موجة الربيع العربي..

تقرير: هل تشهد العلاقات "التركية– الخليجية" حل قضايا اليمن وشرق المتوسط

ليس من السهل تجاوز العراقيل في طريق تطوير العلاقة بين الجانبين لكنها مرحلة اختبار ثقة

عمر علي البدوي

هل تشهد العلاقات التركية – الخليجية تحولاً جديداً لإزالة آثار مرحلة سابقة تعرضت فيها العلاقة للكثير من الخلل والتجاذبات، ليس على الصعيد الإعلامي فقط، بل على الأرض بتوسع التنافس بينهما إلى قضايا مختلفة في مصر واليمن وليبيا وقطر وشرق المتوسط؟

أبقت كل من الكويت والبحرين وعمان على علاقات طبيعية مع أنقرة، فيما تضررت العلاقات التركية مع الرياض وأبوظبي في إطار سعي الأخيرتين لنبذ المشاريع الإقليمية وصون المنطقة من الاختراقات، وكانت المواجهة مع أنقرة حتمية طالما استمرت في توسيع نفوذها واستثمار تضعضع العالم العربي وتوظيف أدوات أيديولوجية كانت ترى في أنقرة جسر مرورها إلى السلطة.

كانت موجة الربيع العربي فرصة ذهبية سانحة لإطلاق صافرة الانفلات التركي في المنطقة، وكانت مصر في عهد الإخوان المسلمين أفضل لحظات وهج الدور التركي في المنطقة، لكن بخسارة الإخوان حكم مصر، ثم بتوحيل الأزمة السورية في بؤر التشدد، اضطرت أنقرة أن تخلع عنها ثوب الدبلوماسية وتلبس درع التدخل السافر في سوريا وليبيا وقطر والسودان، وأخيرا بمحاولة الالتفاف على جنوب اليمن بشواطئه ومضايقه وجزره.

وصلت المنطقة إلى مرحلة خطيرة من التوتر بمشاركة الجميع في التنافس غير المنظم على مقدراتها، وأضحى من اللازم التوقف عن الاستنزاف المتبادل، وابتكار منطق تواصلي جديد يجنب المنطقة نُذر خراب كبير.

ربما ساعد وصول الرئيس الديمقراطي جو بايدن في تحريك هذه المياه، لكنها كانت واضحة وجلية في التصريحات المتبادلة في الشهور الأخيرة من العام الماضي.

وأبدت أنقرة ميلاً أكثر إلى تحسين العلاقات مع الرياض والقاهرة، وتجنبت فعل الأمر نفسه مع أبوظبي التي تكيل لها تركيا اتهامات تبدو في أحيان كثيرة غير منطقية، مثل المشاركة في الانقلاب المزعوم على أردوغان، ولكن يبدو موقف أبوظبي الحاد من جماعة الإخوان المسلمين هو أكثر ما يغيظ أنقرة.

بحلول العام الجديد وإعلان المصالحة الخليجية وفتح خطوط التواصل مجدداً مع الدوحة التي كانت واحدة من أكثر ملفات الخلاف حساسية بين الجانبين، تحولت الأنظار تلقائياً إلى نقاش مستقبل العلاقة بين تركيا وكتلة الخليج بقيادة الرياض، وعن تطوير هذه المصالحة واتفاق العلا إلى نطاق أوسع يشمل أنقرة ويعالج نقاط التباين بين الجانبين.

وكانت تركيا في مقدمة الدول التي رحبت بالاتفاق معبرة عن أملها بأن يتحول إلى مصالحة كاملة وشاملة، بما يعود على الخليج العربي والمنطقة بالخير، ويفتح المجال أمامها لتعود إلى مكانتها مع دول الخليج المختلفة.

تسببت سياسات أردوغان في الكثير من الأذى لتركيا وشعبها، لاسيما بعد أن توسعت أدواره وتدخلاته فوق طاقة قدرات البلاد خاصة الاقتصادية. وأبدى الواصل الجديد إلى البيت الأبيض الكثير من الحدة والقوة في تصريحاته للجم نشاط أردوغان ومعاقبة تركيا على تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء، وقد حرّك هذا من رغبة أنقرة في فحص خياراتها وتجنّب التوتر مع محيطها الإقليمي ورفع أعباء الملفات العالقة في طريق العلاقات معه.

كما زادت في رغبة التصالح مع الآخرين والكف عن تغذية رصيد العداوات، والآثار الاقتصادية لجائحة كورونا التي تضرر منها الجميع، ووقف أنشطة السياحة وبقية القطاعات الاقتصادية المهمة لتعافي تركيا.

وقد كلفت المواجهة السياسية مع دول الخليج الكثير من الخسائر لقطاعات تجارية وإنشائية واستثمارية تركية، كان آخرها خسارة المقاولين الأتراك أعمالًا بقيمة 3 مليارات دولار في دول الخليج بسبب توتر العلاقات، وفق بيان أصدره اتحاد المقاولين الأتراك الأسبوع الماضي.

وتحدّثت وكالة بلومبرغ الأميركية عن اتّصالات تركية خليجية لإقامة علاقات أفضل بين الطرفين في مجالي التجارة والأمن وغيرهما.

ووفق ما نقلت عن شخص مطلع على الموقف الخليجي، فقد وصف عملية التواصل مع تركيا بأنها في مراحلها الأولى. وأضاف المصدر أن قضية الإخوان محورية بالنسبة إلى مخاوف دول الخليج وحليفتهم المقربة مصر.

ليس من السهل تجاوز الكثير من العراقيل في طريق تطوير العلاقة واستعادة عافيتها الكاملة بين الجانبين لأن الشروط الواجب تلبيتها تبدو معقدة وصعبة حتى الآن، لنقل العلاقات من مرحلة المواجهة والاحتكاك إلى مستوى أقل من التواصل أو أعلى من التفاهم.

لكنها مرحلة من اختبار الثقة وتقدير الإرادات الجادة وتدوير زوايا الخلاف وفتح مسارات للحوار، يمكن أن تنتج عنها إعادة اصطفاف وتوازنات جديدة في المنطقة، تكون مفيدة للأطراف بعد تجنيبها مخاطر التوتر والتداخل مع الشؤون الداخلية للبلدان المعنية.