حوار مع صاحب الحزام الناسف

متطلبات بناء مؤسسة عسكرية وطنية متماسكة

في منتصف نهار أحد أيام الأسبوع الفائت، استوقفني شاب يرتدي زياً عسكرياً طالباً مني أخذه معي في طريقي إلى أحد أحياء مدينة عدن. هيئة الشاب وتلقائيته أغرتني للدخول معه في حوار ودي فيه الكثير من البراءة والتلقائية، وصل إلى أن سألته أخيراً: في أي جهاز أمني أنت يا رفيق؟ وعلى عكس ما كان ينبغي أن يكون عليه رجل الأمن في الحديث عن وظيفته، لم يتردد الشاب وقالها لي بثقة وفخر: أنا جندي مستجد في الحزام الناسف، ضحكت مستغرباً وقلت يعني أنت انتحاري؟ قال: لا أنا عسكري بالحزام الناسف. أكدها مجدداً وبثقة أقوى. قلت له: "أنا أعرف أن الجنود يتعسكروا في الحزام الأمني التابع لأبي اليمامة، لكن الحزام الناسف هذه تبع الجماعة إياهم، ومصيبة لو أنت منهم". قال صاحبي وكأنه اكتشف شيئاً عظيماً: "أيوه أيوه هو هذا الحزام الأمني، بس أنا أخلط بينه وبين الحزام الناسف".


وعلى قدر ما ضحكت من إجابة صاحبنا الذي تبدو ملامح البؤس على وجهه، وتعاطفت مع طيبته وبياض قلبه، إلا أن هذه الإجابات أثارت في داخلي أسئلة عدة عن طبيعة عملية التجنيد في المؤسسة العسكرية والأمنية، إذا ما كانت تتم على هذا النحو، وهل تخدم فعلاً جهود بناء جيش وجهاز أمن وطنيين محصنين غير قابلين للاختراق؟
صحيح أن هذا الشاب البسيط في حاجة ماسة للوظيفة، لكنه لن يكون جندياً مثالياً في جهاز أمني على قدر كبير من الأهمية، بل إن الإعتماد على أمثاله لن يبني سوى جيش هش قابل للاختراق، وتابع لرؤسائه حتى وإن وجههم لقتال أهلهم.


إن الإستمرار في التعامل مع الوظيفة في المؤسسة العسكرية على أنها لمن كان أمياً، أو تَرَك مقاعد الدراسة، إنما هو تكريس لمفهوم قديم هو أن الأمن والجيش هما ملجأ الأميين والجهلة، أو كما قال الشاعر "العسكري بليد للأذى فطن". لذلك، فمن الخطأ والمعيب في القرن الحادي والعشرين أن تستمر هذه النظرة إلى هذه المؤسسة، وعلى أنها مقبرة لا ترد ميتاً، خاصة في ظل التقدم التقني والتكنولوجي في السلاح واستخداماته والذي يعتمد على امتلاك ناصية العلم.


إن بناء مؤسسة عسكرية وطنية متماسكة لن يكون إلا بالنظر إلى الجندية على أنها أشرف وأخطر وظيفة، ولذلك ينبغي أن تُحصن وأن توضع شروط أكثر صرامة في عملية التجنيد فيها ، وبما يجعل الجندي نموذجاً مشرفاً يجبر الآخرين على احترامه والنظر إليه بهيبة وليس بسخرية واستخفاف.


ومن وحي هذا علينا أن نتذكر أنه لو كان للعرب جيوش تقوم على العلم والمعرفة، وتحترم عقل الجندي وتعمل على ترقيته وتأهيله، بدلاً من ظلمه وممارسة الإستبداد عليه، ما كان لحكامهم أن يستخدموا عشرات الآلاف من الجنود أضاحي تقدم قرباناً في سبيل الدفاع عن كراسيهم وثرواتهم، وعن حق نسائهم وأطفالهم في استبداد الشعوب وقتلها وإهانتها وتجويعها، مرددين شعار" "بالروح بالدم نفديك يا زعيم".
ما نحتاجه اليوم هو بناء مؤسسة عسكرية وأمنية واعية شعارها العلم والمعرفة، مؤمنة بمبادئ الحرية والعدالة وحقوق الإنسان والديمقراطية، لا جيش محدود الوعي والتفكير لا يرى ولا يسمع إلا ما يراه ويسمعه الحاكم والقائد.