طي صفحة الخلافات الحادّة..

تقرير: "إيران والسعودية".. هل ينضمان إلى قطار المصالحات الشاملة؟

جولة رابعة من الحوار بين البلدين في بداية عهد الرئيس الإيراني الجديد.

الرياض

موجة المصالحات الشاملة التي شاعت مؤخرا في منطقة الشرق الأوسط ومحت في فترة وجيزة نسبيّا خلافات ظلت مستحكمة لسنوات بين أفرقاء إقليميين كانوا يبدون متناقضين في الرؤى والسياسات والمصالح، تشرّع للبعض توقّع حدوث تغيير ما في طبيعة العلاقات بين إيران والسعودية خصوصا وأن الظرف الدولي وما يميّزه من انكفاء أميركي يبدو ملائما لحدوث مثل ذلك التغيير.

أثار حديث سفير إيران في العراق إيرج مسجدي عن جولة محادثات رابعة بين بلاده والمملكة العربية السعودية الأسئلة عن مدى جدّية الغريمتين الكبريين في طي صفحة الخلافات الحادّة بينهما والانضمام إلى قطار المصالحات الشاملة الذي بلغ محطّات متقدّمة في تطبيع العلاقات بين أفرقاء إقليميين كانوا إلى وقت قريب على درجة كبيرة من التباعد في الرؤى والسياسات.

وقال مسجدي في كلمة بملتقى الرافدين في بغداد ونقلها تلفزيون العراقية الحكومي، إنّ إيران عازمة على إجراء جولة مفاوضات رابعة مع السعودية في العراق.

ورغم أنّ كلام الدبلوماسي الإيراني لم يخرج عمّا هو معهود من ترويج لسياسة اليد الممدودة نحو الجيران وعلى رأسهم السعودية، إلاّ أنّه جاء هذه المرّة في غمرة مجموعة من الأحداث والتطوّرات التي يرى البعض أنّها تهيئ المجال لقدر من التقارب السعودي – الإيراني الذي سيتيح على الأقل تحقيق تهدئة سياسية وإعلامية بين الطرفين، إذا لم يبلغ مرتبة المصالحة الشاملة على غرار ما حدث بين قطر والدول التي قاطعتها منذ سنة 2017، وأيضا بين تركيا من جهة، وكل من السعودية ومصر والإمارات من جهة مقابلة.

وقادت تلك المصالحات إرادةٌ ذاتية لدى دول الإقليم في تجاوز الخلافات وخفض التوتّرات وتغليب المصالح المشتركة، لكنّ الانكفاء الأميركي الذي تُوّج مؤخّرا بانسحاب صادم من أفغانستان وصفه البعض بالهروب الكبير كان له تأثيره في توفير أرضية جديدة لعلاقات مختلفة داخل الإقليم وخارجه.

ويرفض متابعون لشؤون المنطقة المقارنة بين الخلافات التي كانت قائمة بين كل من قطر وتركيا وعدد آخر من بلدان الإقليم من ضمنها السعودية، والخلافات الحادّة بين طهران والرياض وما لها من تبعات سياسية وأمنية متجسّدة على أرض الواقع.

ومن هذا المنطلق يعتبر هؤلاء أن مضي السعودية بعيدا في التصالح مع إيران يظل رهن حدوث تغيير ملموس في سياسات الأخيرة ومن ذلك كفّ أيدي وكلائها المحلّيين من ميليشيات مسلّحة ناشطة في العراق وسوريا ولبنان واليمن عن زعزعة استقرار المنطقة وتهديد أمن السعودية بشكل مباشر كما هي حال ميليشيا الحوثي التي تستخدم أسلحة إيرانية في استهداف أراضي المملكة.

واعتاد الحوثيون إطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة مفخخة إيرانية الصنع على مناطق سعودية مقابل إعلانات متكررة من التحالف العسكري الذي تقوده المملكة عن إحباط هذه الهجمات رغم الدعوات العربية والدولية للالتزام بوقف إطلاق النار.

وفي ظل هذا التوتّر المستدام الذي تعتبر إيران طرفا مباشرا فيه، ينظر مراقبون إلى المحادثات التي تجريها الرياض مع طهران برعاية عراقية كمجرّد عمل تكتيكي ظرفي هدفه المرحلي خفض التوتّر وتحقيق التهدئة جنبا إلى جنب مراقبة المتغيّرات والتفاعل معها ومن ضمنها وجود حكومة جديدة في إيران بقيادة الرئيس المنتمي لمعسكر المحافظين إبراهيم رئيسي، ومنها أيضا تطوّرات السياسة الأميركية والحدّ الذي ستصل إليه عملية الانكفاء من منطقة الشرق الأوسط التي تمضي فيها إدارة الرئيس جو بايدن.

وقال مسجدي إنّ “إيران دولة كبيرة ومتحضرة ودائما تدعو للسلام وهي مستعدة لأي نوع من الحوار مع الدول ومنها السعودية”. وأضاف “من خلال تعاون الحكومة العراقية أجرينا ثلاث جولات مفاوضات مع السعودية في بغداد وستكون هناك جولة رابعة بعد تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة”، مؤكّدا أن إيران “أعلنت استعدادها للحوار والسلام وهي تمدّ يد العون والمساعدة لدول الجوار والمنطقة”.

وتابع سفير إيران لدى العراق “ليس هناك من داع للقلق تجاه إيران فأعداء المنطقة هم من يفرضون هذا التصور في حين أن موقفها شفاف وواضح وودي للغاية”، لافتا إلى أن لبلاده حدودا مشتركة مع دول عديدة وتجمعها بها علاقات جيدة.

وفي مايو الماضي أعلن الرئيس العراقي برهم صالح أن بلاده استضافت أكثر من جولة حوار بين السعودية وإيران خلال الفترة الماضية. وتأتي جولات الحوار تلك في محاولة لتحسين العلاقات بين الرياض وطهران التي تم قطعها عام 2016 إثر اعتداء محتجين إيرانيين على سفارة السعودية وقنصليتها في إيران بعد قيام السلطات السعودية بإعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر بتهمة الإرهاب.

وتتهم السعودية إيران بتنفيذ أجندة طائفية توسعية في المنطقة وبالتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية بينها العراق واليمن ولبنان وسوريا، بينما يساور السعوديين قلق عميق من البرنامج النووي الإيراني وكذلك برنامج التسلّح الصاروخي الباليستي خصوصا وأن بعض منتجاته ظهرت بالفعل بين أيدي ميليشيات مسلّحة تابعة لإيران.