ماجد الشعيبي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الإعلام الذي لا يكسر الجنوب يقوية

لم يكن من الموضوع حصر الطرف التخريبي في الجنوب باجهزة الاعلام المضادة رغم ما تضخه من دعاية سوداء عملت في البداية على تقويض الاستحقاقات الجنوبية أمنيا وسياسيا، قبل ان تتحول مؤخرا نحو تغطية الأعمال الإرهابية بشكل مباشر او غير مباشر من خلال إستهداف مؤسسات الدولة واجهزتها الناشئة.
الحقيقة أن الحركة الجنوبية ومنذ تفجرها لم تكن على وفاق تام مع كل الماكينات الإعلامية التي عملت على تشويهها وحجبها، لكن الجنوبيين اليوم وقد تحولوا من الثورة الى الدولة يبدوان مصدومين بشكل مضاعف من حجم العداوة التي تنالهم رغم انهم يعترفون بالشرعية ويقومون نظريا بما يدعي غيرهم انه الصواب..
في المجمل فإن الحملات الإعلامية الشرسة ضد الحركة الجنوبية لم تكن من النوع الذي يكسر الظهر، لذا فهي فرصة لتقويته.. ليس من خلال الغرق بسجالاتها اليومية، ولكن بالانطلاق من ثناياها نحو ترشيد الحياة الإعلامية الجنوبية بضبط قواعدها المهنية العامة من جهة، و بسرعة مراجعة وإعادة هيكلة الجهاز الإعلامي التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي من جهة اخرى..
وهو التوجه العقلاني الذي لمسناه عمليا من قيادة المجلس الانتقالي ممثلة بنائب الرئيس الشيخ هاني بن بريك.. والذي قرر الجلوس مع الإعلاميين للإستماع اليهم والتناقش معهم حول جوهر المشكلة وممكنات الحل..
بن بريك قدم تقييمه الشخصي للواقع الإعلامي وما يكتنفه من سلبيات إستطاع تلمسها بشكل كبير بفضل متابعته الدقيقة ليوميات الصحافة المحلية والعربية والدولية..
الرجل الذي اعتقدنا تواضع مداركة السياسية والفكرية، نظرا لمرجعيته الدينية، فاجئنا بنقاش خلاق لم ينهمك فيه بالاجراءات التكتيكية لاي حمله إعلامية جديدة ترد على حملات سابقة، بل تناول بعمق جوهر وقواعد المهنة الصحفية وحدود حريتها وكيفية عملها..
يرى بن بريك ان الإرتزاق الشخصي غلب الجانب المؤسسي في المهنة، و يعتقد من موقعه -وهو مصيب في ذلك- ان كل الحملات التشويهية انما تستهدف مقومات الدولة التي اشتد عودها في المحافظات الجنوبية وكذلك منتجات الثورة التي اشتد عودها السياسي من خلال المجلس الانتقالي، ناهيك عن بعض الجهات التي تستغل اي حوادث عرضية لتنفخ نيرانها في التصدعات المناطقية والقبلية والثارات السالفة وهو ما يتهدد وحدة النسيج المجتمعي المنهك من الفقر والحرب.
توقعت ان اجد خطابا وعضياً يحاول فيه بن بريك تحريم اي جهد صحفي مشبوه، لكنه تحدث كرجل دوله : اتفق معنا حول ثابتة الحرية التي تتيح لاي صحافة ان تقوم بدورها النقدي والتنويري وليس الدعائي ووضع لذلك سقفا موحداً وهو "مقتضيات الامن الوطني والقومي".
بتعبير الشيخ بن بريك انتقلنا الى نقاش سياسي اكثر استفاضة حول الدور الذي يجب على المجلس استكماله بتوضيح رؤيته التي من خلالها سيتم تعريف الحرية وحدود المسؤلية. 
 وبالعودة الى موضوعنا الأصلي وجدنا أن من ايجابيات الدعاية المضادة، دفعها القيادة السياسية والنخبة الصحفية بشكل شفاف ونقدي لفهم الواقع الإعلامي الجنوبي الهش، والذي تشكل في ظروف استثنائية وظل بسببها حبيس العشوائية و الطابع الفردي.
كذلك اعتراف قيادة المجلس باوجه الضعف التي اكتنفت اداء دائرته الإعلامية، ومن خلال النقاش توصلنا الى ملامح اولية لرؤية اعلامية تتولى جانبين هامين:
اولهما مضمون اي اطروحات أعلامية وهذا يتطلب منح البعد الاستراتجي جهدا اكبر من الاجراءات التكتيكية التي قد تجعل الاجهزة الإعلامية ومهما بلغ دعمها وازدادت امكانياتها مجرد اجسام هامدة دون روح خلاقة.. والمضمون هنا لا يقتصر على اصحاب السلطة السياسية، بل واصحاب السلطة الرابعة.. في هذا السياق توافقنا على اعداد ميثاق شرف اخلاقي يكون بمثابة مرجع طوعي وادبي لكل العاملين في هذا الحقل.
والثاني يتعلق بمؤسسة العمل الصحفي سواء الداعم للمجلس وهذا تحقق من خلال توسيع دوائر المجلس الإعلامية لتحتوي كل الاراء والأشخاص المختلفين والناقدين وذلك برغم قسوة ما وجهناه من نقد واستيعاب اراءهم بشكل جدي لاجل بلورة سياسية اعلامية مستقبلية.
وايضا مؤسسة المجال الإعلامي الجنوبي ككل وهنا ولدت فكرة رابطة الإعلاميين والصحفيين الجنوبيين لتكون نواة طوعية لتنظيم العمل في المحافظات الجنوبية وللحضور الوازن في  نقابة الصحفيين اليمنيين التي من خلالها سيتم إدانه وملاحقة كل الصحفيين المنتهكين لاصول المهنة، والضغط كذلك لتفعيل محكمة الصحافة، وهنا تحمي الدولة باجهزتها القضائية ومجتمعها المدني مؤسساتها الأمنية والتنفيذية بدل ما يراد له من وقيعه بين الأمن والإعلام وهو الامر الذي ستتجاوز اضراره تداعيات واضرار السيارات المفخخة والعمليات الإرهابية.
الصحوة التي ابداها بن بريك قبيل اقل من 72ساعة من الذكرى الخمسين للإستقلال الوطني والذي ستحتضنه مدينة كريتر  بحضور جماهيري كبير، هي اهم الخطوات التي اطلقتها قيادات المجلس في اطار مراجعتهم الذاتية، والمبشر ان ما بدا في الإعلام سينسحب كذلك على السياسية، وهذا يعني اننا ازاء تقاليد ديموقراطية بدات تترسخ بشكل اولي بسيط، والاهم من ذلك أن هذه الصحوة لا تكون آنية ولكن تقود الى آلية عمل مستدامة وهو ما لمسناه من قيادة المجلس.