعلمين وتصل إلى عناصر وكوادر جبهة العمل الإسلامي وإلى رؤساء الفروع في الحزب وإلى رؤساء اللجان المركزية وأصبحت المسألة مسيّسة بامتياز”.
وأضاف رئيس كتلة الإصلاح في تصريحات صحافية “من الغريب أن تأتي كل هذه الحملة والمداهمات عشية إعلان الملك عن الانتخابات النيابية في هذا العام وعن تحديدها في العاشر من شهر نوفمبر القادم، متسائلا “كيف يمكن أن نوفق بين إرادة ملكية بإجراء انتخابات نيابية مباشرة لعملية ديمقراطية وبين هجوم كاسح على الحريات العامة واعتقال المواطنين واعتقال كوادر حزب جبهة العمل الإسلامي وكل الرموز المحركين للعملية الانتخابية؟”.
واعتبر العكايلة أن الأجواء السياسية التي صنعتها الحكومة “ليست أجواء انتخابية ولا ديمقراطية وإنّما هي تعزيز لخيار مقاطعة الانتخابات النيابية”.
موقف العكايلة يمثل أقلية داخل جماعة الإخوان تؤيد المقاطعة، بيد أن الأغلبية لديها وجهة نظر معاكسة وتجد أن المشاركة في الاستحقاق ضرورة ملحة في هذه المرحلة الحرجة، لأنها تبقيهم في قلب اللعبة السياسية، فضلا عن كون من الممكن العزف على وتر المظلومية التي برعت فيها الجماعة على مدى عقود لجذب الناخب، وبالتالي مضاعفة الحضور النيابي وهذا الأمر سيكون له أثر كبير في الموقف الرسمي تجاهها.
والتوجه نحو مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة ليس بالقرار الهين، وسبق أن تجرعت الجماعة مرارة نتائجه حينما قاطعت استحقاقي 2010 و2013 حيث وجدت نفسها خارج المشهد السياسي، ومعزولة شعبيا.
الانحناء للعاصفة
يبقى خيار المشاركة في الاستحقاق النيابي من عدمه غير محسوم حتى اللحظة باعتباره مكبّلا بحسابات الربح والخسارة وإن كان الأرجح هو عدم المقاطعة، ولكن الثابت أن لا مجال أمام جماعة الإخوان سوى الانحناء أمام العاصفة، التي قد تشتد في الفترة المقبلة، وتضطرها لاتخاذ قرارات مؤلمة، لاسيما وأن التحالف الإقليمي الذي تنضوي ضمنه يواجه تحديات كبرى باتت تهدد نفوذه، كما أن الرهان على الدعم الشعبي أمر مشكوك في جدواه أمام تفكك النواة الصلبة للجماعة.
وهناك اعتقاد بأن الفترة المقبلة ستكون مصيرية بالنسبة للإخوان في الأردن والعلاقة مع النظام، وليس من المستبعد أن يكثفوا جهودهم خلف الكواليس لفتح ثغرة في جدار الرفض الرسمي لهم والذي بدا واضحا في التصريحات المتتالية لرئيس الحكومة عمر الرزاز الذي ما انفك في الفترة الأخيرة يصوب على الجماعة وذراعها السياسية مشددا على أنه “لا مجال للاستقواء على الدولة”.
وحتى اللقاء اليتيم الذي جمع مؤخرا وزير الداخلية سلامة حماد بالقياديين الأمين العام السابع لحزب جبهة العمل الإسلامي حمزة منصور ونائب المراقب العام السابق زكي بني ارشيد، كان في سياق تحذير الجماعة من لعبة الشارع في علاقة بالأزمة مع المعلمين، ولم يحضر في ذلك الاجتماع أي من القيادات الرسمية للإخوان في رسالة تحمل أكثر من مغزى في علاقة بالتقيد بالقرار القضائي الذي نزع عن الجماعة شرعيتها.
--------------------------------
المصدر| صحيفة العرب