زواج الفقر والفساد

الفساد ظاهرة ملازمة للسلوك البشري وهو يمثل انحرافا عن الطريق السوي الذي ينبغي أن تبنى عليه المجتمعات المعافاة.

يتفاوت انتشار الفساد من مجتمع إلى آخر، وحيثما يسود القانون وتنتشر الفضيلة وتسمو الأخلاق ينعدم الفساد او يكاد وقد سمعنا عن حالات انتحار لمسؤولين كبار في اليابان وكوريا وغيرها من البلدان، بسبب تأنيب الضمير لارتكاب حالات فساد قبل حتى ان تكشفها اجهزة الرقابة والتحري وهذا النوع يمكن تسميته بالمحاربة الاخلاقية للفساد.

في بريطانيا اقيل وزراء وسحبت الثقة عن برلمانيين فقط بسبب استضافتهم لإقامة مجانية في منتجعات لبعض رجال الاعمال وهي محاربة للفساد عن طريقة القانون.

يتلازم الفساد مع الوفرة والثراء فالمجتمعات الغنية يسهل فيها ممارسة الفساد لان المال هو رديف الشيطان وعندما تغيب الرقابة ويضعف مستوى التعاطي مع القانون وتتراجع الفضيلة يكون من السهل على الفاسدين والمفسدين ممارسة هوايتهم.

لكن العجيب ان ينتشر الفساد في مجتمع يسيطر عليه الفقر ويتسلل إلى كل مفاصله، مجتمع يعتمد في مصادره على إعانات الأشقاء والاصدقاء ويهدد الجوع نصف سكانه واكثر وتكاد أن تختفي فيه خدمات الكهرباء ومياه الشرب النقية وتهدده الاوبئة وتفتك به الامراض.

هكذا هو الحال في بلادنا، حيث لا يقتصر الفساد على العبث بالموارد المحدودة وتسخيرها لتحقيق المصالح غير المشروعة من قبل كبار اللصوص الرسميين، بل إنه يمتد ليشمل الإعانات الدولية والإقليمية والمواد الإغاثية: الدوائية والغذائية لا بل وموازنات الجبهات العسكرية المقدمة من قبل دول التحالف إما عبر نهب وبيع الأسلحة والذخائر والأغذية أو عبر حشر آلاف الأسماء الوهمية في قوائم المعتمدين كمقاتلين ونهب مستحقاتهم، ثم إطالة امد الحرب لتحقيق المزيد من المكاسب على حساب معاناة المواطنين الذين لا ذنب لهم في ما يتقاتل عليه المتقاتلون.

عندما يجتمع الفقر والفساد فإن هذا لا يمثل فقط انحرافا أخلاقيا يمارسه الفاسدون سيئو الضمير منعدمو الاخلاق، بل إنه يغدو عاهةً مرضية سياسية واخلاقية وقانونية لا تقتصر عواقبها  على المال المنهوب بل إنه يساهم في توسيع دائرة الفقر المتسعة اصلا وفي تخريب الاقتصاد المخرب مسبقا وفي تدمير القيم المدمرة قبلا.

عندما يجتمع الفقر والفساد في مجتمع ما فإن خللاً خطيراً يهدد المجتمع بالتدهور والانهيار  وهنا لم يبق أمام الفقراء إلا الثورة لتصحيح هذا الاختلال لأن القبول بالتعايش معه لا يعني سوى الذهاب باتجاه هاوية لا يمكن التنبؤ بعواقبها الكارثية.

_____

*   من صفحتي على فيس بوك