إفتعال ضجة تجسس جديدة للإساءة للإمارات..
تقرير: الاستخبارات التركية تلعب دور تعزيز نزعة أردوغان السلطوية
افتعلت أجهزة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قضية تجسس جديدة ضمن ضجة دأبت تركيا على إثارتها من حين إلى آخر للإساءة لدولة الإمارات في سياقات وتوقيتات مشبوهة لم تخرج عن مسار لفت انتباه الرأي العام التركي عن المشاكل الاقتصادية والمالية الخانقة التي أثّرت بشكل واضح على الحياة المعيشية للأتراك.
وأوقفت الأجهزة التركية فلسطينيا يدعى أحمد الأسطل قالت إنه من قطاع غزة ويبلغ من العمر 45 عاما، زاعمة أنه كان يقوم بأنشطة تجسس لصالح دولة الإمارات وأنه يحمل وثائق سفر أردنية عندما تم احتجازه في تركيا، وفق ما ذكرت الثلاثاء محطة 'تي آر تي وورلد' الحكومية التركية.
ونقلت المحطة الحكومية التركية عن مصادر لم تسمها قولها إنّ "الإمارات أمرت الأسطل بالتجسس على جماعة الإخوان المسلمين في تركيا ونشطاء آخرين بعد انتقاله إلى البلاد في 2013"، مضيفة أنه جمع أيضا معلومات عن الشؤون الداخلية التركية.
وورد تقرير القناة التركية بلا تفاصيل واضحة وكان مغرقا في الغموض، مركزا فقط على الاتهامات التي وجهت للأسطل في سياق دعاية أمنية بعناوين سياسية لم تعد خافية على متابعي حملة التشويه التي يقودها إعلام المحور التركي القطري.
والضجة المفتعلة ليست سابقة ولا استثناء في سياق حملات تشويه دأبت أجهزة أردوغان على ترويجها، فقد سبق أن أعلنت العام الماضي اعتقال شخصين قالت في البداية إنهما إماراتيين قبل أن تعدل عن ذلك معلنة أنهما فلسطينيين وأنهما قاما بأنشطة تجسس على عرب وشخصيات سياسية وطلاب لصالح الإمارات.
وزعمت النيابة العامة التركية حينها أن أحد الرجلين على علاقة بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، مدعية أن احد المعتقلين انتحر في سجنه.
وطوت الأجهزة التركية هذا الملف من دون أي توضيحات حول سبب الوفاة الغامضة للمعتقل المتهم بالتجسس.
وكان مسؤولون في المخابرات التركية قد أعلنوا قبل أيام اعتقال شخص بشبهة القيام بأنشطة تجسس على عرب في تركيا زعموا أنه يعمل لصالح الإمارات، من دون تقديم أي تفاصيل أخرى إلى أن أعلنت اليوم الثلاثاء محطة 'تي آر تي وورلد' الحكومية بعض التفاصيل بما في ذلك اسم وجنسية الشخص الذي اعتقلته الاستخبارات التركية.
وادعى مسؤول أمني الأسبوع الماضي أن الاستخبارات التركية حصلت منه على "اعترافات وعلى وثائق كان يخفيها تظهر صلته بدولة الإمارات"، مضيفا أنه "اخترق شبكات لمعارضين عرب وصحفيين لسنوات".
واستنادا للرواية الرسمية فإنها تبدو أقرب ما يكون للحبكة الدرامية الفاشلة وأبعد ما تكون عن التصديق، فالاستخبارات التركية التي نجحت في تنفيذ عمليات قذرة في الخارج بما في ذلك في سوريا وليبيا والتي ازدادت قبضتها على الشأن الداخلي بما يعزز نزعة أردوغان السلطوية لا يمكن أن تفلت منها أنشطة تجسس كالتي ادعتها في قضية الحال المتعلقة بالفلسطيني أحمد الأسطل.
وتقول عائلة الأسطل إنه عمل بالفعل كصحافي في الإمارات لعشر سنوات قبل أن ينتقل إلى تركيا في 2013 حيث عمل في العديد من وسائل الإعلام بما في ذلك وكالة أنباء الأناضول التركية الحكومية.
وتعزز هذه الرواية صحة أن القضية مفتعلة وموجهة تحديدا للإساءة لدولة الإمارات، استنادا إلى أن الاستخبارات التركية والأجهزة الأمنية وبمبرر عقيدة حماية الأمن القومي، لا يمكن أن تُغفل المراقبة أو التقصي المعمول بها حين يشتغل أجنبي في هيئة حكومية سواء كانت إعلامية مثل ما هو في قضية الحال (وكالة الأناضول) أو في مؤسسة رسمية.
وأصدرت عائلة الأسطل في غزة بيانا على وسائل التواصل الاجتماعي في 25 سبتمبر/ايلول قالت فيه إنه "اختطف" قبل أربعة أيام في تركيا.
وفي بيان ثان الثلاثاء، اتهمت أسرته تركيا بمعالجة الأمر بطريقة "غامضة"، مضيفة أنه لا ينبغي استخدام أي اعترافات أدلى بها الأسطل تحت الإكراه.
وحثت الرئيس الفلسطيني محمود عباس على التدخل، قائلة إن زوجة الأسطل وابنتيه في تركيا وحدهن ويعانين نفسيا.
وتلعب الاستخبارات التركية دورا مفصليا في تعزيز النزعة السلطوية للرئيس أردوغان الذي أعاد تشكيل الأجهزة الأمنية على مقاسات إيديولوجية يما يخدم مشروعه وطموحاته الشخصية.
ولها سجل طويل في التجسس على معارضيه وفي حملة القمع الواسعة التي ازدادت وتيرتها منذ محاولة الانقلاب الفاشل في صيف العام 2016.
ويحاول الرئيس التركي الذي يواجه ضغوطا داخلية على خلفية الأزمة الاقتصادية وتداعيات كورونا وتبعات تدخلاته الخارجية، ترسيخ فكرة أن بلاده تتعرض لمؤامرات خارجية اقتصادية وسياسية لاحتواء القلاقل الداخلية وللتملص من مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع اجتماعيا واقتصاديا.
واللافت أن إثارة تركيا لضجة التجسس الجديدة المفتعلة تأتي في خضم هذه المشاكل المتراكمة والتي أثقلت على تركيا، حيث يتم ترويج رواية المؤامرة الخارجية وتضخيمها.
وعلاقات تركيا مع الإمارات متوترة بالفعل، فالبلدين على طرفي نقيض في النزاع في ليبيا فضلا عن التوترات طويلة الأمد بشأن التقارب الأيديولوجي لأنقرة مع جماعة الأخوان المسلمين المحظورة والمصنفة إرهابية في دول عربية وخليجية.
وحين قطعت دول الخليج بما في ذلك الإمارات، علاقاتها مع قطر في العام 2017 لتورطها في دعم وتمويل الإرهاب، سارعت تركيا إلى تقديم الدعم للدوحة التي لا تزال أقرب حليف عربي لأنقرة.