أزراج عمر يكتب:
الجزائر: تهم فرنسية بتقييد حرية المسيحيين
طرح البرلمان الفرنسي في الأيام الماضية قضية مزعجة للنظام الجزائري تتعلق بما يسميه تيار داخل البرلمان الفرنسي، ينتمي إلى الحزب الذي يتزعمه الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون حزب الجمهورية إلى الأمام، بتقييد النشاط الديني للمسيحيين ذوي الأصل الجزائري والأوروبيين الأجانب، ومضايقة عمل الكنائس المسيحية الموجودة في الجزائر فضلا عن إغلاق بعضها كما تؤكد تقارير فرنسية منشورة في فرنسا وعلى مستوى وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي هذا الخصوص ذهبت بعض عناصر هذه الكتلة البرلمانية التابعة لحزب الرئيس ماكرون أبعد من ذلك، حيث اتهمت السلطات الجزائرية مباشرة بقمع الحريات الدينية في الفضاء الاجتماعي الجزائري. وهنا ينبغي التوضيح بأن تنامي حركة تنصير الشبان الجزائريين في مناطق معينة راهنا، خاصة في المحافظات ذات الأغلبية السكانية الأمازيغية وبشكل محدد في محافظة تيزي وزو وبجاية ومنطقة الأوراس، هو ظاهرة حقيقية وليست مجرد كلام وبالتالي فإن لهذه الظاهرة أسبابا اجتماعية ومادية وسياسية وتاريخية.
وفي الحقيقة فإن بروز ظاهرة التنصير في الجزائر في سنوات ما بعد الاستقلال قد فجرته عوامل أخرى وفي صدارتها صراع المثلث اللغوي المتمثل في العربية والفرنسية والأمازيغية في الجزائر لفترة طويلة، وتأخر النظام الجزائري في الاعتراف باللغة الأمازيغية وترسيمها في الدستور والانطلاق في إحيائها وتطويرها عمليا، إضافة إلى فشل السلطات الجزائرية في بناء نموذج وطني متميز لتحديث التنمية الوطنية بكل أنماطها، وعدم توزيع الثروات بعدالة فضلا عن ترسيخ التفاوت الاقتصادي في الجزائر العميقة وغيرها من الأسباب الأخرى.
وهكذا أصبحت ظاهرة التنصير في الجزائر غير منفصلة عن كل هذه العوامل ما حولها إلى ورقة يلعبها قطاع معروف من نخب اليمين الفرنسي المتطرف، ومعه جماعات جزائرية معروفة بولائها للدولة الفرنسية، كانت ولا تزال تدعو إلى تنصير شرائح من الجزائريين والجزائريات، وخاصة الأمازيغ منهم، مثلما مارست الضغوط المباشرة وغير المباشرة على النظام الجزائري ليقبل بمجتمع جزائري ما بعد استعماري متعدد الثقافات والديانات.
ورغم أن لكل إنسان الحق في اختيار عقيدته الروحية إلا أنه ينبغي الإشارة إلى ضرورة عدم فصل قضية التنصير في جزء من المجتمع الأهلي الجزائري عن الخلفيات التاريخية السابقة حتى للاحتلال الفرنسي للجزائر، وعلى هذا الأساس ندرك أن ظاهرة المسيحية في الجزائر ليست وليدة اللحظة الراهنة، بل إنها ذات عمق تاريخي موغل في القدم حيث بدأت في الفترة المسيحية من عصر الاحتلال الروماني للمنطقة المغاربية الذي بدأ في عام 146 قبل الميلاد إلى غاية 429 ميلاديا، ثم تواصلت هذه الظاهرة انطلاقا من تاريخ دخول الجيش الفرنسي لاحتلال الجزائر عام 1830 إلى غاية عام 1962.
إذا تركنا هذه الخلفية التاريخية القديمة جانبا وركزنا على الراهن نجد أن الوقائع تفيد بأن مختلف الآليات والعمليات التي توظف الآن من أجل استقطاب الجزائريين إلى المسيحية في طبعتها الفرنسية لها تداعيات كثيرة ومعقدة، وفي مقدمتها تهديد الوحدة الوطنية في الجزائر جراء تصاعد وتيرة الخطابات الصادرة عن جهات معارضة والتي تطالب فيها السلطات الجزائرية بالحكم الذاتي حينا وبالانفصال حينا آخر، وكذلك ترسيخ التبعية ومخلفات الاستعمار الفرنسي تحديدا في أوساط الشباب الجزائري، وفضلا عن ذلك فإن عمليات التنصير الجارية في جزء مهمّ من منطقة الأمازيغ بشكل تدريجي أمر يراه بعض أقطاب النظام الحاكم في الجزائر عاملا يتعارض جذريا مع الأركان التاريخية المشكلة للهوية الجزائرية وهي الإسلام واللغة العربية واللغة الأمازيغية والحمولات الثقافية والتاريخية والنفسية لهذه الأركان الثلاثة.
ومن جهة أخرى توضح بعض الجهات التابعة لأجهزة الدولة الجزائرية، ومنها وسائل الإعلام الرسمية، أن هناك شريحة مؤثرة داخل الهرم الأعلى للسلطة الجزائرية تحاول التخفيف من مخاطر التنصير حيث كانت وزارة الشؤون الدينية الجزائرية في عهد الوزير السابق السيد عبدالله غلام الله تعتقد أن الكنائس المسيحية في الجزائر ليس لها ضلع مباشر وميداني في تنصير الشبان والشابات الجزائريين.
هذا وتشخص هذه الوزارة القضية في أن المنصّرين هم مجرد أفراد يأتون إلى الجزائر من فرنسا كسواح ومن ثم يقومون بأعمال تنصير فردية لا علاقة للكنائس بها من قريب أو من بعيد.
لكن جلال موسى الباحث الجزائري المختص في دراسة ظاهرة التنصير في المجتمع الجزائري يرى عكس ذلك حيث أبرز في التحقيقات الميدانية التي قام بها ثم نشرها واقتبسها موقع إيلاف أن “المنصّرين يتحركون بكل حرية دون أدنى مراقبة حكومية، حيث كثفوا خلال السنوات الأربع الأخيرة من تحركاتهم التنصيرية مستهدفين أوساط الشباب بهدف إيجاد ما أسماه أقلية دينية تدافع عن حقوقها على غرار ما وقع في دول مجاورة، ويبدأ العمل التنصيري عن طريق العديد من الجمعيات الخيرية التي تتظاهر بالوقاية من الخمر والمخدرات والدعوة إلى الأخلاق الحسنة”.