حين يصطرع الغـفـوري
يندفع د.مروان الغفوري بمقالته المعنونة "كلمات عن الزبيدي" اندفاعة وصرع ثور اسباني هائج أمام قماشة حمراء تتراءى له مِـنْ بُـعد لمجرد أن أثاره واغاظه- أقصد الغفوري وليس الثور الاسباني- مشهدُ جماهير جنوبي حاشد أقيم مؤخراً في عدن –شارع الشهيد مدرم – تلته اجراءات للمجلس الانتقالي الجنوبي, بقوله: (( أن الجنرال الزبيدي بمسيس الحاجة لقضية تبقيه بالواجهة و أن الشيء ذاته يسري على الجفري والبيض وأنهما لن يعودا لا هما ولا ابناؤهما الى الجنوب إذا ما صار دولة)).
فإن كانت نظرة الغفوري وهو من أبرز المثقفين بالشمال بهذه الطريقة المخاتلة والسطحية الساخرة, فلا غرو إذاً أن نسمع اساءات وازد راءات الجهلة ومحدودي الفهم والعلم حيال الشأن الجنوبي وما أكثر هذه الأيام... يمضي ويقول: ((أن الزبيدي لا يستطيع أن تصور نفسه موظفا بسيطا كمستشار في سفارة مثلاً, وأسس الزبيدي مجلساً للاستقلال بعد أن تخلى الرئيس الاتحادي عن خدماته،
)).
يا حضرة الطبيب إن كان للزبيدي هوس كبعضهم على البقاء تحت سطوع الاضواء أو الحرص على تقلّـد منصب أو الظفر بمكسب لما تأخر ربع قرن عن ذلك, ولكان سعى إليها سعيا في حينه أيام كان نظام علي عبدالله صالح وعبر ذراعه الطولى الجنرال علي محسن منذ غداة انتهاء الحرب على الجنوب عام 94م يستقطب قوم " سقط المتاع" من المتهالكين على موائدهما لينثرا لهم الدراهم والمكارم. بل ولكان قِـبلَ على نفسه" الزبيدي" أن يكون إمّــعة وراء رئيسه الاتحادي, كما قبل ذلك الكثيرون .
وللتذكير أيضاً.. في الوقت الذي كان فيه الزبيدي (ورفاقه من عموم الجنوب) منذ عام 94م يقاوم الطغيان بأصعب الظروف وأمــرّها, وفي وقت كان فيه الجميع بمن فيهم جنرال الغفوري المفضّل \ علي محسن الأحمر وشيخه الموقر\ حميد الأحمر وكل مناضلو موديل 2011م يجثون على الركب قرب قدمي صالح, ويقعدون أمامه القرفصاء طيلة السنين الخوالي, وقد عرضت عليه أي الزبيدي كثير من الإغراءات وعافها بكبرياء لأنه يدرك جيدا معنى وتبعات عطية الجلّاد على مستقبل قضية وطن نذر نفسه للانتصار له.
وفي حين كان فيه الزبيدي ومئات بل وآلاف من المناضلين الجنوبيين يُطَارَدون بالجبال والسهول والمدن والبلدات من قبل قوات نظام صالح والأحمرين الشيخ والجنرال كان فيه مناضلو 2011م يتقاسمون معهم المناصب ويحرصون على ان تظل الأضواء مسلطة بوجوههم ليل نهار.
يغوص الغفوري ببحر التزييف والاساءات عميقا ويقول : ((. ..ويصعب تصور جنوب يصبح فيه الزبيدي موظفاً اعتيادياً، مستشاراً في سفارة على سبيل المثال باستثناءات قليلة كان الاستبداد المرحلة التي تلت الاستقلال بطل الجمهورية في الشمال، السلال، اشترط على الثوار أن يكون رئيساً للجمهورية نظير تخليه عن الإمام، كما يؤرخ أوبالانس لو أن أحد المثقفين الثوار حدثه، آنذاك، عن الديموقراطية لدهس الثوار بدبابات ولي أمره الإمام.)) أنتهى كلام الغفوري.
وهذه العبارة في الوقت الذي تثبت فيه أن الذي تخلى عن الآخر هي سلطة الشرعية التي يواليها الغفوري الطاعة وليس الزبيدي ولا الطرف الجنوبي عموما, كما روجت لذلك بعض الأصوات المضللة وربما الغفوري واحدا منها,. نقول أنه في الوقت الذي يؤكد الغفوري هذه الحقيقة وإن لم يقصد فهو قد حرص أن يستخدم لغة سوقية مقرفة,حين صوّرَ الزبيدي بأنه طُــردَ من موقعه على طريقة طرد الموظفين العاملين بالاُجرة اليومية. فالغفوري يعرف جيداً من الذي سعى للأخر ومن الذي تخلى عن الأخر, فسلطة الغفوري هي التي توسلت اليد السياسية الجنوبية بعد انتهاء الحرب بعدن لتنهض بمؤخرتها المتهدلة, مثلما توسلت اليد العسكرية الجنوبية قبل وأبـّان الحرب لتنتشلها من مستنقع هزيمتها المحتومة, ولم يكن الجنوبيون وحتى اليوم حريصون على مناصب أكثر من حرصهم على بقائهم بمواقع تمكنهم من الحفاظ على المؤسسات والمرافق واستتباب الوضع الأمني من عبث العابثين وفوضوية الفوضويين.ثم ما الضير أن يكون الجنوبي في أرضه حاكما وسيدا حتى وأن سعى الى كرسي حكمها سعيا؟.
ولمن تلِـفتْ ذاكرتهم سننعشها بالقول: هل تتذكرون كيف كانت الحالة الأمنية بعدن وكل الجنوب قبل عام ونيف تقريبا من رعب وخوف وارهاب؟, وكيف أضحت اليوم بوضع لا نقول انه مثاليا ولكنه أفضل مما كان سابقا حين كانت اصوات من خلف الحدود تتنبأ بالعمليات الارهابية قبل وقوعها ثم تتمايل طرباً ونشوة بعد وقوعها, ظنا منها أن مثل هذه العمليات كافية لإسقاط الحراك الجنوبي الفاشي كما يروق للغفوري نعته؟.
فإن كان ثمة خطيئة أو خطأ أرتكبه الزبيدي ورفاقه فقد كان يوم أنقذ ماء وجه سلطة ينتمي لها الغفوري وجنرالاته( وما أكثرهم وتبابهم المتناثرة) حين استطاع الزبيدي ورفاقه تحقيق نصراً عسكريا على قوات صالح والحوثيين, في الوقت الذي كان قد أطلق فيه مناضلو موديل 2011م لسيقانهم الريح, مرتين في يومين شهيرين من أيام العرب بالعصر الحديث. أولها كان من صنعاء صوب وموطن الزبيدي ورفاقه بعدن,حين قال كبيرهم مقولته الشهيرة: " لن ننجر". والثانية من موطن الزبيدي بعدن صوب الدوحة والرياض واسطنبول.
لا يغيب عن بال لبيب تعمد الغفوري إقحام اسم المناضل السلال بهذا المقام وبهذا المقال, فهو الطبيب الذي تتملكه بين الحين والآخر فوبيا الطائفية ويستبد به رهاب الهضبة ,(الهضبة)كما يروق لكثيرون من مثقفي الفنادق أن يستخدمونها بوجه من سلبهم ملكهم الضائع, فإن كان قائد الثورة الجمهورية" عبدالله السلال" مجرد انتهازي أحمق كما قال السيد الغفوري فعن أي جمهورية يتحدثون عن استعادتها من يد قوم الهضبة التي هي مسقط رأس السلال نفسه؟.
فالغفوري الذي يعيب على الجنوبيين رغبتهم بالتحرر من هيمنة القوى الشمالية لن يتردد في إعلان الانفصال عن الهضبة إن اُتيحت له الفرصة, وهذه الرغبة لم تعد تقال خلسة وهمسا كما كان, بل تقال جهرة وعلناً على لسان كثير من أمثال الغفوري الوحدوي جداً جداً.... ولمن يود يتأكد من صحة ما نقوله فلن يجد في ذلك مشقة, فمجرد جولة عابرة على مواقع التواصل الاجتماعية كافية له ليقطع فيها الشك باليقين. ..وبالتالي فمَن يتطلع الى أن يشظّى الشمال الى هضاب وسهول ووهاد, ويسعى لتجزئة المجزئ على اعتبارات طائفية وجغرافية لمجرد أن فقد كرسي الحكم ليس مؤهلاً أبداً ليتحدث عن وحدة أو تعايش سلمي,ولا هو بموقع يمنحه حق انتقاد الآخرين وبالأخص مَـن فقدوا دولتهم ووطنهم وليس كرسي حكمهم.
فأي عقل هذا الذي يصدق أن الحوثيين قوة احتلال بصعدة مرّان, وصالح قوة استعمارية بصنعاء وسنحان كما تقول أصوات شمالية منها الغفوري ولا يصدق بأن الشمالي أحتل الجنوب؟. وأي عقل تالف يمكنه أن يستوعب ترهة ان الشمال يجب ان يتحرر من الشماليين ولا يحق للجنوبيين أن يتحرروا من الشمال؟, مع أن قطاع كبير بالنخب الجنوبية تحرص تأدباَ ان تحصر كلمة احتلال شمالي بالقوى الشمالية العسكرية والدينية والقبلية فقط وليس بعوام الشمال من البسطاء؟.
يذهب الغفوري بتخريفاته بعيدا ويقول: ((مما يؤسف له أن الشعبويين الجنوبيين بعد أن فرزوا شعبهم إلى طوائف وجماعات وطبقات وإثنيات قاموا بفرز أنفسهم بعد ذلك. لا أدري كم سيحتاجون من السنين لفرز باقي العالم, الفاشي لا يمكنه أن يكون جزءاً أصيلاً من هذا الكوكب)) أنتهى كلام الغفوري.
لا ننكر ان ثمة موجة فقدان الوزن السياسي تعصف بالعقل الجنوبي مردّها لأوضاع غياب مؤسسات الدولة منذ غزوة 94م و التي لم يستطع الجنوبي العيش خارج إطارها,في ظل تسيد وضع اللادولة وحكم الملشنة وانتهازية الحزبية وديماغوجية خطابتها عند كل منعطف لكن أن نسمي ذلك (فاشية جنوبية) فهذه كبيرة يا دكتور مروان,قليلاً من العقل مطلوب. وقد كان لي معك سجالا بعدة مواقع اخبارية وصحف قبل كم سنة بسبب عبارة الفاشية الجنوبية التي تحرص ان تستخدمها بشكل معيب.
وبالعودة الى موضوعنا..ففي بالمقابل ماذا نسمي عملية فرز الناس سياسيا وجهوريا كما هو حاصلاً بالشمال وفي مأرب الإصلاحية على سبيل المثال, والتي يتم ايداع المواطن السجون بحسب هوية اسرته واسم البيت الذي يتحدر منه هذا الشخص المعضوب عليه الذي يقوده حظه العاثر الى عاصمة الخلافة الإخوانية مأرب؟.
فكيف يمكن أن يكون الوضع بالجنوب أسوا مما هو في مأرب , مأرب التي يتم فيها تحشيد الناس لرفض تعيين شخص بموقع أمني لحسابات طائفية محضة وبجريرة اسمه الذي ينتهي بـــ(المداني) وكأنه أسم مرادف لمعنى الجريمة, القادم من محافظات الاحتلال الحوثي العفاشي. بوسعك أن تقهقه حتى البكاء من العبارة الأخيرة.
ويختم السيد مروان الغفوري قوله : (يعلم قادة الجنوب أن الإمارات تستخدمهم،ولا تعدهم بأشياء واضحة. قبلوا المعادلة تلك، فهم في آخر المطاف يريدون قضية ما تبقيهم في الواجهة في ما تبقى لهم من عمر..)).
حسنا يا صاحبي, فلماذا لا تقصّـروا أعمارنا وتوجدوا حلاً للقضية الجنوبية طالما ونحن نتخذ منها وسيلة مدد بالعمر؟. ثم الم تسأل نفسك, والسؤال موصولاً أيضاً لكل ساخر ومستهزئ بالجنوب وبقضيته ممن يزعمون رفض الهيمنة اليوم وقد سعوا إليها سعيا بالأمس: مَــن الذي استدعى الامارات -وباقي دول التحالف الى اليمن -التي تصفونها "الأمارات" اليوم بدولة احتلال ؟ ,أليس سلطتك وجنرالاتها التي تنتحب بأعلى صوتها على ملكها المسلوب ونعيمها المنهوب هي من طلبت ذلك؟. يا للوقعة يا للوقعة.
ثم لماذا لم يفعلها الجنوب الذي يسبب لك كل هذا الأرق طيلة ربع قرن هي عمر مأساته برغم منطق طلبه إن كان فلعها واستدعى كل العالم؟, فهو لديه قضية بحجم الكون أسمها قضية استعادة دولة وليس استعادة سلطة وكرسي حكم. ولماذا لم يفعلها كل زعيم ومسئول جنوبي فقد سلطته منذ 67م مثل الرؤساء قحطان الشعبي علي ناصر محمد مثلا عام 86م, وعلي البيض عام 94م, ولكنه أي الجنوب أبى أن يفعل ذلك لأسباب يدركها كل ذي بصر وبصيرة,إلى أن أتى اليه العالم والإقليم بنفسه وتعاطى معه كأمرٍ واقع لعل من خلال هذا الوجود وهذا الوضع أن ينتصر لقضيته من منطق: استخدمهم لا تخدمهم.