مركز دراسات يكشف أسرار الغرام القطري بتركيا..
تقرير: أردوغان.. هل يتلقى مبالغ طائلة لحماية العائلة المالكة بقطر؟
أثارت زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان إلى قطر - بعد ثلاثة أشهر فقط من زيارته الأخيرة - رد فعل حزب الشعب الجمهوري المعارض . ولعل السبب الرئيسي لرد الفعل هذا، هو ما أثير حول انحناء أردوغان أمام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وليس الزيارة في حد ذاتها.
لقد شاهدتُ الصورة عدة مرات، لكني بكل صراحة لم أستطع فهم ما إذا كان أردوغان قد انحنى بالفعل، أم أن الصورة خرجت هكذا بسبب وضعية جسده، لأن ساقي أردوغان المنثنية وموقفه المحدب قليلاً يؤديان إلى هذه الصورة.
إن الانحناء من عدمه ليس أمرًا مهمًا جدًا حتى نتناوله بالتفصيل والشرح. لكنني أعتقد أن السؤال الرئيسي الذي يجب طرحه هو.. لماذا يزور الرئيس، الذي يدعي أنه زعيم العالم الإسلامي في بلد يبلغ تعداد سكانه 83 مليون نسمة، للمرة الثانية في ثلاثة أشهر زعيم بلد آخر يبلغ عدد سكانه مليون نسمة فقط؟
لماذا يكثر أردوغان من زيارة قطر؟
ليس من الصعب حتى على شخص في الشارع أن يخمن سبب زيارة أردوغان لقطر خلال شهر يوليو المنصرم والأربعاء الماضي. فقد هرع أردوغان إلى قطر في يوليو الماضي، بعد التطورات الحرجة في ليبيا.
إن زيارة أردوغان -الذي لم يغادر قصره تقريبًا خلال فترة وباء كورونا، وظل على بعد أمتار من الوزراء أثناء انعقاد اجتماعات الحكومة في قصره- العاجلة إلى قطر لمدة يوم واحد يمكن تفسيرها بأن تركيا التي تعاني أزمة اقتصادية خانقة لم تعد في وضع يمكّنها من تمويل الجهاديين في ليبيا.
خزينة تركيا فارغة
لقد ذهب أردوغان إلى أمير قطر مرة أخرى خلال هذا الأسبوع. لكن الوضع هذه المرة يبدو أنه أكثر خطورة؛ إذ يقال إن خزينة البنك المركزي فارغة أو حتى مدينة بخمسين مليار دولار. كما لا يمكن وقف تدهور الليرة التركية، فالعملة التركية حاليًا هي الأسرع خسارة والأكثر فقدانًا لقيمتها في العالم.
لا يأتي المستثمرون الأجانب بأي شكل من الأشكال إلى تركيا. إلى جانب ذلك؛ فإن الأجانب الذين لديهم أموال في البورصة أو العقارات يفرون بسرعة. كما يقال إن تركيا قريبًا لن تكون حتى قادرة على دفع المعاشات التقاعدية وأموال التأمينات الصحية.
أزمات أردوغان لا تنتهي
لكن هذا لم يكن كافيًا، فالرئيس أردوغان لا يتوقف عن إنتاج الأزمات الواحدة تلو الأخرى. فقد أضيفت أذربيجان وقبرص إلى التطورات الساخنة في سوريا وليبيا والعراق وشرق المتوسط. إذ تعمل تركيا أيضًا كجبهة رابعة في الحرب في أذربيجان. وعلى الرغم من أن إنكار أنقرة وباكو إرسالهما جهاديين سوريين مسلحين إلى إقليم ناغورني كاراباخ المتنازع عليه بين أذربيجان وأرمينيا، إلا أن هناك الكثير من الأدلة حول ذلك. حتى إيران وروسيا أدلتا بتصريحات رفيعة المستوى تشكو من هؤلاء الجهاديين.
وفي قبرص، دعَّم أردوغان إعادة فتح ساحل منطقة مرعش -باليونانية «فاروشا»- المغلقة منذ 46 عامًا، أمام السكان للإطاحة برئيس شمال قبرص الحالي، مصطفى أكينجي، الذي دائمًا ما يدافع عن وحدة قبرص، وبالتالي على خلاف مع تركيا، خلال انتخابات الرئاسة المقرر عقدها يوم الأحد. ومع افتتاح مرعش «فاروشا»، يخطط أردوغان لدفع الناس نحو دعم «إرسين تاتار» الذي يدعمه أردوغان ضد أكينجي. ومما لا شك فيه أن هذه الخطوة الأخيرة تجاه قبرص ستلقى رداً قاسياً من الاتحاد الأوروبي.
قطر هي الدولة الوحيدة في العالم التي تقف إلى جانب أردوغان
من الواضح أيضًا أن قطر ليست سعيدة للغاية بهذا الاتحاد، لكنها مجبرة ومضطرة إلى ذلك. فلولا وجود تركيا ربما كانت عائلة آل ثان تفقد مقعدها على رأس السلطة في قطر في غضون يوم واحد بسبب الحصار الذي تفرضه عليها دول الخليج. لذلك فإن أردوغان، الذي يستغل هذا الأمر بشكل جيد للغاية، يستنشق أنفاسه في الدوحة كلما ضاقت عليه وساءت الأوضاع داخليًا.
إن حزب الشعب الجمهوري، الذي لا يستطيع إنتاج بديل سياسي لأردوغان بسبب هوسه الأيديولوجي الكمالي والمعارضة الضعيفة التي يظهرها، راح يزعم أن أردوغان انحنى أمام أمير قطر وكأنه بذلك يوجه ضربة لحزب العدالة والتنمية الحاكم بدلاً من أن يشرح للشعب ما يدور خلف كواليس تلك الزيارة. هذا بدوره دفع وسائل الإعلام الموالية لأردوغان إلى أن تأخذها الحماسة قائلة إن أردوغان لن ينحني أمام أحد إلا الله.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده حول هذا الملف، صرح نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المتحدث باسم الحزب، فائق أوزتراك قائلاً: «كلما ارتفع الدولار، فإن أردوغان يسارع إلى قطر. والأمير الذي يقرضنا المال عندما تسير الأمور على هذا النحو، يظل ينظر إلينا من الأعلى قليلاً في كل مرة».
أردوغان وسنوات المهانة
نحن في غنى عن توضيح مدى براغماتية أردوغان. فقد أطلق سراح القس الأمريكي أندرو برونسون، الذي قال لأمريكا بشأنه: «لا يمكنكم أن تاخذوه ما دامت تلك الروح في هذا الجسد»، وكذلك الصحفي الألماني ذو الأصل التركي، دنيز يوجيل، وأرسلهما إلى بلديهما بين عشية وضحاها فور اتخاذ هذه القرارات من قبل القضاء التركي، الذي يدعي أنه مستقل.
إلى جانب ذلك، لم يستطع أردوغان الرد بنفس القسوة على ترامب، الذي كتب له «لا تكن غبيًا»، وأرسل خطابًا إلى ترامب عند قدميه، ولكن بأدب. بالطبع، كان يطلب المساعدة في العديد من القضايا في ذلك الخطاب.
لم يستطع أن يقول كلمة لروسيا، التي قتلت 36 جنديًا تركيًا في سوريا في فبراير الماضي، بل إنه ذهب بنفسه إلى بوتين في غضون أيام قليلة وظل منتظرًا عند الباب لدقائق. ومع ذلك، تبرز روسيا مرارًا وتكرارًا اعتذار أردوغان لها عقب إسقاط تركيا لإحدى طائراتها.
إن البعد لدقيق للعلاقات بين أردوغان وأمير قطر لا يعرفه أحد. فلا أحد يعلم ما تحمله الطائرات المحلّقة بين البلدين، وما يتم بحثه في المحادثات بين الزعيمين، حيث لا يحضر أحد تلك المباحثات. في الواقع، لدى أردوغان أيضًا مثل هذه العلاقات السرية مع بوتين وترامب. وربما بسبب هذه العلاقات الثنائية، لا يزال بإمكانه الاحتفاظ بمقعده على رأس السلطة في تركيا.
لا شك أن أردوغان يصبح أكثر عدوانية كلما صار موقفه شائكًا على الساحة الدولية وفي نطاق السياسة الداخلية. ولعل السبب وراء خلقه للأزمة تلو الأخرى، وابتعاده عن الحقائق العالمية، وخضوعه لسيطرة شريكيه القذرين، دولت بهتشلي ودوغو برينجيك، هو خوفه من فقدان مقعده. ومن المثير للاهتمام أن ترامب وبوتين وبرينجيك وبهتشلي، الذين يحتفظ بهم أردوغان لحماية مقعده، لا يحبونه. لكن هناك أسباب وراء حماية هذه الأسماء لأردوغان.
حسنًا؛ لكن ما سر ارتباط أمير قطر بأردوغان لهذا الحد؟ هل لأنهما مرتبطان بالإخوان المسلمين كما يقال؟ أم أن أردوغان يتلقى مبالغ طائلة لحماية العائلة المالكة في قطر؟
شيء واحد معروف.. هو أن العلاقات بين الاثنين لا تخدم بأي حال من الأحوال مصلحة الشعب التركي أو القطري. كلاهما يتنازل للآخر ليحتفظ بمقعده على رأس السلطة الحاكمة في بلده. فبينما أهدى أمير قطر أردوغان طائرة خاصة تقدر قيمتها بــ400 مليون دولار من أموال القطريين، تمكنت العائلة المالكة القطرية أيضًا من شراء أراض في أغلى الأماكن في تركيا وإقامة قصور عليها.
وبحسب ما ذكرته صحيفة «سوزجو»، فبعد أن اشترت والدة أمير قطر، الشيخة موزة، أراضي ثمينة حول قناة إسطنبول، والتي كان من المخطط بناؤها ولكن لم يكن بالإمكان البدء في عمليات البناء لأن أردوغان لم يجد المال، تقوم العائلة المالكة هذه المرة ببناء قصر كبير على مساحة عشرة آلاف متر مربع في «يالوفا». هذا القصر، الذي جرى الانتهاء من 75% منه حتى الآن، يحتوي على 3 آلاف متر مربع من غرف التجمع وعقد اللقاءات، و3 آلاف متر مربع من مناطق الإقامة، و500 متر مربع من مناطق الاجتماعات والمساحات الخضراء.
كان أردوغان قد تجول أيضًا في وقت سابق بصحبة أمير قطر الشيخ تميم في طرابزون التي تعد من أكثر المدن خضرة في تركيا. وزعمت المعارضة أن هدف هذه الزيارة هو عرض الأماكن المهمة في المدينة على أمير بغية شرائها وأن تصير تحت منفعته.
لا يمكن القول إن لدى أردوغان الكثير من الأدوات التي يمكن أن يستغلها ويطرحها في علاقاته مع البلدان الأخرى أو في السياسة الداخلية. فقد جرى بيع جميع الأراضي المملوكة للدولة والمطارات والطرق والجسور والمصانع والمستشفيات. كما يمكنه باستمرار أن يعفي فقط عددًا قليلًا من رجال الأعمال المقربين من دفع الضرائب. أما على الساحة الدولية؛ فقد ضعفت قدرته التفاوضية إلى حد كبير، كما أن هناك العديد من المخاطر التي تنتظر أردوغان إذا خسر ترامب الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إنه من المتوقع فتح العديد من ملفات الفساد التي يرتبط بها اسمه.
من غير المعروف إلى أي مدى سيصبر بوتين على أردوغان؟ لكن يبدو أن الخطوة الأخيرة في ناغورنو كاراباخ تزعج بوتين كثيرًا. كما أن الاتحاد الأوروبي منح أردوغان فرصة أخيرة، حيث إنه في حالة إذا ما حدث توتر آخر مع اليونان أو في أوروبا الشرقية، فقد تصبح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أكثر حدة وصرامة في موقفها مع تركيا مثل فرنسا.
وفي النهاية، علينا أن نشير أنه من غير المعروف إلى متى سيمول أمير قطر أردوغان. ربما صبره على وشك النفاذ.
------------------------------
المصدر| تركيا الآن