خلال تقديم التعازي بوفاة الأمير الرّاحل..

تقرير: رسائل أميركية خليجية إيرانية مبطنة.. ماذا تحمل للكويت؟

علاقات عابرة للمراحل والعهود

الكويت

مهما بلغت أوضاع الكويت من هشاشة سياسية واقتصادية في مرحلة الانتقال من عهد الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى عهد الأمير الحالي الشيخ نواف الأحمد، فإنّ البلد لن يُترك لمصيره من قبل حلفائه الدوليين وأشقائه الخليجيين، وجميعهم غير راغبين في اهتزاز استقراره وتحوّله إلى مدخل لأطماع إيران.. وذلك ما تجلّى على الأقل خلال تقديم التعازي بوفاة الأمير الرّاحل.

اختارت الولايات المتّحدة الأميركية إيفاد وفد رفيع المستوى بقيادة وزير الدفاع مارك إسبر إلى الكويت للتعزية بوفاة أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وذلك في رسالة طمأنة بشأن التزام واشنطن بحماية استقرار البلد الخليجي الذي تدرك حكومة الرئيس دونالد ترامب ما يواجهه من صعوبات سياسية ناتجة بالأساس عن الخلافات بين مكونات طبقته الحاكمة، لاسيما بين أفراد أسرة آل الصباح نفسها، ومن مشاكل اقتصادية ومالية مترتبة عن تراجع أسعار النفط وتبعات جائحة كورونا، فضلا عن استشراء الفساد وسوء إدارة موارد الدولة.

ولا ترغب واشنطن وعواصم القرار الخليجي، في رؤية الكويت تتحوّل إلى خاصرة رخوة في المنطقة وإلى مدخل لمطامع إيران التي لطالما مارست ضغوطا على القيادة الكويتية سواء بشكل مباشر أو عن طريق حلفاء طهران المسيطرين على دفّة الحكم في العراق المجاور، وذلك في استغلال لسياسة المهادنة التي سلكتها تلك القيادة تجنّبا لإثارة المشاكل مع الإيرانيين وحلفائهم العراقيين على حدّ سواء، لمعرفتها بقدرتهم على تهديد الأمن وزعزعة الاستقرار.

والتقى إسبر بأمير الكويت الجديد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح في اليوم نفسه الذي حلّ فيه وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف بالكويت لتقديم التعازي بوفاة الشيخ صباح الأحمد، وذلك في انعكاس للحرص الإيراني على الحفاظ على العلاقة مع الكويت، والتي لم تنقطع رغم الهزّات الكثيرة التي شهدتها علاقة إيران ببلدان الخليج وخصوصا علاقتها مع الجارة الكبرى للكويت المملكة العربية السعودية.

السعودية ليست بوارد التخلّي عن دعمها ومساندتها للكويت واستقرارها رغم عدم رضاها عن سياستها تجاه إيران

ومن جانبها، أوفدت دولة الإمارات العربية المتّحدة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي لتقديم واجب العزاء إلى الشيخ نواف الأحمد في وفاة الشيخ صباح الأحمد.

وضمّ الوفد الإماراتي كلاّ من الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، والشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم رئيس هيئة دبي للطيران، ومحمد بن عبدالله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء، وأنور قرقاش وزير الشؤون الخارجية، إضافة إلى عدد آخر من كبار المسؤولين.

أمّا السعودية فقدمت تعازيها للشيخ نواف عن طريق وفد كبير من أعضاء الأسرة الحاكمة من بينهم الأمير خالد بن بندر مستشار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، بينما ذكرت وكالة الأنباء السعودية “واس” أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اتصل السبت بالشيخ مشعل الأحمد الجابر نائب رئيس الحرس الوطني الكويتي لتقديم تعازيه في وفاة الأمير الراحل.

وتقول مصادر خليجية إنّ الرياض لم تكن في أغلب الأحيان راضية عن سياسة الكويت ومواقفها من إيران، لكنّها لم تنقطع مع ذلك عن دعمها في مواجهة الأخطار والتهديدات والعمل على تغيير تلك السياسة وتلك المواقف بنعومة وهدوء.

وترجّح ذات المصادر أن تواصل السعودية اتّباع نفس السياسة تجاه الكويت في عهد الأمير الجديد الشيخ نواف الأحمد.

وضم الوفد الأميركي المرافق لإسبر كلا من مساعد وزير الدفاع بالوكالة لشؤون الأمن الدولي مايكل كوترون، وكبير مستشاري وزير الدفاع للشؤون العسكرية اللواء برايان فنتون، وعددا من المسؤولين رفيعي المستوى، بحسب وكالة الأنباء الكويتية كونا.

وتوثّقت العلاقة بين الكويت والولايات المتحدة التي تحتفظ لها بقوات عسكرية على الأراضي الكويتية، على نحو غير مسبوق عندما قادت واشنطن عملية عسكرية في مطلع تسعينات القرن الماضي لإخراج القوات العراقية التي غزت البلد آنذاك.

وكان لأمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد، بما له من خبرة طويلة بالعمل الدبلوماسي، دور كبير في توثيق تلك العلاقة وتطويرها، كما كان له دور أكبر في الحفاظ على استقرار بلده حيث تمكّن، بما له من مكانة اعتبارية بين أفراد الأسرة الحاكمة والطبقة السياسية على وجه العموم، من تطويق الخلافات والصراعات السياسية التي كثيرا ما تفجّرت وخرجت إلى العلن وكانت لها تبعاتها المتمثّلة في الانقطاعات المتكرّرة في عمل الحكومات والبرلمانات التي كثيرا ما تمت إقالتها وحلّها قبل أن تستكمل مددها القانونية.

وقال وزير الدفاع الأميركي في تغريدة نشرتها السفارة الأميركية خلال زيارته للكويت إنّ الأمير الراحل “سيظل في الذاكرة رجلا عظيما وصديقا عزيزا للولايات المتحدة”.

وبدت عملية انتقال السلطة من الأمير الراحل إلى الأمير الجديد سلسة، دون أن يحجب ذلك وجود صراعات مكتومة على السلطة لا يُستبعد أن يكون مدارها منصب ولي العهد الذي يمتلك الأمير صلاحية اختيار من يشغله كما يمتلك البرلمان صلاحية التصويت على الموافقة عليه.

ولم يعيّن الشيخ نواف حتّى الآن وليا للعهد للمساعدة في إدارة شؤون البلاد التي تواجه تعقيدات مالية حقيقية وصلت حدّ طرح إمكانية اللجوء إلى الدين الخارجي لتوفير رواتب موظّفي الدولة.

وأمام الأمير فترة عام لتسمية ولي العهد غير أن محللين يتوقعون صدور قرار في الأسابيع المقبلة مع تسابق كبار أعضاء أسرة الصباح على الفوز بالمنصب.

وقال محمد الفيلي أستاذ القانون الدستوري بجامعة الكويت لوكالة رويترز إن تعيين ولي للعهد “سينهي هذا التنافس ويبعث برسالة استقرار”.