الإنفاقات الإيرانية في سوريا تتراوح بين 30 إلى 40 مليار دولار..
تقرير: ماهي الإستراتيجيات العربية لتجفيف الوجود الإيراني بسوريا؟
أشادت تقارير وتحليلات إلى جهود عربية متباينة لتجفيف الوجود الإيراني في سوريا، من خلال إحداث اختراق في التعامل مع نظام بشار الأسد، على قاعدة استيعابه وإعادته إلى الحظيرة العربية، وعدم ترك سوريا لقمة سائغة أمام إيران وأذرع ميليشياتها في المنطقة.
وعلق كثيرون بأنّ افتتاح دولة الإمارات العربية المتحدة سفارتها في دمشق أواخر كانون الأول (ديسمبر) 2018، يعدّ بمثابة اختراق للمقاطعة العربية التي فُرضت على نظام الأسد بسبب سياسته المتوحشة في قمع التظاهرات التي اندلعت في عام 2011. وكانت دول مجلس التعاون الخليجي، وبينها الإمارات، قد طالبت في شباط (فبراير) 2012 من سفرائها مغادرة دمشق، متهمة إياها بارتكاب "مجزرة جماعية ضد الشعب الأعزل"، في إشارة إلى قمع الاحتجاجات الشعبية بالقوة.
وبالتزامن مع الخطوة الإماراتية بإعادة التمثيل الدبلوماسي مع دمشق، أجرى رئيس مكتب الأمن الوطني السوري علي المملوك محادثات في القاهرة، خلال زيارة نادرة لمسؤول سوري أمني بارز إلى مصر بعد اندلاع النزاع .
وبعد انقطاع لنحو ثماني سنوات، غادرت أول رحلة سياحية من سوريا إلى تونس على متن طائرة تابعة لشركة "أجنحة الشام" الخاصة تقلّ نحو 160 شخصاً.
ونُظر إلى تلك الخطوات المتلاحقة بوصفها بداية لانفتاح عربي على سوريا، حيث شدد بيان وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية، على "حرص حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة على إعادة العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مسارها الطبيعي بما يعزز ويفعّل الدور العربي في دعم استقلال وسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية ودرء مخاطر التدخلات الإقليمية في الشأن العربي السوري".
لماذا تعزّز الإمارات دورها في سوريا؟
وتجدد هذا التأكيد في تقارير صدرت في الأيام القليلة الماضية، قالت إنّ الإمارات ستعزز دورها في سوريا عبر محاولات إبعاد النظام السوري رويداً رويداً عن دائرة التأثير الإيراني، بموازاة العمل على إعادته إلى الجامعة العربية.
الغياب العربي في سوريا مثّل فرصة لطهران التي ألقت بثقلها لإنقاذ النظام السوري، وهو ما يجعل الدعوات لاستعادة سوريا والتي تقودها الإمارات، أمراً يعكس عمق النظر الإستراتيجي
وتحتل هذه الجهود أولوية عربية قصوى تقودها الإمارات بشكل واضح من أجل انتشال دمشق من براثن طهران وميليشياتها، لا سيما أنّ بيانات وأخباراً نشرتها وسائل إعلام سورية رسمية، ومواقع مؤسّسات حكومية، كشفت حصول طهران على عشرات المشاريع الاستثمارية بقطاعات اقتصادية حيوية في سوريا، على رأسها الطاقة واستكشاف النفط والخدمات والسكن.
وجاءت هذه الاستثمارات، كما يذكر تقرير نشره، مطلع الشهر الماضي، موقع "إيران وير"، على شكل مكافآت مقابل المساندة العسكرية للحكومة السورية، فضلاً عن محاولة الجانب الإيراني، استرجاع جزءٍ من الأموال التي ضخّها في سوريا على شكل قروض ووقود وتسليح.
وكانت إيران دخلت إلى سوريا مقدمة الدعم العسكري والمادي، أملاً في الحفاظ على طريق سالك نحو حزب الله الحليف اللبناني وخلق حاضنات شعبية موالية لها في سوريا، على أن تَسترجع تلك الأموال على شكل امتيازات اقتصادية في سوريا، ضمن حصّة تتقاسمها الدول الشريكة في الملف السوري.
ماذا حققت إيران في سوريا؟
بالفعل، حقّقت إيران ما لم يكن متاحاً تحقيقه في حقبة ما قبل الثورة، وتغلغلت في الاقتصاد السوري، بعد أن كانت استثماراتها فيه خجولة، تقتصر على مشاريع محدودة، مثل الشراكة في تصنيع سيارة "شام" وبعض الاستثمارات في الصناعات الغذائية، وقطاع الضيافة لاستقبال الحجّاج الإيرانيين في دمشق.
وحرص الأسد الأب ومن بعده الابن، كما يذكر التقرير، على عدم فتح السوق على مصراعيه لإيران، كيلا تتأثر شراكة سوريا مع منطقة الخليج، وهذا ما ترجمته زيادة حجم التبادل التجاري لأكثر من مليار دولار بين سوريا والسعودية، في عام 2010 في حين لم يتجاوز 300 مليون دولار بين سوريا وإيران.
وساعد الدعم الإيراني اللامحدود للنظام السوري في تحكّم طهران بقرارات دمشق والفوز باستثمارات في السوق السورية.
ولكن اليوم، وبعد دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ، وتشديد العقوبات على طهران ودمشق، لا يبدو أنّ هذه الاتفاقات قد تبصر النور .
وتقدّر الإنفاقات الإيرانية في سوريا بما يتراوح بين 30 إلى 40 مليار دولار، وهو رقم يوافق تصريحات جيسي شاهين، المتحدثة باسم مبعوث الأمم المتحدة الدولي السابق إلى سوريا ستيفان ديمستورا والتي أكدت أنّ الدعم الإيراني للنظام السوري يقارب 6 مليار دولار سنوياً، ولكن بالتأكيد هذا الرقم يتذبذب حسب الوضع الاقتصادي والعسكري.
وأثارت هذه الاستثمارات غضب الشارع الإيراني الذي تعاني غالبيته من الفقر المدقع وانعدام الحاجات الأساسية، وسط تزايد معدلات البطالة، وسوء الأحوال الصحية في ظل التفشي الكبير لفيروس كورونا، حيث تتهم طهران بإخفاء وتزوير الأرقام الحقيقية لأعداد المصابين والضحايا، ومع ذلك فإنّ نسبة الإصابات تظل مخيفة جداً.
وفي هذا الصدد، أشار تقرير نشرته أمس صحيفة "الغارديان" وكتبه محرر الشؤون الدبلوماسية، باتريك وينتور بعنوان "يبدو أنّ إيران في قبضة موجة ثالثة من تفشي فيروس كورونا"، إلى أنّ آخر الإحصاءات تفيد بأنّ عدد الإصابات الجديدة في إيران تجاوز 3000 حالة في اليوم، وهو أعلى مستوى للإصابات منذ ظهور الفيروس لأول مرة في شباط (فبراير).
416 ألف إصابة و23952 وفاة
ووفقاً لأحدث الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة الإيرانية، أول من أمس، الجمعة، توفي 144 شخصاً وسجلت 3049 حالة جديدة في الـ 24 ساعة الماضية. ليبلغ العدد الإجمالي للوفيات المؤكدة بسبب الفيروس 23952 حالة، في حين هناك أكثر من 416 ألف مصاب في البلاد حتى الآن.
وبالعودة إلى التدخل المالي والعسكري الإيراني في سوريا في ظل هذه الأزمة المتفجرة، فقد زاد ذلك من الضغط على اقتصادها المنهك بالعقوبات الدولية؛ وولد استياء كبيراً في الداخل الإيراني الذي استهجن عدم الالتفات إلى حاجات المواطنين وتدهور مستوى معيشتهم.
وفي أيار (مايو) الماضي، طالب حشمت الله فلاحت بيشه، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حكومة بلاده باستعادة أكثر من 20 مليار دولار، قدمتها لدعم نظام الأسد.
وفي تصريحات لموقع "اعتماد أون لاين" الإيراني، قال إنّ بلاده تعاني من مشكلة اقتصادية وأمنية، في حين أنفقت أموالاً ضخمة في سوريا، ومن الضروري استعادتها.
هذا التصريح لم يكن الأول للمسؤول الإيراني، حيث أشار في آذار (مارس) 2019 إلى أنّ الحكومة السورية كانت ستسقط لولا الدعم، وأنّ عليها ديوناً كبيرة لإيران ويجب أن تسددها.
وحذّر من تكرار طهران لنفس الخطأ الذي ارتكبته في العراق، عندما نجحت عسكرياً بينما فشلت اقتصادياً.
وتبقى أصوات الشارع أكثر أحقيّة من أصوات السياسيين، فخلال مظاهرات شهدتها محافظات إيرانية في 2018، كان الإنفاق على النظام السوري أحد السياسات التي هتف المحتجون ضدها.
ماذا قال الجنرال محسن رضائي؟
من جانب آخر، أكّد الجنرال محسن رضائي، أمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، أنّ بلاده ستستعيد ضعف الأموال التي أنفقتها على النظام السوري.
وقال لموقع "انتخاب" الإيراني في أواخر شباط (فبراير) 2018 إنّ بلاده أنفقت 22 مليار دولار على الحرب السورية، للحفاظ على الأمن القومي الإيراني، والدفاع عن مصالحها بالمنطقة موضحاً: "لم نحقّق انتصارنا بالأموال، ولكنّنا إذا أعطينا دولاراً واحداً لشخص ما، فإننا سنأخذ ضعفه".
وقبل تصريح رضائي بأيام قليلة، طالب اللواء يحيى رحيم صوفي، المستشار العسكري للمرشد الأعلى لإيران علي خامنئي، النظام السوري بتسديد فاتورة بقاء الأسد في السلطة.
وقال صوفي، في ندوة بمعهد الدراسات المستقبلية في العالم الإسلامي: "نحن جادون في الدفاع عن سوريا وسلامة أراضيها، لكن على النظام تسديد فاتورة التكاليف، يوجد في سوريا نفط وغاز ومناجم فوسفات، ويمكن لهذه الثروات الطبيعية تسديد الفاتورة".
واتسعت رقعة الانتقادات الإيرانية بعد توقيع النظام السوري صفقات ضخمة مع روسيا، حيث انتقد موقع "تابناك" النظام السوري بسبب تهميش دور إيران في مرحلة الإعمار، مطالباً باتفاقات طويلة المدى لتغطية تكاليف التدخل الإيراني.
كما هاجمت صحيفة "قانون" بشار الأسد واصفةً إياه بـ "الجبان" بسبب منحه جميع الصفقات الاقتصادية الكبرى للحكومة الروسية بدلاً من إيران.
الغياب العربي في سوريا مثّل فرصة لطهران التي ألقت بثقلها عسكرياً ومادياً لإنقاذ النظام السوري من السقوط، لتعزيز نفوذها في المنطقة وإقامة قواعد عسكرية، وحاضنات شعبية أسوة بما فعلته في الضاحية الجنوبية ببيروت، موسعة من نطاق تمددها من العراق إلى سوريا إلى اليمن، وسواها من مناطق نكبت بالحروب والمآسي والفراغ العربي، وهو ما يجعل الدعوات لاستعادة سوريا والتي تقودها الإمارات، أمراً حيوياً يعكس عمق النظر الإستراتيجي.