د. عيدروس النقيب يكتب :
الأزمة اليمنية والتحالف العربي
في البدء لا بد من الإقرار بأن التحالف العربي الذي تدخلت دوله في الأزمة اليمنية بعد انقلاب صالح والحوثي على السلطة الشرعية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي، وعلى رأس هذا التحالف الشقيقتان السعودية والإمارات يمثل عامل الحسم الرئيسي في توازن القوى السياسي والعسكري على الأرض اليمنية ولا يمكن أن ينكر هذه المسلمة إلا جاحد أو جاهل، بغض النظر عما يشاع من نظريات "المؤامرة الإماراتية" وما يسميه الانقلابيون وبعض أنصار الشرعية بـ"جرائم السعودية" بحق المدنيين اليمنيين. شخصيا لست من الذين يتبنون الدفاع عن التحالف لمجرد الدفاع، وقد قلت مراراً أن احتمال ورود أخطاء غير مقصودة في معركة شائكة مع تحالف انقلابي يشمل واحداً من أقوى الجيوش في المنطقة وواحدةً من أعتى وأقوى المليشيات العقائدية الجاهزة للموت في أي لحظة، أمرٌ واردٌ ويجب دراسة أسبابه لكي لا يتكرر مرةً أخرى. ثانيا: ما لا يدركه الكثيرون أو يحاول البعض القفز عليه وتعمد تجاهله، حقيقة أن دول التحالف هي طرف داعم في المعادلة السياسية اليمنية وأن الشرعية (ومن يدعون نصرتها) هم طرف مدعوم ، وفي أية تحالفات من هذا النوع ينبغي إدراك حدود العلاقة بين الداعم والمدعوم وأن يعرف الطرفان موقع كل منهما في هذه المعادلة، أما أن يصل الأمر إلى تبادل الشتائم والاتهامات والتقاذف والتنابز بالألقاب بين طرفي المعادلة (اعني الداعم والمدعوم) فإن هذا يعني أن خللاً ما قد جرى في تركيبة هذه المعادلة لا بد من تصحيحه، والأدهى في هذه الجزئية عندما يكون الطرف المدعوم هو من يتطاول على الطرف الداعم ويوزع الاتهامات يمنةً ويسرة ما يعني أن المسألة لم تعد تنحصر في مساحة التباين السياسي بل إنها تتعدى ذلك إلى أخلاقيات التعامل السياسي وأنها تتعلق بموضوع ما يسمى بانعدام المسؤولية الأدبية والأخلاقية التي يستبدل البعض فيها الشكر والعرفان بالجحود والنكران. * * * بعيد اللقاء الذي جمع بين قيادة التجمع اليمني للإصلاح وبين وليي عهد المملكة العربية السعودية وإمارة ابو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة تسربت أخبارٌ عن اتفاقات بين الطرفين تتعلق بتصحيح العلاقة بين التجمع اليمني للإصلاح والاشقاء في دولة الإمارات أهمها وقف الحملة الإعلامية الموجهة ضد الإمارات من قبل وسائل الإعلام الإصلاحية وتوحيد الجهود المشتركة لمواجهة المشروع الإيراني في اليمن وهزيمته وقضايا أخرى. وقد أكد ذلك منشورٌ للأستاذ محمد اليدومي رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح قال فيه إن الإصلاح ليس مسؤولاً عما يصدر من بعض الكتاب ويستهدف دولة الإمارات وإن ما يصدر عن هؤلاء يعبر عن وجهة نظر أصحابه وأن الإصلاح سيتخذ إجراءت صارمة ضد كل من يخالف هذا من أعضائه وناشطيه. وبرغم ذلك لم تتوقف الحملة التشهيرية ضد الشقيقة الإمارات وبعضهم تطاول ليمس المملكة العربية السعودية التي تأوي القيادات الإصلاحية وتؤمن سلامتها ، ويتهمها بالمؤامرة على اليمن واليمنيين في لغة لا تختلف في فجاجتها وعدائيتها عن لغة الحوثيين، والعفاشيين (قبل مقتل زعيمهم)، كل ذلك يصدر عن المواقع الإعلامية الإصلاحية ومن قبل كتاب وناشطين إصلاحيين دون أن نسمع عن أية خطوات تترجم ما قال به الأستاذ اليدومي إلى إجراءات فعلية، ما عدا ما تسرب عن تجميد عضوية الناشطة توكل كرمان، صاحبة جائزة نوبل، من عضوية الإصلاح بعد أن أصبحت عضويتها في الإصلاح حاجة ترفية لا تغنيها في شيء إن لم تسبب لها بعض المتاعب، علما بأن التسريب لم يصدر عن هيئة رسمية من هيئات الإصلاح. لدى الإصلاح قيادة ماهرة ومحنكة في استغلال كل المتغيرات وتحويلها إلى منجزات حزبية لصالح أجندة التجمع (وجده دون سواه)، حتى الهزيمة يستثمرونها ويحولونها إلى مصدر لتحقيق مكاسب قد لا تكون مرئية، لكن أن يصل الأمر بأن تستنجد بشقيقك وتطلب العون منه ويتكرم معك مقدماً الدماء والأرواح والمال والعتاد ثم تكافئه بالنكران والجحود وتسويق الشتائم والاتهامات فهذا لن يعود شيئا من الذكاء السياسي ، بل يتعداه إلى الفجاجة والوقاحة وتراجع متطلبات الإيتيكيت السياسي والقيم الأخلاقية لدى من يمارس هذا النوع من السلوك، وهو ما يستدعي المراجعة والمعالجة والوقوف على أسباب الإخفاق والفشل التي قد لا تنحصر في تفوق الطرف الانقلابي عدةً وعتاداً، بل وفي السمعة السيئة التي تصنعها تلك المواقف المتضاربة والمتناقضة والخارقة للمنطق لدى هذا الطرف السياسي أو ذاك، وليس صحيحاً أن السياسة لا تعرف الأخلاق، بل إن جوهر السياسة وعمودها الفقري يكمن في إخلاقيات ممارسيها ومن لا أخلاق له لا يمكن أن يستقطب أنصاراً خقيقيين مستعدين لنصرته في السراء والضراء بل لا يمكن أن يمارس السياسة على نحو صحيح، حتى وإن نجح في تسويق نفسه مؤقتا، ومن يعتمد الكذب في ممارسة السياسة (والكذب رذيلة واحدة من عشرات الرذائل السياسية) لا يمكن أن يستمر في الحياة السياسية إلا مؤقتا ثم يحين الوقت لانكشاف الحقيقة وترك الناس له وعزله وضمور حضوره في الحياة السياسية أياً كانت البيئة التي يعمل فيها. والله من وراء القصد