الحوثيون يأملون رفع العقوبات الأميركية على طهران..

الخليج.. هل يصبح نقطة ساخنة لتغيير السياسات وتصفية الحسابات؟

محن عربية لا تنتظر الحل من واشنطن

برلين

ارتفع منسوب الترقب والقلق في الشرق الأوسط حيال السيناريوهات المحتملة لسياسة الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، بعد سنوات من حكم الرئيس دونالد ترامب التي حظيت بالقبول خصوصا ما تعلق بإنهاء الاتفاق النووي مع إيران، لكنها أثارت الكثير من الجدل في قربها وابتعادها من أطراف صراعات إقليمية كبرى قد تحسم مستقبل المنطقة.

ورافقت رسائل التهنئة الدبلوماسية التي بعثها رؤساء وزعماء دول عربية للترحيب بالرئيس الأميركي المنتخب، تساؤلات بشأن السياسة المحتملة التي سيتبعها بايدن في ملفات ملتهبة في المنطقة العربية تبدأ بإيران وعلاقتها مع دول الخليج العربي ولا تنتهي في العراق واليمن ولبنان وليبيا وفلسطين.

ولم يوضح بايدن على مدار أكثر من 18 شهرا من الحملة الانتخابية التي قادته إلى هزيمة ترامب في انتخابات وصفت بالسامة، أي رؤية شاملة وكبيرة بشأن ملفات الشرق الأوسط.

وذكر معهد المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في تقرير “هذه منطقة يتوقع أن تعيد إدارة بايدن تركيز السياسة الأميركية فيها على قضايا مثل إيران وأن تدفع باتجاه احترام الحقوق في أنحاء المنطقة”.

وتتناقض علاقات الرئيس ترامب الوثيقة خصوصا بدول الخليج مع العلاقة الفاترة التي ربطت هذه البلدان الغنية بالنفط بسلفه باراك أوباما الذي أثار بإبرامه الاتفاق مع إيران حول ملفها النووي مخاوف السعودية وجيرانها.

الحوثيون يأملون في رفع العقوبات الأميركية التي فرضها ترامب على طهران، والعودة للاتفاق النووي وتحول موقف واشنطن من التحالف العربي ووقف الدعم الأميركي المقدم للعمليات العسكرية في اليمن

ويمكن أن يحدث الكثير من تصفية الحسابات بين الدول المتنازعة في مشاريع كبرى تتصادم في الشرق الأوسط. ويرى زعماء المنطقة أن بايدن سينتهج سياسات “مألوفة” وأنه سيعمل على استكمال ما بدأه أوباما، وأن ما يساعده في ذلك الأثر الفوضوي الذي سيخلفه ترامب.

ويكمن التحول الأخطر في السياسات المزمع انتهاجها في الخليج وعلاقة واشنطن بدوله، حيث راهنت السعودية بشكل كبير على ترامب وعلى استمراره لسنوات أربع إضافية في البيت الأبيض.

إلا أن وصول إدارة ديمقراطية سيعيد إلى الواجهة مشاكل السعودية مع واشنطن، خصوصا تلك المتعلقة بملفات حقوق الإنسان وأسعار النفط والتسليح وحرب اليمن، وسيجد الديمقراطيون ذخيرة إضافية في إثارة مقتل الصحافي جمال خاشقجي لتوجيه سهام الاتهام للسعودية.

ولا يحتاج الديمقراطيون إلى أن يرتبوا ملفات استهداف الرياض بأنفسهم، فقد استعدت قطر للأمر مبكرا وجهزت حملات للعلاقات العامة تستهدف النيل من السعودية والتركيز على ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي عمل على عزل الدوحة خليجيا وإقليميا من خلال مقاطعة صارمة تواصلت على مدى سنوات.

وعلى عكس السعودية، بادرت الإمارات مبكرا بعدم حصر خياراتها في واشنطن وترامب تحديدا، على الرغم من مبادرتها المبكرة بعد وصوله إلى سدة الرئاسة في تجديد الاتفاقية الإستراتيجية مع الولايات المتحدة.

وخلال فترة حكم ترامب، انفتحت أبوظبي على قوى كبرى راسخة، وخصوصا الصين وفرنسا، وعززت علاقاتها معها، لكنها طورت علاقات مهمة مع قوى اقتصادية وسياسية صاعدة، ومنها الهند وكوريا الجنوبية، ولم تهمل اللاعب الروسي الكبير.

وتحاول قطر الآن، كما جاء على لسان أحد المستشارين السياسيين القطريين، أن تستقطب نحوها فئة “المتأرجحين” في الخليج، وخصوصا الكويت وعمان، وأن تقدم نفسها من خلالهم كتكتل مواز للعلاقة السعودية – الإماراتية الخاصة، يمكن أن يحظى بدعم إدارة بايدن.

وقال مراقب خليجي “هذه فرصة قطر المهمة لتصفية حسابها مع السعودية. أولى الإطلاقات الإعلامية بدأت والقادم أكبر”. وقالت إلهام فخرو كبيرة محللي معهد مجموعة الأزمات الدولية لدول الخليج إن “المسؤولين السعوديين فضلوا ولاية ثانية لترامب”.

وفي اليمن لم تخف جماعات “الإسلام السياسي”، بمن في ذلك الإخوان المسلمون والحوثون، ابتهاجها بوصول بايدن إلى البيت الأبيض، في ظل رهانات على عودة سياسة أوباما – كلينتون التي دعمت طموحات الجماعات الإسلامية في الوصول إلى السلطة من خلال ما عرف بالربيع العربي.

ويأمل الحوثيون في رفع العقوبات الأميركية التي فرضها ترامب على طهران، والعودة للاتفاق النووي وتحول موقف واشنطن من التحالف العربي ووقف الدعم الأميركي المقدم للعمليات العسكرية في اليمن.

كما يطمح الحوثيون إلى تعزيز مكاسبهم العسكرية والسياسية التي تحققت نتيجة الصراع المحتدم داخل معسكر الشرعية، والوصول إلى تسوية سياسية على قاعدة الاعتراف بهم كقوة مهيمنة على شمال اليمن.

وكشف القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي عن رؤية الحوثيين للموقف الأميركي في عهد بايدن قائلا “صداقة الديمقراطيين مع الإخوان عميقة ورهان الديمقراطيين على إيقاف العدوان على اليمن قد يكون مجديا من هذا المنطلق وخصوصا بعد تعنتهم على السعودية بعدم تنفيذ اتفاق الرياض، ولا أعتقد أن السعوديين سيعطونهم فرصة كهذه”.

وفي المقابل يراهن الإخوان المسلمون وتيار قطر في الحكومة اليمنية على دعم السياسة الأميركية الجديدة لمشروعهم في اليمن الذي تعثر بسبب بروز قوى جديدة على الأرض مثل المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات المقاومة الوطنية بقيادة العميد طارق صالح.

وبرزت تصريحات لمسؤولين معروفين بانتمائهم إلى تيار الدوحة في الحكومة طالبت باستغلال التحولات في المشهد الأميركي لرفض اتفاق الرياض والانقلاب على استحقاقاته، وخلق علاقة جديدة مع التحالف العربي مشحونة بالتوتر.

ويتزعم هذا التوجه نائب رئيس مجلس النواب اليمني عبدالعزيز جباري الذي حرض في تصريحات إعلامية على التحالف العربي من واشنطن، كما كتب الوزير السابق صالح الجبواني عقب الإعلان عن فوز بايدن “فوز بايدن يعني نهاية أربع سنوات من البلطجة والشعبوية العنصرية والتصريح للقتلة والعصبويين بامتهان الأوطان كما يحصل في بلادنا. اتفاق الرياض ولد في هذا الجو واليوم تخفف العالم بعد رحيل العنصري ترامب. أناشد الرئيس هادي عدم تشكيل الحكومة إلا بتنفيذ الشق العسكري والأمني تنفيذا كاملا”.

وتشير سيناريوهات سياسية إلى أن أبرز نتائج فوز الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأميركية في ما يتعلق بالملف اليمني، ستكون إحياء خطة وزير الخارجية اليمني الأسبق جون كيري، التي تعثرت نتيجة رفض الشرعية اليمنية لها.

وسبق أن أكدت مصادر دبلوماسية لصحيفة العرب الدولية أن خطة كيري باتت أحد أركان مبادرة المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث المعروفة بالإعلان المشترك، التي تسعى بريطانيا والاتحاد الأوروبي لتمريرها عبر مجلس الأمن الدولي، وقد يسهم فوز بايدن في تسريع هذا المشروع الذي كانت إدارة ترامب تعيقه خدمة لمصالح حلفائها في الخليج.

وتبدو الأمور مفتوحة على جميع الاحتمالات في بغداد، في ما يتصل بالعلاقة بين العراق وإيران في ظل الإدارة الديمقراطية الجديدة.

ويقول مراقبون إن أصدقاء الولايات المتحدة في العراق، ولاسيما رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، قد يجدون أنفسهم تحت الضغط، فيما لو أطلقت تسوية أميركية جديدة يد الميليشيات في هذا البلد، ما ينسف جميع المكاسب التي تحققت في عهد الرئيس دونالد ترمب.

لكن الكثير من الأوساط السياسية العراقية تجادل بأن الحكم على طبيعة العلاقات الأميركية الإيرانية في ظل إدارة بايدن، سابق لأوانه الآن.

وتقول هذه الأوساط إن أي عملية إحياء للاتفاق النووي مع إيران من جانب الولايات المتحدة، ستتطلب إضافة شرطين جديدة للاتفاق الذي انسحب منه ترامب. يتعلق الشرط الأول بنفوذ إيران الخارجي، لاسيما في العراق ولبنان، إذ يوصف بالسلبي، وتطالب أطراف محلية ودولية عديدة بوضع حد له.

أما الشرط الثاني فيتعلق بصواريخ إيران البالستية، حيث لا يمكن توقع أن تقوم إدارة بايدن بالتغاضي عن وجودها وما تشكله من تهديد لمصالح واشنطن والعديد من حلفائها.

ويقول مراقبون إن قبول إيران بهذين الشرطين قد يحولها إلى دولة منزوعة المخاطر، وقد يمهد لعودتها إلى الحضيرة الدولية.

ولن يكون على العراق أو غيره الخشية من إيران الجديدة، بعدما لعبت العقوبات الاقتصادية لعبتها المدمرة لقلب النظام الحاكم في طهران. وتشير تقديرات إلى تضاؤل خيارات إيران واستعدادها لقبول أي صفقة مع الديمقراطيين لإنقاذ النظام السياسي فيها من التداعي.

وفي لبنان استبعدت أوساط سياسية حصول تغيير أميركي كبير تجاه لبنان في ضوء وصول بايدن إلى البيت الأبيض، على الأقل في المدى المنظور.

وترى الأوساط السياسية اللبنانية أنّ السياسة الأميركية تجاه لبنان ستعتمد لاحقا على شخصيّة وزير الخارجية الأميركي الجديد، علما أن أي وزير جديد سيعتمد أكثر فأكثر على الدبلوماسيين المحترفين في الوزارة من الذين يعرفون لبنان جيدا.

وكانت ليبيا أحد أهم عناوين الحملة الانتخابية لدونالد ترامب حيث تعهد بوضع حد لنفوذ الجماعات الإسلامية، وهو ما أثار تفاؤل النخب السياسية بانتهاء سياسة الأمر الواقع التي يفرضها الإسلاميون وفي مقدمتهم الإخوان.

وتراجعت سطوة التيارات المتشددة ونجح الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر في تحرير مدينتي بنغازي ودرنة بالكامل من المجموعات المتشددة (داعش والقاعدة) كما تمكن الجيش من طرد ميليشيات إسلامية كانت تسيطر على المنطقة الوسطى والجنوب الغنيين بالنفط، لكن كل هذه الانتصارات لم تكن كافية لفرض الجيش شروطه على الإخوان الذين تشبثوا بالحكم ورفضوا إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهو ما دفع الجيش إلى شن هجوم للسيطرة على العاصمة طرابلس.

وتجسد الأحداث التي جرت في عهد ترامب ما أعلن عنه في أول تصريح له عن ليبيا وهو في منصب الرئاسة، إذ أكد حينئذ خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني أن الدور الوحيد لأميركا في ليبيا سيكون محاربة تنظيم داعش، حيث بقي الإخوان المتحكمين في السلطة (حكومة الوفاق) والموارد النفطية (المصرف المركزي) رغم بروز أكثر من فرصة لإخراجهم من المشهد سواء سياسيا بانتهاء مدة اتفاق الصخيرات المحددة بسنتين في ديسمبر 2017 أو عسكريا بمحاولة اقتحام طرابلس.

وتقود واشنطن حاليا العملية السياسية في ليبيا، ويتوقع مراقبون أن تفضي رئاسة بايدن إلى ترسيخ هيمنة الإخوان وحلفائهم الإقليميين، وخاصة قطر وتركيا اللتين تضغطان من أجل بقاء فايز السراج على رأس المجلس الرئاسي لضمان عدم إلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وحكومة الوفاق، مقابل تهميش الجيش ومطالبه بإنهاء هذه المرحلة من خلال إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.

وتوقع مراقبون أن تتعزز سطوة الإسلاميين في تونس بعد سنوات من المهادنة التي أجبرتهم عليها جملة من التغييرات كان من أبرزها وصول ترامب إلى السلطة، مستبعدين أن تعود النهضة إلى الخطاب المتشدد في عهد بايدن وتتخلى عن خطاب التوافق الذي اعتمدته خلال السنوات الماضية في إطار سياسة الانحناء للعاصفة.

وفي الملف الفلسطيني يجمع مراقبون على أن إحدى الخطوات الأولى ستكون إعادة التواصل مع الفلسطينيين الذين أغضبتهم خطوة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالمدينة المتنازع عليها عاصمة لإسرائيل.

كما أثارت الحملة الأميركية في العالم العربي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل حفيظة الفلسطينيين، لكن من المرجح أن يتبنى بايدن هذه الجهود.

وبحسب معهد المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “عندما يتعلق الأمر بإسرائيل والفلسطينيين، فإن معظم الحكومات الأوروبية ستستقبل إدارة بايدن بارتياح شديد”. لكن مع ذلك “من غير المحتمل أن تكون هناك عودة كاملة إلى الوضع السابق”.