محمد يوسف يكتب:
الاختيار
حسم الرئيس الأميركي ترامب الموقف، ووضع النقاط على الحروف، ومن يعرف القراءة فليقرأ، ومن كان لبيباً فليفهم بالإشارة، فهذه ساعة من ساعات الجد.
كانت إيران بحاجة إلى صدمة كهربائية تعيد الاتزان إلى عقلها، وتزيل كل الأوهام التي ولّدتها سياسات مريضة، إيران التي صدّقت أنها دولة عظمى تستطيع أن تفعل ما تشاء في هذه المنطقة، وأنها قد مُنحت -بناءً على الاتفاق النووي- ترخيصاً للعبث حيث تشاء، وصوّرت لها بعض المجاملات الأوروبية وإدارة أوباما الأميركية أن أحلامها مباحة.
لقد كانت دول الخليج من أكثر الدول اعتراضاً على التعامل العسكري مع إيران، وعندما أثار الغرب قضية المفاعل النووي وأطلقت إسرائيل تهديدات تدميره رفضنا رفضاً قاطعاً أي توجّه نحو إشعال حرب جديدة بعد حرب العراق العبثية، ودعت دولنا إلى الحل الدبلوماسي، وأيدنا الاتفاق عندما توصّلت إليه الدول الكبرى وإيران، وقد ظن الجميع أن هذه الدولة تعلمت من ممارساتها السابقة، وأنها ستتجه نحو تعمير بلادها وتوفير حياة كريمة لشعبها، فقد رُفعت المقاطعة الاقتصادية الدولية وأفرج عن المليارات المجمدة في أميركا وأوروبا، وانتظرنا هنا في الخليج صفحة جديدة للعلاقات تقوم على الاحترام المتبادل والبناء المشترك، وتخلي إيران عن «وهم تصدير الثورة والمذهب» في المنطقة، وطال انتظارنا.
إيران بعد الاتفاق النووي أصبحت شيئاً آخر، طالت مخالبها، وكشرت عن أنيابها، وعلا صراخها، وغيرت جلدها، فاتسعت دائرة تهديداتها، وكشفت المستور عن تصرفاتها، وتوحشت، وكأنها قد أصيبت بالسعار، ضربت بالسياسة والدبلوماسية والأعراف عرض الحائط، ولهثت خلف الدماء، تريقها دون وازع من دين أو أخلاق، وتمددت عسكرياً في سوريا بعد العراق، وفكّت قيود أتباعها في لبنان فقتلوا وشرّدوا -حسب الهوية المذهبية- السوريين، وجمعت حثالات أقوام من دول آسيا وأطلقتهم في المدن والقرى تحت رايات تحمل أسماء من كرّمهم الله بالانتماء إلى أشرف وأطهر وأنقى بيت، فزرعوا الحقد فوق الحقد، ثم أشعلوا حرباً مذهبية جديدة في اليمن، وذهبوا إلى بلاد المسلمين الأخرى ليزرعوا الفتن، وأيديهم مازالت تقطر دماً.
قلت في الأسبوع الماضي إن إيران وخامنئي ليس أمامهما غير الاختيار ما بين التعقل والتخلي عن الأوهام أو الجحيم، وها قد حانت لحظة الاختيار.