محافظ نفطية ليست مستكشفة بعد..
تقرير: "أبين" مسقط رأس هادي.. بين مطرقة الإرهاب وسندان الإهمال
تقع محافظة أبين على الشريط الساحلي للبحر العربي الذي يمتد إلى أكثر من (300) كيلومتراً، وتتصل من الشرق بمحافظة شبوة، ومن الغرب بمحافظتي عدن ولحج، ومن الشمال بمحافظة البيضاء، ومن الجنوب البحر العربي الذي تطل عليه شواطئها.
وتبلغ عدد مديريات محافظة أبين (11) مديرية، ومدينة زنجبار هي مركز المحافظة. وتعد الزراعة والاصطياد السمكي النشاط الرئيس لسكان المحافظة.
وتربط محافظة أبين بين كل محافظات الجنوب، وتعد العمود الفقري لبقية المحافظات الجنوبية.
وتعد أبين محافظة نفطية بامتياز، وفقاً للخريطة البريطانية التي وجدت بعد خروج الاستعمار البريطاني من الجنوب، إلا أنه نتيجة للإهمال المتعمد من قبل الدولة لم يتم التنقيب عن النفط فيها حتى اليوم.
تهميش متعمد
وتعاني محافظة أبين- مسقط الرئيس المؤقت عبدربه منصور هادي- من تهميش متعمد وتدمير شبه كامل لبنيتها التحتية من قبل الدولة، فغالبية منازل مواطنيها دمرت بسبب الحروب المتولية فيها ابتداء بحروب القاعدة في 2011 مروراً بحرب الحوثي 2015 وليس انتهاء بالحروب والمواجهات المسلحة بين المليشيات الإخوانية التي تحتل عدة مناطق في المحافظة وبين الجيش الجنوبي التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة اللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس - القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية، الذي يسعى لتطهير محافظة أبين وجميع محافظات الجنوب من رجس مليشيا الإخوان الإرهابية المختبئة تحت عباءة الحكومة الشرعية والتي تمارس الإرهاب والتنكيل بكل أشكاله ضد أبناء الجنوب في محافظة أبين في المناطق التي تسيطر عليها، حيث تمارس ضدهم القتل والاغتيالات ومداهمة البيوت وترويع الأسر والأطفال، وتلفيق التهم الكيدية والاعتقالات التعسفية، وكل صنوف العبث الإنساني الذي يندى له الجبن..
ونتيجة لذلك العبث الذي تمارسه مليشيا الإخوان الإرهابية اضطر بعض أهالي أبين للنزوح إلى المحافظات المجاورة كحضرموت وعدن ولحج، ولجأت بعض الأسر إلى السكن في بعض المدارس في تلك المحافظات.
مأوى الإرهاب
يمثل إغراق الجنوب بالعناصر الإرهابية أحد صنوف المؤامرة المشبوهة التي تنفّذها الشرعية الإخوانية، في محاولة لضرب أمن واستقرار الجنوب بشكل كامل.
وتمتلك الشرعية الخاضعة لسيطرة حزب الإصلاح الإخواني علاقات مترابطة مع تنظيمات إرهابية، في مقدمتها تنظيم القاعدة، وقد عملت على استقدامها للانتشار في الجنوب.
ونالت محافظة أبين قسطا كبيرا من هذه المؤامرة المشبوهة، وقد انتشرت فيها الكثير من العناصر الإرهابية على مدار الفترات الماضية، إثر تحشيدات متواصلة تنفذها الشرعية الإخوانية.
ومن خلال هذه المؤامرة تسعى الشرعية الإخوانية للعمل على إحراق الجنوب بنيران الفوضى، وتغييب أي محاولات لاستقرار أمني، يتبعه حالة من الاستقرار السياسي بشكل كبير على الأرض، ليظل التحدي الذي ينشغل فيه الجنوبيون هو مواجهة التردي الأمني.
كما أن الشرعية تستخدم هذه العناصر الإرهابية الموجودة في أبين لتنفيذ عمليات واعتداءات إجرامية ضد أبناء الجنوب، إلى جانب إقحام القوات المسلحة الجنوبية في معركة مستعرة وطويلة الأمد مع هذه العناصر الإرهابية.
وقد انضمت محافظة أبين إلى القائمة التي تدفع ثمن الإرهاب الإخواني، وذلك من خلال ظهور التنظيمات الإرهابية في المديريات الواقعة تحت سيطرة الشرعية الإخوانية، بعدما عملت المليشيات الإخوانية على تحشيد عناصر إرهابية تابعة لها باتجاه المحافظات الجنوبية للتمركز فيها وتنفيذ مخططات وأجندات إرهابية.
ويرى محللون سياسيون أن مليشيا الإخوان الإرهابية تهدف من إيقاظ نشاط تنظيم القاعدة في أبين لإعادة سيناريو سنوات مضت تمكنت فيها القوات المسلحة الجنوبية من دحر الإرهاب.
وتصل تباعاً دفعات جديدة من عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي إلى منطقة قرن الكلاسي ومنطقة شقرة في محافظة أبين، حيث تتحرك التعزيزات الإرهابية تحت غطاء مليشيا الشرعية الإخوانية وزيها العسكري، وانطلاقًا من معسكراتها.
انفلات أمني وعجز خدمي
وتعاني المناطق التي تقبع تحت سيطرة مليشيا الإخوان بمحافظة أبين من انفلات أمني مريع وتردٍّ غير مسبوق في الخدمات.
وعلى الرغم أن أربع مديريات فقط في أبين تخضع لمليشيا الإخوان (لودر ومودية والوضيع والمحفد) إلا أنها تعيش وضعا خدميا كارثيا وحالة من الفوضى والانفلات الأمني غير المسبوق، حيث تزايدت فيها معدلات الجرائم والانتهاكات وتتكرر فيها عمليات الاغتيال الإرهابية بشكل شبه يومي. فلا يكاد يمر يوم دون حدوث جرائم واغتيالات، وخصوصا تجاه المعارضين لمليشيات الإخوان ولا سيما من قوات الحزام الأمني والقيادات الجنوبية.
ناشط جنوبي من أبناء أبين- فضل عدم ذكر اسمه- تحدث في إفادة لـ "اليوم الثامن" عن فشل شرعية الإخوان الذريع وعجزها التام في الأربع المديريات التي تقبع تحت سيطرتها في محافظة أبين، حيث قال: "إن مديريات لودر ومودية والوضيع والمحفد تعاني من انعدام شبه تام للخدمات العامة من كهرباء وماء وصحة وتعليم وأمن، ناهيك عن الاغتيالات التي تنفذها عناصر القاعدة الإرهابية التابعة لمليشيات الإخوان بحق أبناء تلك المديريات، بالإضافة إلى الاعتقالات والإخفاء القسري لعدد من الناشطين في تلك المناطق".
وتابع الناشط الجنوبي قائلا: "تعاني مناطق أبين الواقعة تحت سيطرت شرعية الإخوان من فوضى معيشية قاتمة، بعدما أشهرت السلطة الإخوانية المحتلة شعار تردي الخدمات بشكل واسع النطاق في تلك المديريات".
مردفا بالقول: "فمعاناة الأهالي واضحة للعيان، والتي تقابل بتجاهل متعمد من قبل السلطة الإخوانية المحتلة التي يمكن القول إنها تفسح المجال أمام تفاقم الأزمات الحياتية هناك، الأمر الذي جعل أهالي تلك المناطق يعيشون تحت وطأة المعاناة والبؤس والشقاء".
واستطرد الناشط الجنوبي في تصريحه لـ "اليوم الثامن" بأن سلطة الإخوان لم يقدم لأبين شيئاً يذكر منذ سيطرتها على المناطق الوسطى والمحفد بالإضافة إلى شقرة، حيث تعاني تلك المناطق من غياب الدولة وانعدام الخدمات وانتشار الجماعات المتطرفة التي عادت بتسهيلات من القوات الإخوانية عقب دحرها وتطهيرها من الإرهاب من قبل القوات الجنوبية وبإسناد من دولة الإمارات العربية المتحدة، في أكبر ضربة تعرض لها التنظيم منذ سنوات عدة".
وأضاف: "إلا أن المواجهات الأخيرة التي شهدتها أبين بين القوات الجنوبية ومليشيا الإخوان أدت إلى عودة التنظيم الإرهابي من جديد، والذي ينفذ بين فترة وأخرى عملياته الإجرامية ضد قوات الحزام الأمني والدعم والإسناد في مناطق مختلفة في أبين، وتحديدا فيما يعرف بالمنطقة الوسطى انتقاما من الجنوب ومجلسه الانتقالي الذي وقفت قواته سدا منيعا قبل أشهر لمنع قوات الشرعية اليمنية من العودة إلى العاصمة الجنوبية عدن".
مطالبات لمواجهة الإرهاب
وتتعالى أصوات أبناء أبين باستمرار بضرورة مواجهة الجماعات الإرهابية في المناطق التي تنشط فيها قبل أن تتسع وتستفحل وينتقل نشاطها لمناطق الكثافة السكانية في المحافظة والمحافظات المجاورة.
ويلفت ناشطون أن "على التحالف أن يدرك تماما أن الجماعات الإرهابية التي عاودت نشاطها في أبين تحظى بحماية أمنية ولوجستية من قبل قوات الشرعية المخترقة من قبل قوات الإصلاح.. مشيرين إلى أن هذا يتطلب حشد الجهود لمواجهتها، خاصة بعد أن تزايدت جرائمها ضد أبناء الجنوب في أبين وعدن بتنفيذ عمليات الاغتيالات والتفجيرات التي ينطلق منفذوها من مناطق أبين على الأغلب"، حد تعبيرهم.
تجدر الإشارة إلى القوات الجنوبية بمساندة دولة الإمارات العربية المتحدة قد طهرت محافظات الجنوب من الإرهاب منذ بداية "عاصفة الحزم"، لكن الإرهاب عاد إلى الجنوب مجدداً مع عودة مليشيا الإخوان إليها في أغسطس 2019 حيث انتشرت تلك الجماعات بكثافة في شبوة وأبين والبيضاء وحضرموت والمهرة، بحسب تقارير صحفية.
وانتشرت العصابات الإرهابية التي تضم القاعدة وداعش في مناطق سيطرة شرعية الإخوان منذ أواخر العام 2019، وتنشط بشكل متزايد جنبا إلى جنب مع قوات الجيش الموالي للإخوان الذي يوفر لهم الدعم المادي واللوجستي ويتخذ الإرهابيون من معسكراته مأوى لهم.
تراكمات متعددة
أن ما تعانيه محافظة أبين حالياً من إهمال في مختلف جوانب الحياة ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة حتمية للإهمال والتراكمات المتعمدة منذ العقود الماضية.. موضحين أن الدولة لم تكتفِ بتهميشها فقط بل أصرت أن تجعلها ساحة حرب وتصفية حسابات بين الأطراف المتنازعة خلال المراحل السابقة، وصولاً إلى المواجهات الأخيرة بين قوات الشرعية الإخوانية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي.
وأضافوا أنه "لم تتوقف معاناة أبين وأهلها عند هذا الحد، ففي عام 2011 وخلال سيطرة تنظيم القاعدة على مناطق مهمة في أبين اضطر أكثر من نصف سكانها إلى النزوح القسري والذي يحدث ولأول مرة.. المؤلم بهذا النزوح الإجباري هو أن السبب الرئيسي تواطؤ الكثير من شباب أبين مع التنظيم ومشاركته في تهجير أهاليهم الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة بهذا السيناريو وهذه الأجندة".
ولفتوا إلى أنه لم يشفع لأبين بأنها مسقط رأس ثلاثة رؤساء (سالمين، علي ناصر محمد، عبدربه منصور هادي) والكثير من الوزراء وممن تقلدوا مناصب قيادية كبيرة، ولم يشفع لأبين بأنها مصنع الرجال الأبطال الذين تشهد لهم جبهات القتال في كل مرحلة من مراحل النضال منذ الاستعمار البريطاني وإلى يومنا هذا.. ولم يشفع لها موقعها الجغرافي المهم وتنوع مناخها وتضاريسها وخصوبة أراضيها الزراعية، ولم يشفع لأبين احتضانها للكثير من الثروات والمعادن النفيسة وبأنها أرض بكر لم تجد من ينتفع بخيراتها الوفيرة والعديدة لا مستثمر ولا أهل أبين أنفسهم".
جوهرة بيد فحّام
وتحدث ناشطون سياسيون لـ "اليوم الثامن" عن وضع أبين وما تتعرض له من إهمال، مؤكدا أن أبين "جوهرة ثمينة ولكنها بيد فحّام.. فكل من تولى شؤونها لم يقدرها التقدير الأمثل.. أبين ضحية لجحود ونكران البعض من أبنائها الذين أكلوا وشربوا من خيراتها وبعد أن تسلقوا ووصلوا للمناصب العليا على أكتاف الفقراء ومعاناتهم تركوها تعاني الأمرّين: مرارة الإهمال ومرارة الجحود.. تركوها وكأنهم لا يعرفونها ولا يوجد رابط يجمعهم به.
"أبين لا تحتاج إلى عصا سحرية لانتشالها من حالة السبات والركود بل هي بحاجة إلى نوايا صادقة.. بحاجة إلى محافظ شجاع وطموح يمتلك الإرادة الصلبة التي لا تلين حتى يزيل عنها تجاعيد الزمن.. أبين بحاجة إلى محافظ لا يعرف معنى المستحيل، بحاجة إلى تولي مدراء عموم أكفاء وشرفاء وبحاجة إلى أيادٍ أمينة لتوريد كافة الإيرادات والضرائب التي تخص المحافظة وبمنتهى الحرص والأمانة وتسخيرها فيما يعود بالفائدة والنفع للمواطن المطحون". كما يقولون.
واختتموا بالقول: "لا توجد في أبين مشاريع ولا طرق ولا صحة ولا تعليم مزدهر ولا كهرباء شغالة ولا شوارع نظيفة.. أصبح كل ما في أبين يعاني وسبب هذه المعاناة ووزرها الأكبر يتحمله أبناؤها.. أبين في أشد الحاجة إلى قيادة وسلطة ومسؤولين يمتلكون ضمائر حية، فما تمتلكه أبين من مقومات كفيلة بأن تجعلنا نستغني عن الفتات التي تجلبها المنظمات".
أبين لم تعد سلة غذاء
لم تمتلك محافظة جنوبية مقومات زراعية تجعل منها "سلة غذائية" مثلما هو الوضع في محافظة أبين. فالطبيعة السهلية للمحافظة وتنوع مناخها السنوي انعكس على تعدد محاصيلها الزراعية، وهو ما أهلها لأن تكون مصدر خير ينهل منه أهلها وسكان المحافظات القريبة منها.
واشتهرت أبين باحتضانها للأودية ومجاري السيول، التي تنحدر من مختلف مناطق البلاد، وتمر بأبين لتصب في مياه خليج عدن وبحر العرب.
غير أن التغير المناخي، وما رافقه من سيول مدمرة، وإهمال السلطات لشبكات الري التي لا مثيل لها في كل البلاد، والصراعات العسكرية، أثرت جميعها سلبا على أبين ولم تعد سلة الغذاء، كما كان يطلق عليها سابقا.
يتحدث الخبير الزراعي المهندس علي صالح منصور بلعيدي عن المقومات التي منحت أبين شرف أن تصبح "سلة غذاء" للمحافظات الجنوبية، حيث أكد "بلعيدي" أن هذه المقومات جعلت بريطانيا تعتمد على الزراعة في أبين بعد انتقالها من مستعمراتها في الهند.
ويشير الخبير الزراعي إلى أن أربعينيات القرن الماضي شهدت تأسيس شبكة ري زراعية متميزة في أبين، هي الأولى من نوعها في البلاد.
وأردف: وشيدت السلطات نهاية عام 1955 مركز "أبحاث الكود"، وساهمت شبكة الري المعتمدة على مياه السيول عبر قنوات منظمة في زيادة الإنتاج الزراعي، وفي المقدمة إنتاج القطن طويل التيلة.
وأكد الخبير بلعيدي على امتلاك أبين الموقع المتميز، وهو ما منحها التنوع المناخي والجغرافي وفر لها التنوع الزراعي على مدار السنة.
واستطرد: "في عام 1968 قامت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" بأبحاث علمية على عدد من المحاصيل الزراعية في مشروع زراعي كان من أنجح المشروعات على مستوى المنطقة العربية".
وتابع: "هذا النجاح دفع المنظمة الأممية إلى التفكير في نقل مركزها من القاهرة بجمهورية مصر العربية إلى أبين، غير أن الأوضاع الأمنية والسياسية منتصف ثمانينيات القرن الماضي حالت دون ذلك".
وأوضح "بلعيدي" أن أبين لم تعد أبين سلة غذاء كما كانت في السابق، نظرا للعديد من الأسباب والعوامل، على رأسها مشروع "المسح الزراعي" والمنفذ عام 1976، والذي وصفه "بلعيدي" بأنه كان "ذو توجه سياسي"، لتدمير الزراعة في أبين.
ولافت إلى أن "المشروع دمر فعليا قنوات الري الزراعي في دلتا أبين، وزاد التغير المناخي في تأثيراته على قطاع الزراعة، حيث دمرت السيول المفاجئة، والتي أتت خلال السنوات الأخيرة في غير مواسمها، الأراضي الزراعية، بعد أن فقدت شبكات الري وظيفتها الحيوية".
وأكد "بلعيدي" أن مركز أبحاث الكود كان يمتلك إمكانية تنفيذ أي مشروع زراعي بما يتناسب وواقع حال الزراعة؛ كونه يضم كفاءات محلية كبيرة، في مجال الأبحاث الزراعية... مشيرا إلى أن المركز تعرض للإهمال، خاصة في ظل الصراعات المسلحة التي شهدتها المنطقة، وخسر الكثير من إمكانياته، وهجرته الكفاءات العلمية ليفقد دوره في التنمية الزراعية.