د. قاسم المحبشي يكتب:

حينما تغرد بلابل عدن في سماءها

من وحي زيارتنا للمعرض العلمي الأول في مدراس سماء عدن النموذجية اليوم

 
رغم قساوة الحياة وسطوة المحن التي  تعيشها حورية البحار وأميرة المدن  عدن منذ ?? عاما الا أنها لم تستلم لمشيئة الحروب والحصار وكل صنوف العذابات والفتن، فهاهي تقتنص لحظات الهدوء العابرة في مهب العاصفة لتعاود الحلم والأمل بالحياة التي تستحقها وتبوح بما يختلج في أعماقها من أشواق وآمال ومواهب  إبداعية وابتكارات علمية أكاديمية وثقافية متقدة للإنطلاق في فضاءات المستقبل الأجمل.

إنها عدن حورية البحار وأميرة المدن القديمة والجديدة المسكونة بالنار الأبدية، التي لم ولن تخمد أبدا منذ أن صنعها الخالق الباري المصمم العظيم بهذه الهئية الطبيعية الباذخة السحر والجمال، فمن يشبهك من؟! عدن عبقرية المكان وذاكرة الزمان، هي المدينة المتفردة بجمالها الطبيعي، حيث يتعاشق البحر والبر والجبل بتناغم يضفي عليها أهاب الجلال والرهبة؛ فشواطؤها ليس لها مثيل برمالها الفضية والذهبية في خورمكسر وجولدمور والبريقة والغدير.

وميناؤها كان وسيظل ثاني أهم موانئ الدنيا قاطبة، فكم هي المدن التي مررت بها في  بلاد الله الواسعة ولم أجد مدينة تشبه عدن من حيث التصميم والتشكيل والموقع والروح والفن؛هنا في عدن الاسم والمعنى تحضر الجغرافيا بوسائل شتىء ولكن الإنسان صانع التاريخ والقيم هو من يمنحها الروح والمعنى، ففي حين فُرضت الحرب على تلك المدينة المسالمة- التي لم تعتدي على أحد طوال تاريخها التليد- هب رجالها وشبابها ونساءها هبة بركانية بوجه جيوش وجحافل الغزاة المعتدين فاحلوها الى جحيم تحت أقدامهم وهنا في عدن فقط لقوا حتفهم بينما عجزت ?? دولة عربية وجيوش الشرعية اليمنية عن تحرير مدينة صنعاء من بضعة فتية طائشة من القوى الانقلابية!
ابناء وبنات عدن بعد تحرير عاصمتهم منذ ثلاث سنوات ونيف تنفسوا الصعداء وعاودوا الحلم باستئناف حياتهم الطبيعية في مدينتهم رغم خيبة أمالهم بمن كانوا يظنون أنهم حلفاءهم  في المعركة الذين سرعان ما نكثوا بوعودهم وتركوا عدن الباسلة تواجه مصيرها وتتدبر أمر جراحها لوحدها بعد أن تركتوا وخصومهم أثر بعد عين ! ولكنها لم تستسلم لما يريدون لها ؛حاصروها وعذبوها بالماء والغذاء والدواء والكهرباء والبترول والإرهاب والاغتيالات والمرتبات وتخريب المؤسسات والخدمات والطرقات والمواصلات والاتصالات والمليشيات وغياب السلطات فقاومت وصمدت ولم تستلم.

ولازالت تقاوم بطاقاتها الخلاقة وقواها الإبداعية وبكل ما تمتلكه من إرادة حياة وكرامة وحرية وبتنويعات مختلف الألوان وا?شكال وحاول ابناءها وبناتها البحث في كل الممكنات التي تجعلهم يتناسون أوجاعهم وتمنحهم بعض السلوى والأمل، بإبداع تقنيات مختلفة لمقاومة القهر والعجز والاضمحلال الذي يريدونه لها فتنوعت أساليب وأدوات المقاومة بالتعليم والتعلم والكتابة والقراءة وتأسيس مراكز الدراسات وعقد الملتقيات الفكرية والثقافية والأدبية والعلمية ! إذ كانت الحاجة تستحث الأفئدة والعقول للتفكير بهذا الحال والمآل وما الذي بوسعنا عمله؟! فظهرت مبادرات إبداعية شبابية رائعة منها مشروع ( عدن تقرأ) (المعرض الوطني للإبداع والإختراع )
في جامعة عدن قبل شهرين، والمؤتمرات العلمية لمركز الدراسات التاريخية، والندوات الإدبية والثقافية ..الخ إذ لم تشهد عدن في تاريخها حالة حراك ثقافي أدبي وفني وعلمي وإبداعي فردي وجماعي للنوع الاجتماعي كما هي عليه اليوم، وهذا شاهدته اليوم  في المعرض العلمي الأول لتلاميذ وطلاب مدارس سماء عدن النموذجية الذي تم افتتاحه صباح اليوم في المدينة التقنية  بالمنصورة.
ذهبت بناءا على دعوة كريمة وصلتني من مدير المدراس الاستاذ فايز فضل ناجي
استلمتها يوم الخميس، فضلا عن رغبتي الذاتية بالحضور لمشاركة التلاميذ والتلميذات والطلاب والطالبات
أفراحهم وسعادتهم في عرض إبداعاتهم وابتكاراتهم وهذا هو اضعف الاستجابات والممكنات بالنسبة لاوليا أمور التلاميذ والتلميذات من  الآباء والامهات والاجداد والجدات والمشتغلين في حقل التعليم بالمدارس والجامعات.

افتتح المعرض العلمي الأول الابتكار والإبداع في رحاب مدارس سماء عدن بعنوان: (نشجع الإبداع وابتكار نغير المفهوم التقليدي عن التعليم) ذهبت برفقة مهندس الطيار صالح ابو مهيب رئيس مجلس ادارة مدرسة الصداقة العربية الصينية بجوانجو، ومنيرة وأوس وهود. ذهبنا بحافز الحلم والأمل لرؤية براعم المستقبل ومنجزاتهم الإبداعية، هناك تجولنا في أجنحة المعرض  للإخترعات والإبداعات بدا من الدور الثاني في مدرسة سماء عدن وشاهدنا  نماذج من أعمال التلاميذ والتلميذات الابتكارية الإبداعية الأشياء في مختلف مجالات ،  التكنولوجيا الصناعية والطبية والعمرانية والورقية والكهربائية والجغرافية والفنية وغيرها  أنتجهوها على درجة عالية من الدقة والجودة، روبوتات متحركة، من مختلف الأنواع والاشكال، واجهزة إنذار ونادي طبي، بعمل فحوصات طبية للزوار، وقاعة الخوارزمي وفيها التلميذ الشاطر الحفيد إبراهيم محمد نصر المحبشي ، ومعرض الألعاب اللغوية والقراءة ومختبر العناصر الكميائية ومختبر الفيزياء ومختبر الشبكة العنكبوتية وغرفة المجموعة الشمسية، وقسم اللغة الانجليزية ، والعلوم الشرعية، وفِي جناح الطب البديل والتجميل وجدت حفيدتي المبدعة هاجر محمد نصر وهي تشرح أهمية العلاج بالنباتات، وفِي الطباق الأول تجولنا بين الأقسام واستوقفني قسم الرياضيات وما فيه من الغاز رياضية يعرضها التلميذ الموهوب خليل محمد نصر وقد علمت من مشرفة المعرض بانه تلميذ عبقري، يحفظه الرحمن الرحيم. كانت زيارة ممتعة من التاسعة حتى الثانية عشرة ظهرا، سعدت بلقاء عدد من الزملاء والاصدقاء الذين تقطعت بنا السبل معهم منذ زمن طويل ومنهم الاستاذ الدكتور نجيب الحميقاني عميد معهد أمين ناشر والأخ العزيز فضل عياش والصديق جمال اليماني وفِي الختام وجدت الطالبان نصر ومحمد في الزِّي الشعبي كما وجدت المدير العام راعي المعرض والاحتفال الاستاذ فايز فضل ناجي وعزمني على وجبة غداء شهية  وكوب كوفي في غرفة كبار الضيوف في الطابق الثالث، وهناك وجدت بعض زملاء دراستي الجامعة والمدير طه نعمان والصديق عبدالفتاح العودي وغيرهم من الزملاء والزميلات الاعزاء والتعزيرات.


معرض جدير بالزيارة ومواهب إبداعية جديرة بالأهمية وتستحق الرعاية والتنمية والتمكين. مبارك للتلاميذ المبدعين والمبدعات هذه الإنجازات الابتكارية. والف مبارك لإدارة لمدارس سماء عدن الأهلية وكل الطاقم المنظم لهذا المعرض على نجاحه وبالتوفيق والازدهار.