محترفو تزوير التاريخ

على مدى اسبوع كامل وقد يليه أسبوع ٌ آخر  كرست قناة الجزيرة القطرية وما زالت معظم برامجها لما شهدته عدن من أحداث مؤسفة خلال الفترة  28-30 يناير 2018م، وخلال كل هذه البرامج لم يكن الحديث يدور حول أسباب المشكلة ومن تسبب في استدعاء العنف وإطلاق الرصاصة الأولى والبدء بالتصفيات الجسدية للمواطنين العزل من السلاح ولا حتى التعرض لبيان وزارة الداخلية سيء الصيت الذي تحدث بلهجة واضحة أن الوزارة جاهزة لإعلان حالة الحرب إذا ما أصر المواطنون على المطالبة بإقالتها، وهو تصرف لا يجيزه قانون ولم يتجرأ على الإقدام عليه حتي معلمهم عفاش عندما كان في أوج قوته فما بالنا بحكومة ثلاثة أرباع وزرائها لم يزوروا عدن منذ عقود. على إن أهم ما يمكن رصده هنا هو الآتي:

• كل الذين تحدثوا باسم الحكومة أو ادعوا تأييدها لم يكن بينهم واحد من عدن أو من كل الجنوب بل أن كثيرون منهم هم من غزاة 1994م أو من أقربائهم وأنصارهم، وهؤلاء لا يمكن أن ننتظر منهم أي تصور منصف أو حتى شبه منصف أو حتى يدعي الحيادية ولو ادعاءً وعندما يكون الغازي هو الشاهد فأين هي العدالة في التناول التي يمكن أن ننتظرها من أمثال هؤلاء (أو كما كان يقول أبناء عدن: المعتدي صومالي والشاهد صومالي والحاكم صومالي) مع التقدير والاحترام لإخوتنا أبناء الصومال الشقيق.

• كل الذين تحدثو باسم السلطة أو ادعوا تأييدها لم يتناولوا أسباب المشكلة وهي اتهام المواطنين للحكومة بالفساد والفشل والمطالبة بإقالتها بعد أن فشلت في الإيفاء بأكثر واجباتها بداهةً ونقصد هنا توفير الحد الأدنى من الخدمات الضرورية التي عرفتها عدن منذ نحو قرن: مثل الكهرباء، ومياه  الشرب النقية والخدمات الطبية والخدمات البلدية من نظافة وصرف صحي وغيره، ناهيك عن احتجاز رواتب الموظفين لعدة أشهر في حين يحول رئيس الوزراء ما يقارب ستة مليارات ريال إلى العملة الصعبة ويودعها في أحد البنوك الخارجية ويصرف نصف مليار للقيادات المؤتمرية من الانقلابيين جناح صالح الهاربين من الملاحقة الحوثية، بينما يعاني أبناء عدن الأمرين جراء فشل وفساد هذه الحكومة.

• كل الذين تحدثوا باسم الحكومة أو ادعوا تأييدها قفزوا فوق كل الأحداث والمقدمات بما في ذلك بيان وزارة الداخلية سيء الصيت واعتداءات شرطتها على المواطنين ومباشرتهم القتل العمدي للمتجهين إلى ساحة العروض،  واختاروا اقتحام المتظاهرين لمقر الأمانة العامة لمجلس الوزراء واعتبروا هذا مؤشر على انقلاب ورغبة في الاستيلاء على شرعية الرئيس هادي، وتناسوا أو تعمدوا تجاهل البيان الذي وجهه المجلس الانتقالي ومعه قوات المقاومة الجنوبية إلى الرئيس هادي باعتباره الرئيس الشرعي لمطالبته بإقالة الحكومة الفاشلة الفاسدة وتقديم رئيسها وأعضائها للمحاكمة جراء ما ألحقوه بعدن وبالجنوب من أضرار تبلغ مستوى الجرائم المتعمدة، ونسوا أو تعمدو تجاهل بيان وزارة الداخلية الذي هددت فيه بلغة لا لبس فيها ولا مواربة بالتعامل بعنف مع كل من يدعو إلى إقالة الحكومة، وإنها هي (أي وزراة الداخلية) من أمرت جنودها بإطلاق النار على المواطنين قبل أن يظهر مسلح واحد من أنصار المجلس الانتقالي، وإن كل ما تلا ذلك لم يكن سوى ردة فعل عفوية خارجة عن سيطرة الجميع دفعت إليه وزارة الداخلية بتصرفاتها الطائشة الرعناء.

• ومن أطرف ما استمعت إليه قول أحدهم أن عيدروس الزبيدي هو عميل إيران وإنه تلقى تدريباته العسكرية في إيران وبسبب هذا طرده الرئيس علي عبد الله صالح من الجيش، . . .طبعا لسنا مضطرين إلى إيضاح سبب طرد عيدروس الزبيدي من الجيش فهو بعد أن تخرج من الكلية العسكرية عمل مدرسا فيها بفعل تفوقه وتبعا للتقاليد الأكاديمية العالمية التي كانت تعمل بها مؤسسات جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، أما إخراجه من الجيش فليست لإيران التي كانت صديقا قويا لنظام علي عبد الله صالح علاقة به، بل إنه استبعد من عمله ومعه مئات الآف من أبناء الجنوب بعد غزوة 1994م للجنوب بعفل ثنائية المنتصر - والمهزوم التي اتبعت بعد تلك الحرب الكارثة، لكن الأطرف من كل هذا أن يقال أنه عميل لإيران وهو من قاد الحملة الناجحة الوحيدة التي هزمت المشروع الإيراني في اليمن وردت دعاته على أعقابهم خاسئين، . . . أحد الظرفاء بعد أن استمع إلى هذا الكلام قال ناصحا من يروجونه ممن ما تزال غرف نومهم تحت سيطرة الحوثيين: إذا كان كل من تدرب في إيران سيفعل ما فعله عيدروس الزبيدي، كونوا عملاء لإيران واذهبوا إلى طهران وتدربوا على كيفية تحرير مناطقكم من الإيرانيين وأنصار المشروع الإيراني بدلا معايرة الشرفاء بشرفهم والناجحين بنجاهم.

• وآخر المتقولين كان أحد الدين تهجموا على الرئيس هادي بعد اجتياح الحوثيين لصنعاء،  واتهموه بالفشل والمؤامرة على الشهيد القشيبي ثم غيروا رأيهم بعد عاصفة الحزم عندما انهالت العطاءات وتضاعفت المكافآت،  . . .هذا الشاطر يتهم المجلس الانتقالي بأنه يطالب بالعودة للمشاركة في السلطة ، وهو يعلم أن لا أحد من أعضاء المجلس الانتقالي يرغب في الحصول على أي نصيب من سلطة بلغ سوء سمعتها أنها لا تستطيع أن تقابل مواطنا أو تتخاطب مع جريح حرب، ناهيك عن أنها من أوصل سعر الدولار إلى أكثر من 500 ريال يمني، . . .لا يعلم أخونا أن قضية المجلس الانتقالي أكبر من المطالبة بمنصب أو التمسك بزيادة في المرتب ولكنها قضية وطن ومصير شعب وموضوع هوية وتاريخ ومستقبل وغير ذلك مما يصعب على أمثال هؤلاء الأدعياء فهم معانيه. إنه التزوير والتزييف بطرق أقل ما يقال عنها بأنها أشد قبحا وأكثر غباء وجاهلية من كل ما عرفه التاريخ من فجاجة المزورين ووقاحة المتقولين.

ولله في خلقه شؤون