محللون يتساءلون عن مدى استمرارية الوساطة..

تقرير: "الأزمة الأفغانية".. كيف عززت النفوذ القطري على الساحة الدولية؟

الوساطة القطرية بين الغرب وطالبان تثير ترحيب البعض واستهجان آخرين

كابول

بدأت قطر تجني ثمار صلاتها الوثيقة بحركة طالبان المتشددة التي استعادت السيطرة على أفغانستان بعد نحو عقدين من الإطاحة بحكمها من قبل تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة، معززة نفوذها دوليا وإقليميا بفعل الأمر الواقع الذي تشكل في الساحة الأفغانية.

ويأتي الدور المحوري الذي تلعبه قطر حاليا على الساحة الدولية بعد المصالحة الخليجية التي تمت خلال قمة العلا في المملكة السعودية في يناير/كانون الماضي وأنهت 3 سنوات من القطيعة الدبلوماسية والتجارية بين الدوحة من جهة وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى.

وبينما تشيد عدة أطراف دولية بالوساطة القطرية وبدور الدوحة المحوري في التهدئة السياسية والأمنية في أفغانستان ودفع الجهود الإنسانية وجهود الإجلاء، ينتقد البعض ذلك الدور باعتبار أنه منح حركة إسلامية متشددة شرعية لم تكن لتحصل عليها بقوة السلاح لوحده.

ويرى مايكل روبين من معهد 'اميركان انتربرايز' المحافظ أن الدوحة منحت طالبان شرعية دولية و"سمحت لها بالوصول إلى النظام المالي العالمي"، مضيفا "قطر مدمنة على جذب الاهتمام ودولة تبحث دائما عن دور ما".

وفي خضم التطورات في أفغانستان يتساءل محللون أيضا حول استمرارية الوساطة القطرية على المدى الطويل. ويقول الأستاذ المساعد في كلية كينغز في لندن ديفيد روبيرتس "أتساءل وأخشى إن كان محاورو طالبان في الدوحة سيتمكنون من الاحتفاظ بمكانة مهمة في جهاز الحركة" في كابول، مشيرا إلى أن هذا الأمر "سيحدّ" من الدور القطري.

وتابع "أعتقد أن خطوط الهاتف بين واشنطن والدوحة كانت حامية للغاية في الأيام الماضية"، مشيرا إلى أن الأميركيين "يعرفون أن قطر لديها سنوات من الاتصالات التي يمكن استخدامها الآن والاستفادة منها"، مؤكدا أن الإمارة الخليجية الغنية تلعب "دورا متخصصا مهما ومفيدا" لصالح الولايات المتحدة.

وتتوسط قطر بين طالبان والدول الغربية في أعقاب انسحاب القوات الأجنبية من هذا البلد بعد حرب استمرت عقدين. كما أنها تستضيف مكتبا للحركة منذ سنوات طويلة وقد سهلت المحادثات بين الجماعة الأفغانية المتشددة والولايات المتحدة.

وبدأ القطريون بالتحدث مع طالبان عام 2013 بطلب من الرئيس الأميركي حينها الديمقراطي باراك أوباما. واستضافت الدوحة بعدها محادثات بين إدارة دونالد ترامب والحركة الأفغانية التي توصلت عام 2020 إلى اتفاق على انسحاب القوات الأميركية، ثمّ مفاوضات مباشرة بين المتمردين السابقين والحكومة الأفغانية السابقة.

وتقود قطر إلى جانب تركيا المناقشات الصعبة لإعادة فتح مطار كابول المغلق منذ مغادرة الأميركيين.

ويتوافد وزراء خارجية الدول الغربية واحدا تلو الآخر على الدوحة، فيما قررت عدة دول نقل سفاراتها إلى العاصمة القطرية التي تبذل جهودا لإعادة فتح مطار كابول في ظل تقديم نفسها كوسيط محايد ومؤثر في الأزمة الأفغانية.

يقول الباحث كولين كلارك من معهد صوفان في نيويورك إن "القطريين اكتسبوا سمعة وسطاء نزيهين على استعداد لمساعدة الأطراف المتحاربة على إيجاد طريقة لإنهاء" النزاع.

وبحسب كلارك فإن القطريين "حصلوا على اعتراف متنامي بأن الدوحة هي المكان المناسب للتوصل إلى اتفاق. وقد أصبحت بمثابة جنيف الشرق الأوسط حيث يمكن للأطراف المتحاربة الاجتماع على أرض محايدة" للتوصل إلى اتفاق.

واستقبلت الإمارة الخليجية الثرية خلال 8 أيام وزراء خارجية ألمانيا وهولندا وبريطانيا وسيزورها أيضا وزير خارجية ايطاليا الأحد.

وأعرب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي يصل غدا الاثنين عن "امتنانه العميق" لقطر لدورها في إجلاء الأجانب من أفغانستان وكذلك الأفغان المعرضين لخطر الانتقام من جانب طالبان.

وأقام الجيش الأميركي جسرا جويا ضخما في كابول منتصف أغسطس/اب، ما سمح بإجلاء نحو 123 ألف شخص حتى تاريخ انسحابه الكامل من أفغانستان. وقال بلينكن إن 75 إلى 80 بالمئة من هؤلاء هم "أفغان كانوا معرضين للخطر".

وجدد وزير خارجية بريطانيا دومينيك راب الخميس التأكيد في الدوحة على أهمية إعادة تشغيل المطار الذي أجلت لندن عبره نحو 17 ألف شخص.

وقررت كل من الولايات المتحدة وهولندا وبريطانيا تعليق وجودها الدبلوماسي في أفغانستان ونقل عمليات سفاراتها من كابول إلى العاصمة القطرية الدوحة.

نقلت قطر مساعدات إنسانية جوا إلى كابول وقالت إنها ستسيّر رحلات يومية لنقل المساعدات إلى أفغانستان خلال الأيام القليلة القادمة لتوفير إمدادات تحتاج إليها بشدة في أعقاب توقف جانب كبير من المساعدات الغربية بسبب سيطرة حركة طالبان على البلاد الشهر الماضي.

وقد برز دور الدوحة كوسيط رئيسي بين الدول الغربية وطالبان بعد أن أقامت علاقات وثيقة مع الحركة من خلال استضافة مكتبها السياسي قبل نحو سبع سنوات.

وقالت وزارة الخارجية القطرية إن طائرة تحمل إمدادات طبية ومواد غذائية وصلت إلى كابول يوم أمس السبت وإن السفير القطري لدى أفغانستان سعيد بن مبارك الخيارين كان في استقبالها لدى وصولها.

وساعدت الدوحة في إعادة فتح المطار الذي أغلق عدة أيام بعد انتهاء الجسر الجوي الذي قادته الولايات المتحدة لإجلاء مواطنيها وبعض المواطنين الأفغان ورعايا دول أخرى الشهر الماضي.

وفي أواخر الشهر الماضي قالت المنظمة الدولية للهجرة إن نصف سكان أفغانستان، البالغ عددهم 40 مليون نسمة، بينهم عشرة ملايين طفل يحتاجون مساعدات إنسانية منذ بداية العام وتوقعت ازدياد هذه الاحتياجات.

وقام السفير القطري في أفغانستان شخصيا بمرافقة مواطنين أميركيين وفتيات أفغانيات كانوا في مدرسة داخلية إلى المطار، في بادرة قوية.