مقاطعة المنتجات الفرنسية..

تقرير: "إخوان الكويت".. مابين إحراج السعودية وإرضاء أردوغان

حملة ثلاثية تستهدف المنتجات الفرنسية في الكويت لإحراج السعودية.

الكويت

أظهرت الدعوات المتزايدة في الكويت إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية أن الأمر ليس تلقائيا، وأن هناك خطة لإظهار الكويت مركزا لمقاطعة تحمل عنوان الدفاع عن الإسلام والرسول، وتهدف بالأساس إلى إحراج السعودية وإظهار أن مقاطعتها للسلع والمنتجات التركية غير مبررة في الوقت الذي يعمل فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إظهار نفسه “حاميًا” للإسلام ومدافعا عنه.

وشبّه الرئيس التركي الاثنين معاملة المسلمين في أوروبا بمعاملة اليهود قبل الحرب العالمية الثانية؛ حيث قال “هناك حملة استهداف للمسلمين، مشابهة للحملة ضد يهود أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية”، متهما بعض القادة الأوروبيين بأنهم “فاشيون” و”نازيون”.

ودعا أردوغان، خلال خطاب ألقاه في أنقرة، إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية.

ويرى متابعون للشأن الخليجي أن الحملة تقف وراءها الأوساط الإخوانية وقطر وتركيا لتصفية الحساب مع السعودية التي تقود حملة مقاطعة موجعة ضد تركيا، وذلك عبر إظهار معاداتها لأنقرة وكأنها وقوف مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يرفض سحب كاريكاتير ساخر يستهدف الرسول.

وتحاول تركيا والإعلام القطري والإخواني إظهار الموقف الفرنسي وكأنه يركز على مهاجمة الإسلام واستهداف الرسول، فيما ينظر الفرنسيون إلى الأمر بشكل مغاير تماما ويرون أنه متعلق بحرية التعبير، رافضين أي ضغوط خارجية لإجبارهم على تغيير قيمهم ورؤيتهم للحرية وحقوق الإنسان.

وكانت هيئة كبار العلماء السعودية قد قالت، الأحد، إن “الإساءة إلى مقامات الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام لن يضرّ أنبياء الله ورسله شيئا، وإنما يخدم أصحاب الدعوات المتطرفة الذين يريدون نشر أجواء الكراهية بين المجتمعات الإنسانية”، وهو موقف أظهر أن الرياض واعية بخلفية الحملة على فرنسا والجهات المستفيدة منها، وأنها لن تجاري ذلك خدمة لأردوغان الباحث عن استعادة أمجاد الماضي على حساب أمن المنطقة، وعلى حساب الدين الإسلامي نفسه الذي بات يعتمده كمطية لجذب الأنصار.

كما أن أي انخراط سعودي في مسار هذا التصعيد التركي سيقدم خدمة مجانية للمتطرفين الذين يجدون في مثل هذه الأزمة فرصة للاستقطاب، في حين أن المملكة تعمل على التخلص من ميراث التشدد والانفتاح على القيم الإنسانية من خلال النظرة الإسلامية المعتدلة.

ومنذ الاستثمار التركي في قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، بات السعوديون ينظرون إلى تركيا على أنها عدو يهدد مصالحهم في المنطقة، خاصة أن في ذلك إستراتيجية تركية ظاهرة للعيان تقوم على مزاحمة المملكة على دورها كقائد للعالم الإسلامي، وهو ما يجعل الرياض تنظر إلى أي تحرك تركي في المنطقة على أنه جزء من استهدافها.

ونبه مسؤول سعودي كبير إلى الخطر التركي على دول المنطقة، قائلا “لو نظرت إلى مستوى التهديدات ستجد أن تركيا تتبوأ المكان الأبرز لأنها موجودة في كل مكان”.

ولم يستثن المسؤول السعودي في تصريح لصحيفة فاينانشيال تايمز الخطر الإيراني، لكنه شدد على أن الخطر التركي يزيد الأمور سوءا.

ويشير المتابعون إلى أن تحريك الحملة على المنتجات الفرنسية من الكويت بالذات يحمل إشارة قوية إلى أن الأمر يأتي في سياق خطة منظمة لإحراج السعودية، فالكويت تعيش حالة من ضعف السلطة بسبب الصراع بين الحكومة والبرلمان، وفي ظل انتقال على رأس السلطة. كما يوجد بالكويت أقوى تنظيم إخواني مسكوت عنه في الخليج لديه اختراق واسع لمؤسسات الدولة والمجتمع الأهلي، ويتحكم في مجموعة واسعة من الجمعيات ذات البعد الاجتماعي والخيري.

ويقول مراقبون كويتيون إن الجمعيات الإخوانية صارت بمثابة أخطبوط يتحكم في المزاج الشعبي، وهي التي تقف وراء اتخاذ اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية قرار مقاطعة المنتجات الفرنسية. كما أنها تقف وراء الحملة الإعلامية التي تضخم دور أردوغان وفي الوقت نفسه تغمز لاستهداف السعودية وتتهمها بالتقصير في الدفاع عن الدين.

ويكشف الجدل على وسائل الإعلام الفرنسي وعيا بأن الحملة أكبر من انتقاد رسوم كاريكاتيرية أو تصريحات بشأن أزمة الإسلام، وأن للتحريض على المقاطعة أغراضا إقليمية وسياسية خاصة، وهو ما كشف عنه بيان وزارة الخارجية الفرنسية الأحد.

وقالت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان، إن الأيام القليلة الماضية شهدت في العديد من دول الشرق الأوسط دعوات إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، لاسيما المنتجات الغذائية، فضلا عن الدعوات إلى التظاهر ضد فرنسا.

وقال البيان “دعوات المقاطعة هذه لا أساس لها ويجب أن تتوقف على الفور وكذلك جميع الهجمات ضد بلدنا، والتي تحركها أقلية متطرفة”.

وطالبت الوزارة أيضا السلطات بمعارضة تحركات المقاطعة تلك، وذلك من أجل مساعدة الشركات الفرنسية وضمان سلامة المواطنين الفرنسيين.

واعتبر ماكرون في تغريدة تعمّد نشرها باللغة العربية، في حسابه الرسمي، أن لا شيء إطلاقا يجعل بلاده تتراجع، مؤكدا على احترام فرنسا كل أوجه الاختلاف بروح السلام.

وكتب “لا نقبل أبدًا خطاب الحقد وندافع عن النقاش العقلاني. سنقف دومًا إلى جانب كرامة الإنسان والقيم العالمية”.

وكلما هدأت الأزمة أطلق أردوغان تصريحا مستفزا لجر ماكرون إلى ردّ الفعل وإطلاق تصريحات يمكن أن يوظفها في معركة تثبيت النفوذ التركي في المنطقة، وهو نفوذ تعارضه فرنسا بشكل قوي سواء في ليبيا أو في شرق المتوسط أو في إقليم ناغورني قره باغ، كما تعارضه دول شرق أوسطية مثل مصر والسعودية والإمارات.

ويقول نشطاء سعوديون إن أردوغان يخلط الحقائق بهدف إظهار أنه الزعيم الوحيد المدافع عن الدين، وأن بلادهم لن تنطلي عليها البراغماتية “العثمانية الجديدة”، متعهدين بالاستمرار في المقاطعة، الأمر الذي استفز ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي الذي شبه مقاطعة بلاده بمقاطعة كفار قريش للرسول محمد.

وكتب أقطاي أن “أصحاب هذه العقلية، الذين يجهلون أن الله هو من بيده الأرزاق، هم أنفسهم الذين قاموا منذ فترة قريبة بالتضييق على قطر ومقاطعتها. إنه وَهم قوة المال، الذي يجعلهم يظنون أن بإمكانهم ترويض من يريدون، وفعل ما يشاؤون وشراء ذمم الناس”.

وحرصت قطر على إظهار موقف غامض من الدعوات إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، وإن كانت وسائل إعلامها تروّج لهذه الدعوات على نطاق واسع. وحذر بيان للخارجية القطرية من “تعمد الإساءة إلى شخص الرسول الكريم “، دون أي ذكر لفرنسا ورئيسها، ما اعتبره مراقبون مناورة من الدوحة لإظهار النأي بالنفس والحفاظ على مصالحها مع باريس.