دوافع متعددة ..
هل تؤثر زيارة أردوغان إلى قطر مستقبل صراعات في المنطقة العربية؟
في 2 يوليو 2020 قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة إلى قطر في إطار تعزيز علاقاتهما تجاه الكثير من القضايا التي تشهدها المنطقة العربية ويتعاونان لتحقيق مصالحهما، وتعد الزيارة بمثابة امتداد لصورة جديدة من العلاقات الثنائية التي شهدت تطورًا كبيرًا بعدما سمحت قطر لتركيا في التواجد السياسي والعسكري والاقتصادي في الدوحة بعد حدوث الأزمة الخليجية معها بسبب دعمها للجماعات المتطرفة والتدخل في شئون الدول العربية الداخلية، وضمن السياق ذاته فإن هذه الزيارة تعد الأولى التي يقوم بها الرئيس التركي أردوغان خارجيًا منذ انتشار فيروس كوفيد 19 المستجد.
ولعل هذه الزيارة تلقي الضوء على طبيعة العلاقات بينهما وأن الملمح الأساسي لهذه الزيارة وما سبقها من الزيارات التي قام بها أردوغان إلى قطر أو تلك التي قام بها تميم إلى تركيا هو أنها تأتي في ظل الأزمات التي يتعرض لها الجانبين وبخاصة الجانب التركي الذي يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية داخلية وخارجية.
دوافع اقتصادية
تعاني تركيا عديد من الأزمات الاقتصادية الداخلية والخارجية وهو الجانب الأكبر الذي سيطر على مجريات المحادثات بينهما، وقد تضمنت الزيارة التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في هذه الاتجاه والتي تضمنت تعديلات على الاتفاقية المتعلقة بترتيبات تبادل العملات الثنائية لكل دولة(الريال القطري – الليرة التركية) بين مصرف قطر المركزي وبنك تركيا المركزي.
وضمن السياق ذاته فقد وقع الطرفان على مذكرة تفاهم أخرى بين هيئة مركز قطر للمال ومكتب التمويل التابع لرئاسة الجمهورية التركية، بالإضافة إلى التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن تطوير التعاون الصناعي والتكنولوجي، وأخرى بين وكالة ترويج الاستثمار القطرية ومكتب الاستثمار التابع للرئاسة التركية، وفي مجال التخطيط المدني بين البلدين تم الاتفاق على إنشاء مختبر اتسهيل التجارة وتعزيز حماية المستهلك، الجدير بالذكر أنه منذ ديسمبر 2014 اتفق الطرفان على تأسيس لجنة عليا للتعاون الاستراتيجي تضم عددًا من الوزارات والمؤسسات الخاصة لتعزيز التفاهمات الثنائية المشتركة، وهو الأمر الذي ظهر بصورة واضحة عندما قامت قطر بضخ 15 مليار دولار على خلفية تراجع الليرة التركية في مواجهة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على أنقرة بسبب قضية القس الأمريكي أندرو برونسون.
الملفات الإقليمية
شغلت القضايا الإقليمية التي تشهدها المنطقة العربية محورًا مركزيًا في دائرة النقاش الثنائي بينهما خاصة وأن الجانبين يشهدان تقاربًا في وجهات النظر حول معظم القضايا التي تشهدها الدول العربية خاصة الملفين السوري والليبي، وهو الأمر الذي ساهم في تعزيز تعاونهما الاقتصادي والسياسي والعسكري والتي ازدادت وتيرتها بعد الأزمة الخليجية.
وضمن السياق ذاته فإن قطر تعد دولة مركزية في استراتيجية تركيا الإقليمية كعامل مساعد في دعم السياسات التركية، في ظل تطابق المواقف الخارجية لكليهما، وهو الأمر الذي سمح لتركيا بإقامة قاعدة عسكرية في الدوحة وإرسال جنودها إلى هناك وفق الاتفاقية التي تم توقيعها في عام 2014، وتم تنفيذها في أعقاب الأزمة الخليجية عام 2017.
ويجب الإشارة هنا إلى أن هذه الزيارة تأتي بعد تطورات جديدة تشهدها المنطقة خاصة في الأزمة الليبية التي انخرطت بها تركيا بصورة مباشرة من خلال دعم حكومة الوفاق وميليشياتها المسلحة، التي تمثل امتدادًا للسياسات التركية في المنطقة، في محاولة من جانب أنقرة لتعزيز تواجدها وأثبات حضورها من خلال ضمان تبعية الدوحة لأنقرة.
أهداف متعددة
تتفاقم الأزمات الداخلية والخارجية التي تواجهها تركيا وتحاول أن تبحث عن منفذ للتغلب على هذه الأزمات خاصة تلك الأزمات الداخلية التي يواجهها حزب العدالة والتنمية الحاكم على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن أبرز الأهداف من هذه الزيارة هو استنزاف الأموال القطرية في دعم السياسات التركية التي تشهد تراجعًا كبيرًا في الإقليم، ولكن يمكن إجمال هذه الدوافع على النحو الآتي:
1) مواجهة الأزمات الاقتصادية التركية الداخلية بسبب تراجع قيمة العملة التركية وتزايد معدلات البطالة، وارتفاع التضخم، بالإضافة إلى تراجع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية.
2) البحث عن دعم مالي وعسكري للميليشيات التي ترسلها تركيا إلى ليبيا من خلال توفير المحفزات المالية التي تمتلكها قطر وتوظيفها في استقطاف هذه الجماعات المتطرفة، خاصة وأن الزيارة تأتي بالتزامن مع زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إلى طرابلس لدعم حكومة الوفاق عسكريًا.
3) اتجاه كل من تركيا وقطر على توفير غطاء سياسي وعسكري لحكومة الوفاق التي تهيمن عليها وعلى هيئاتها جماعة الإخوان المسلمين، وضمن هذا السياق أشارت بعض التقارير بأن قطر تكفلت بتحمل نفقات التدخل العسكري التركي في ليبيا، ومن ثم تشير هذه الزيارة إلى التنسيق الثنائي لتوفير الضمانات المالية لاستمرار عمل الميليشيات المسلحة والمرتزقة اللتان تم إرسالهم من سوريا للقتال في مواجهة الجيش الوطني الليبي، ومن ثم لا يمكن النظر إلى زيارة وزير الدفاع التركي إلى ليبيا ولقائه مع حكومة الوفاق والقيادات العسكرية التركية هناك بمعزل عن الترتيبات التركية القطرية من جانب آخر.
تحالف مستمر
إلى جانب التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري فإن هناك تطابق فكري وأيديولوجي تجاه دعم قطر لتركيا وهذا العامل يتمثل في جماعة الإخوان المسلمين؛ حيث تمثل هذه الجماعة بمثابة الإطار الفكري الجامع لمحورية العلاقة بينهما، وتستثمر كل من تركيا وقطر هذه الجماعة في تهديد أمن واستقرار الدول العربية لصالح تعزيز نفوذهما الإقليمي، وفي المجمل فإن العلاقات التركية – القطرية تمثل نمطًا من أنماط التعاون الوثيق ليس فقط سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا بل أن الجانبين يجمعهما ترابط أيديولوجي يمثل العمود الفقري لهذه العلاقة والناظم لها.
انعكاسات محتملة
من المحتمل أن تشهد المنطقة العربية والصراعات الدائرة مزيدًا من التفاقم في أوضاع هذه الصراعات خاصة تلك التي تنخرط بها تركيا بصورة مباشرة، ومنهم الأزمة الليبية التي تشهدت تطورات متصاعدة على مختلف الأصعدة في الفترة الحالية، في ظل ضمان تركيا تدفق مزيد من الأموال والدعم القطري لسياسات تركيا الإقليمية، ومن ناحية أخرى اتجهت الدول العربية إلى اعتماد بعض الآليات التي من شأنها مواجهة التدخلات التركية أعقاب التدخل التركي في منطقة شمال العراق وغيرها من الدول العربية، كما أن التقارب القطري التركي من شأنه أن يتسبب في زيادة العزلة الإقليمية التي تواجهها منذ بداية الأزمة الخليجية بسبب دعم الدوحة للجماعات الإرهابية والتدخل في شئون الدول العربية وتهديد أمنها واستقراها، ومن جهة أخرى فإن هذه الزيارة ستضمن استمرار تركيا في سياستها الإقليمية خاصة تجاه قضايا الصراعات في داخل الدول العربية، وهو ما يمكن أن يمثل تهديدًا لمصالح الدول العربية وأمنهم الإقليمي.
ختامًا: تتشابك العلاقات التركية القطرية وفق عديد من العوامل السياسية والاقتصادية والعسكرية والأيديولوجية وتمثل هذه العوامل مجتمعة ركائز استمرار علاقاتهما، والتي ساهم في تعزيزها المتغيرات الإقليمية والدولية التي ساعدتهما على التوصل لاتفاقيات ثنائية حول مختلف هذه القضايا بما يضمن التطابق في وجهتي نظرهما.
--------------------------
المصدر| المركز العربي للبحوث والدراسات