التغطية على نكسات سياسية واقتصادية..
تقرير: أردوغان يستعرض أولى نتائج أنشطة التنقيب غير القانونية
كشف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان السبت رقماً جديداً لاحتياطات الغاز في الحقل المكتشف الصيف الماضي في البحر الأسود، في تصريحات يهدف من خلالها للتغطية على نكسات سياسية واقتصادية جلبت له انتقادات لاذعة وتسببت في تراجع شعبيته وقلصت من حظوظ بقائه بالسلطة.
وكانت انقرة أعلنت في أغسطس/آب أنّها اكتشفت أكبر حقل غاز في تاريخها، مشيرة إلى أنّ كمية الغاز تبلغ 320 مليار متر مكعب.
إلا أنّ اردوغان قال السبت من على متن سفينة الفاتح للتنقيب في البحر الأسود "يوجد 85 مليار متر مكعب إضافي، بالتالي فإنّ احتياطي الغاز الطبيعي المكتشف يبلغ 405 مليارات متر مكعب".
وأضاف إنّ هذا الغاز سيبدأ بالوصول إلى المنازل التركية قي 2023.
وتأتي تصريحات اردوغان فيما تواجه تركيا أزمة اقتصادية متفاقمة، تجلت مظاهرها في انهيار الليرة وارتفاع التضخم وتزايد معدلات البطالة.
ويحاول الرئيس التركي تسويق هذا الاكتشاف للتغطية على نكساته السياسية والاقتصادية والالتفاف على تداعيات مغامراته العسكرية الخارجية التي وضعت تركيا على مسار تراجع اقتصادي مستمر خلال السنوات القليلة الماضية.
ويعزو كثير من الخبراء تفاقم الأزمة الاقتصادية إلى سوء إدارة اردوغان لسياسة البلاد، سواء على المستوى الاقتصادي أو على مستوى سياساته الخارجية التي استجلبت لتركيا عداءات مجانية بسبب التدخل العسكري في أكثر من جبهة، ما تسبب في قلق المستثمرين ونفور بعضهم الآخر عن الاستثمار في تركيا وهو ما يعكس حتما تراجعا اقتصاديا حادا.
ويفترض في الوضع الاقتصادي المتأزم الذي تعيشه تركيا، أن يلتفت أردوغان لأزماته الداخلية، لكنه اختار التصعيد على أكثر من جبهة فخسر الشركاء التقليديين من الخليج إلى أوروبا واستنزف موازنة البلاد في حروب مدفوعة بأطماع استعمارية وبحثا عن مجد خلا للإمبراطورية العثمانية ولتحقيق طموحات شخصية وتنفيذ أجندة التمكين لجماعات الاسلام السياسي.
كما يرى محللون أن الأزمة الاقتصادية في تركيا تشكلت نتيجة تدخلات أردوغان في السياسة النقدية وإقحام نفسه في مسائل اقتصادية ليست من مشمولاته، وشنه حملة تصفيات سياسية ضد الكوادر والكفاءات بالبنك المركزي ممن عارضوا تدخله في السياسة النقدية، ما أربك القطاع النقدي مسببا له مشاكل متناثرة.
وإذا ما اتضحت صحة الرقم الذي تحدث عنه اردوغان (405 مليار متر مكعب) فإن ذلك سيشكل نقلة في تركيا المتعطشة للطاقة والتي تطمح على جبهة أخرى في التحول إلى محطة لتصدير الغاز إلى أوروبا من خلال مشروع آخر ضخم وهو المشروع الروسي التركي الذي يطلق عليه اسم السيل التركي.
كما يسعى اردوغان من خلال توسيع الاستثمار في مجال المحروقات لترقيع تصدعات في جبهته الداخلية وإنقاذ شعبيته المتآكلة بسبب فشله في إدارة الأزمة الاقتصادية التي تعيشيها بلاده ومحاولة تحويل تركيا لبلد مصدر للطاقة إلى أوروبا ومجاراة موازين القوى العالمية، للالتفاف على الضغوط الدولية التي تدين تدخلاته العسكرية في أكثر من بلد وانتهاكاته المستمرة أيضا في مياه شرق المتوسط.
ويأتي هذا الإعلان أيضا بعدما ضاعفت تركيا في السنوات الأخيرة جهودها لتفرض نفسها لاعباً إقليمياً على صعيد الطاقة وتقليص اعتمادها على واردات الطاقة التي تضعِف اقتصادها الهش، وسط اتهامات دولية بأن الأنشطة التركية في مياه البحر الأسود وشرق المتوسط مخافة للقانون.
تحتاج تركيا سنوياً إلى ما يتراوح بين 45 و50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، غالبيتها تقريباً مستوردة، من روسيا على وجه الخصوص. ويعني ذلك فاتورة توازي قيمتها 11 مليار يورو حسب السلطة التنظيمية لأسواق الطاقة.
وبالتوازي مع أعمال التنقيب في البحر الأسود، ضاعفت أنقرة ايضاً جهودها في شرق البحر الأبيض المتوسط حيث فتحت اكتشافات لحقول ضخمة في السنوات الأخيرة شهية الدول المطلة عليه.
وتقوم تركيا بعمليات تنقيب أحادية في طريقة تثير غضب جارتها اليونان التي تتهمها بانتهاك الحدود البحرية، لكن أنقرة تجاهلت مرار دعوات أثينا والاتحاد الأوروبي بوقف الأنشطة غير القانونية.
وفي الأسبوع الحالي أرسلت تركيا مجدداً سفينة أبحاث إلى مياه تعتبرها أثينا ضمن نطاقها، في خطوة جاءت عليها بانتقادات أوروبية وأميركية.
إلا انّ اردوغان شدد مجدداً السبت على أنّ بلاده "مصممة في الدفاع عن مصالحها" في البحر الأبيض المتوسط، زاعما في الوقت نفسه إلى أنّها لا تريد "التعدي على حقوق غيرها".