الذكرى السادسة للتحرير..

تقرير: «الحواشب».. تأريخ نضالي عريق مطرز بأشكال الفداء والتضحيات

جانب من استعراض للقوات المسلحة الجنوبية - أرشيف

محمد مرشد عقابي
قبل نحو ستة أعوام من الآن وتحديداً في الحادي عشر من شهر يونيو من العام 2015م، استطاعت بندقية المحارب الحوشبي ان تقهر أعتى ترسانة حربية يمنية غازية لأرض الجنوب، في هذا التأريخ المشرف والمجيد توشحت بلاد الحواشب بحاضرتها المسيمير بوشاح النصر وزفت شهدائها الميامين في مواكب أعراس متعددة فخراً واعتزازاً بشموخ وكبرياء اولئك الرجال الصناديد، في هذه اللحظة الفارقة والفاصلة من تأريخ الجنوب الحديث وضعت المسيمير تاجها على رأس ثورة هذا الشعب العظيم وقدمت فلذات اكبادها قرباناً لتحقيق غاية النصر المؤزر.
 
ثورة إجتثاث الظلم والطغيان
 
من بين انقاض القهر والظلم والطغيان ولدت المواقف العظيمة واتضحت الرؤى والأدوار البطولية لرجال طالما عاشوا مجهولين لا يعلم ببأسهم الشديد ورباط جأشهم وجسارتهم الكثير من الخلق، ومن بين أحضان المجد التليد نمت وترعرعت القيم والمبادئ الوطنية السامية وازدادت رسوخاً وعلى أمتداد ساحات الوغأ في هذه الأرض اجترحت الملاحم والبطولات العظام.
 
مسار التصدي الأسطوري لآلة القتل المليشاوية
 
منذ ان أجتاحت آلة الحرب العدوانية التابعة لمليشيا الحوثي اليمنية المدعومة من إيران مناطق مديرية المسيمير الحواشب في محافظة لحج، انبرى عظماء وجهابذة هذه البلدة الغنية برموز المواقف وكوادر الفداء والتضحية لمواجهة همجية وبربرية جحافل الغزاة بسلاح البندقية، حيث تسلح رجال الحواشب الأشداء بسلاح الإرادة الصلبة غير عابئين بالفروق الشاسعة بينهم وبين عدة وعتاد العدو من النواحي العسكرية والحربية والأمكانيات الأخرى، من تلك اللحظة الفارقة والمسيمير حاضرة لتقديم أبناءها فداء وقرباناً لهذا الوطن الغالي وفي سبيل إنتصاره، وفي كل المحطات المفصلية والمنعطفات التاريخيه كانت هذه البلدة تداري آلامها وتواري جثامين رجالها الأفذاذ ممن اخلصوا في حبهم لثرى هذا الجنوب ولعزة وكرامة هذا الشعب، لترسم بتضحيات الجسيمة ملامح الجلاء بخطوط عريضة وواضحة، وبفضل تلك المآثر فتحت أبواب النصر ولاحت آفاق الخلاص من كهنوت هذا العصر.
 
تلون الأرض بلون الدم
 
تخضبت أرض الحواشب وتزينت سهولها وروابيها وقفارها وجبالها السمراء وربوعها الشاسعة والمترامية بلون دم ثلة الشرفاء والأوفياء الأحرار من رجالها الأبرار الذين وهبوا أنفسهم رخيصة لأجل عزة وحرية وطنهم وهبوا الى ساحات الردئ ملبيين لنداء الجهاد ذوداً عن حياض الأرض والعرض والدين.
 
ذكرى 11- 8- 2015م
 
تحل علينا ذكرى الحادي عشر من يونيو في كل عام، لتذكرنا بعظيم بعظيم ما صنعه اولئك الأبطال ممن تشربوا المجد من كؤوس الفداء فلا نامت أعين الجبناء، تأتي هذه الذكرى ومعها نقرأ الفاتحة على أرواح رعيل فذ من النشامى الميامين الذين آثروا على انفسهم الموت ليحيا غيرهم بكبرياء وشموخ وعزة وكرامة.
 
تحل هذه الذكرى ومعها نستذكر عطاءات جيل ذهبي سار في ركب الفداء والتضحية حياً ولقي ربه على متمسكاً بكل القيم والمبادئ الثورية الثابتة، نقف على اعتاب هذه الذكرى لنبكي اولئك النخبة ردحاً طويلاً حد النحيب ونحزن على فراقهم الأليم لكننا نقتبس من وميض مواقفهم الشجاعة وعزائمهم الصلبة وأدوارهم البطولاية وسيرهم النضالية العطرة والمظفرة، أسمى المعاني التي غيرت وجه التأريخ ووضعت أسم "الحواشب" يعلو عناوين الشجاعة والعزة والنخوة والإقدام والبطولة والإباء.
 
المسيمير حاضر مجيد وماض عريق ضارب جذوره في أعماق التاريخ
 
المسيمير وعلى مر تأريخها النضالي الأزلي الطويل والعريق، تحتفظ لنفسها بخط ثوري ثابت ومضيء ومميز ومتفرد لا يضاهيها فيه او ينافسها عليه الأخرون، فقد انتهجت هذه البلدة الحبلى بفحول الرجال المغاوير السير على خط التضحية منذ فجر التأريخ الجنوبي الأول، وفي كل المراحل والمنعطفات والمنعرجات والمتغيرات ظلت بلاد الحواشب ثابتة على مواقفها ومتمسكه بمبادئها الوطنية والثورية وتخطو بثبات على هذا الطريق المستقيم في درب شق طريقه العظماء من شهدائها الأبرار من أمثال "معاذ علي احمد ونبيل سالم السروي وعبدالمجيد عبدالله حيدرة وبسام صالح الشيبه وعبده صالح العبادي وعبدالله الفيتر ووليد قائد مثنى وغيرهم من النشامى الذين رفضوا حياة الذل والإمتهان وقارعوا قوى الطغيان ليرتقوا شهداء أعزاء كرماء متوجين بأكاليل النصر والعز ومتوجهين نضالاتهم الى مصاف الخلود الأبدي والحياة السرمدية الخالدة.
 
المسيمير ودور الريادة في التضحية
 
امتطت بلاد الحواشب صهوة جوادها وحجزت لنفسها دور البطولة في مسرح عمليات الحرب لترسم آفاق تحررية حضارية وتحمل على كاهلها مشروع وطني عظيم متمثل في تطهير الجنوب من دنس الأعداء لتعيد بذلك الى الأذهان مجد وحضارة حمير من جديد، وعند التفتيش في دفتر البطولات العديدة وملف التضحيات للمسيمير في هذا اليوم الخالد وهو 11-6 بكل عام وهو اليوم الذي أعلنت بندقية المحارب الحوشبي تحرير مديرية المسيمير بمحافظة لحج بالكامل واحرازها النصر الجنوبي الثاني على فلول ومرتزقة مليشيا الحوثي بعد الضالع، لتحظى بوسام الشرف العالي، فعند التفتيش في تلك الأوراق المليئة بمخطوطات ومناقب المجد والمآثر العظيمة والمحطات المضيئة والذكريات الخالدة وقصص النضال والثورة والإستشهاد، نجد بان هذه المنطقة آثرت على نفسها الدفاع عن تراب وعقيدة وحرية وهوية وطن واثبتت علو كعبها وصمودها الأسطوري وثباتها في وجه كل العواصف والعوامل والتحديات.
 
رفعت بلاد الحواشب شعار نحيا ونموت من اجل الدين والوطن منذ الوهلة الأولى وكان هذا الشعار بمثابة السلاح المدمر الذي يفتك بالعدو، وصارعت بلاد الحواشب رغم معاناتها من قسوة الظروف والواقع المر والتعيس والبائس والفقر المدقع وكل المآسي، بل وتقدمت الجميع لفتح مستقبل الجنوب واعداد دستوره التحرري الحديث، وتمكن صناديدها الأبطال ان يعيدوا كتابة وصياغة تأريخ هذا البلد من جديد، فكانت أرواحهم الطاهرة هي من تحيك النصوص ودمائهم الزاكية هي من تصيغ المواد وتبوب الخرائط وترسم الحدود، لتصبح تلك الخطوات التقدمية في ميزان البذل والعطاء الجازل مرجعاً لكل من يبحث عن منبع البطولة ومهبط المناضلين الكبار في أرشيف وسجلات وقواميس التأريخ على مر الدهور وأزمانه المتعاقبة.
 
هذه هي الحواشب لمن يجهل التأريخ
 
هذه هي مسيمير الحواشب لمن يجهل تأريخها، انها منجم الأفذاذ وموطن التضحيات وأرض البطولات، تلك هي المسيمير بركان الثورة الغاضب الذي يمحو أثر الأعداء ويقتلع جذور العمالة والخيانة ولا يقبل إلا الشرفاء والمخلصين، انها المنطقة الجنوبية الوحيدة التي لايكون واجب القتال فيها حكراً وحصراً على الشباب فقط، فهنا البراكين هبت من مضاجعها فترى الطفل والمرأة والطاعن والمسن يحمل السلاح ويتوجه صوب ميادين الشرف والكرامة ليخوض غمار المعركة بإنفه وشموخ وكبرياء، يتوحد الكل تحت مظلة هذا الشعار الجامع (النصر او الشهادة)، انها أرض الحواشب مهد الحضارة وعنفوان الأصالة وعبق التأريخ، هنا الأرض التي انجبت خيرة الأبطال وأشرقت بنور تضحياتها شموس الحرية على عموم الوطن، فمن غير بلاد الحواشب زفت بشارات الثبات وصمدت صمود الجبال وقدمت بسخاء في سبيل الجنوب حتى أكتمل عقد النصر وتليت آياته واصدر بيانه النهائي والأخير.
 
مريض الوحوش الكاسرة
 
هنا معقل الأشداء، وموطن المغاوير، ومهبط وحي الجهاد، ومربض صناديد الجنوب، هنا أرض الفداء التي دفعت فاتورة النصر والتحرر للجنوب ليس فقط في 2015م وانما في جميع المسارات الثورية والمراحل الوطنية، فسابقاً كان الثائر والمناضل الأستاذ محمد احمد نجيب والشهيد عباس رضوان والشهيد الربيح وقائمة الثائرين والمناضلين تطول وصولاً الى حقبة الثورة التي حررت المسيمير من براثن الحوثي واعوانه من مليشيا اليمن الغازية والتي لمعت فيها اسماء الحواشب الإستشهادية بركب قافلة يتقدمها الشهيد "محسن سالم منجستو والشهيد حمزة احمد حسين والشهيد رياض جودات الفجاري والشهيد ايهاب محمد العصيمي والشهيد قائد مثنى المغرمي والشهيد سامح علي ناصر والشهيد فضل ناصر راوح والشهيد خالد هارش والشهيد عبد درويش" وغيرهم من كوكبة الفداء والرموز والكوادر الثورية التي أنارت دروب الحرية وسطعت نجمها في سماء التضحية لأجل الجنوب، هذه هي مسيمير الحواشب عرين الأسد الهائج القائد والمناضل الجسور والصهور البطل الشجاع والقائد الملهم أبو الخطاب "محمد علي الحوشبي" قائد قطاع الحزام الأمني يحفظه الله ويرعاه، وموطن الوحش الكاسر الثائر الشجاع والمناضل الشهيد البطل العميد يسري الحوشبي القائد السابق للواء العاشر صاعقة، انها المسيمير منارة الأحرار وقبلة التضحيات.
 
2015م في ذاكرة الحواشب
 
الحادي عشر من شهر يونيو العظيم 2015 للميلاد، لم يكن يوماً عادياً كسائر الأيام، بل يظل يوماً خالداً يتجدد في ذاكرة كل حوشبي غيور، فهو اليوم الذي بلغت فيه طلائع المقاومة الجنوبية الأولى حدود الفواصل النارية واسقطت مركز السيطرة التابع للمليشيات الحوثية ودحرتها من كل أرجاء مديرية المسيمير الى النواحي القريبة لمنطقة الشريجة اليمنية لتتساقط هناك عناصر هذه العصابة الإجرامية الغازية كأوراق الخريف أمام جاذبية و ونيران بندقية المحارب الحوشبي الجسور وتتهاوى مواقع وتحصينات ذلك العدو وأحداً تلو الآخر في أم المعارك التي لم تشهد لها أرض الجنوب من قبل مثيل.
 
صناعة المجد
 
تهل اليوم هذه الذكرى بنفحاتها العظيمة، لتكون مناسبة عيدية نستذكر من خلالها الأرث العظيم لرعيل من الرجال الأماجد والغيارى الثائرين الأحرار الذين تجشموا المشقة والعناء وقهروا المحال ليصنعوا تأريخاً عظيماً ومشرفاً للأمة الجنوبية لن يمحى على مر العصور نتذكر من هؤلاء المقاومين التاليين "نقيب طيار محمد احمد الحكيم والملازم صبري الجبلي والشيخ مختار الرويسي والجريح مازن الرويسي والمقاوم شريف شكري والمقاوم حمزة الطميري والمقاوم رشدي العزي والمقاوم الشهيد لاحقاً عبدالله العرابي والمقاوم البطل علي عبدالمجيد السقلدي والمقاوم علي القريضي والمقاوم عبدالصمد باشا الحوشبي والمقاوم ماجد صالح محمود والمقاوم أمين فيرزان والمقاوم نجم الدين والمقاوم عمار عبدالسلام والمقاوم محمد عبده البهلول والمقاوم عبده الجمركي والمقاوم محمود الرويسي والمقاوم البطل ماجد حنش الطميري والمقاوم محمد حسين ناجي والمقاوم وليد العاقل والمقاوم الجريح أنور العاقل والمقاوم علي ريمه والمقاوم ريمي مرشد الطميري والمقاوم محمد صالح الرفاعي والمقاوم صالح فضل العييري" وغيرهم الكثير ممن لاتسعفني الذاكرة لتعداد أسمائهم لذلك التمس منهم العذر والسماح عن ذلك، فحرياً بنا ان نترحم على من أستشهد ونزور من جرح وأصيب ونحني هاماتنا لتلك المآثر البطولية التي سطرها هؤلاء الرجال الأبطال ونحيي بمعاني العزة والإفتخار مواقفهم الشجاعة وصولاتهم النضالية وتضحياتهم الفدائية التي اوصلت الجنوب الى مصاف المتحررين ورفعت رآية انتصاره بشموخ في كل القمم العالية، كما ان هذه الذكرى تحتم علينا ان نوجه السلام الحار والتحية المفعمة بالود والتقدير والإحترام لكل من لايزال حياً من هذا الجيل الفتي، ونضع قبلاتنا الحارة على رؤوس أمهات المجد اللواتي أنجبن خيرة الرجال، انها الذكرى الوحيدة التي عانقت فيها دموع الفرح آهات الحزن لينتج عن ذلك نخب الحرية الذي نرتشف من معينه الزلال الذي لا ينضب في جميع أوقاتنا الحاضرة.