أزراج عمر يكتب:
خرافة العنصرية في المجتمع الجزائري
لماذا يصر النظام الجزائري على ممارسة الحجر على وسائل الإعلام التابعة للقطاع العام والقطاع الخاص، علما أن معظم الصحف وقنوات التلفزيون والإذاعات تطيع السلطات الجزائرية التي توفر لها التمويل، أما وسائل التواصل الاجتماعي الجزائرية فإنها لا تحرض على التمييز العنصري حقا، بل هناك أحيانا بعض التجاوزات في استخدام الألفاظ والعبارات الساخرة والحادة والمباشرة في إطار نقد بعض المسؤولين الفاسدين بصراحة.
من غير المعقول أن تسن القوانين ضد العنصرية في المجتمع الجزائري الذي لا يمارس مثل هذه الآفة، ويخلو سجله التاريخي والديني والثقافي منها. وفي هذا الإطار تمثل مصادقة المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة على قانوني العقوبات ومكافحة خطاب الكراهية خلال هذا الأسبوع، بشكل استعجالي وقبل إخضاعهما للنقاش المسؤول والحوار العقلاني خارج أطر المؤسسات التي يتحكم فيها النظام الحاكم، تناقضا جوهريا مع الدستور الحالي. ويرى المراقبون السياسيون أن هذا السلوك تحيط به علامات استفهام كثيرة حيث هناك إجماع بين أغلب الناشطين السياسيين والنخب الإعلامية وشرائح المثقفين على أن اختيار مثل هذا التوقيت، الذي يشهد فيه الجزائريون وفاة مواطنيهم تباعا في المدن والأرياف، وازدياد الإصابات بفايروس كرونا، غير ملائم نفسيا واجتماعيا وسياسيا، حيث كان المفروض أن تتكتل الجهود وتسخر الإمكانيات وتجند الطاقات الوطنية لخلق مناخ الوئام والتعاون والتكافل بين شرائح المكون البشري الجزائري من أجل التفرغ لمحاربة هذا الوباء الخطير ومواجهة المشكلات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية وتداعياتها السلبية.
وفي تقدير المراقبين فإن سن هذا النمط من القوانين الزجرية لا يساهم في بناء ثقافة الحوار المتمدن مع الإعلاميين، بمختلف تخصصاتهم ومواقعهم، ومع المسؤولين عن المؤسسات الإعلامية بكل أنواعها. وفي الحقيقة فإن التجارب بينت أن التشريعات العقابية الأحادية تتسبب غالبا في تشكيل نواة المجتمع التأديبي العنيف، ويمثل هذا إخفاقا يحول دون تفعيل الدور الحيوي لمؤسسات الثقافة والتوعية السياسية الناعمة والتربية الحضارية.
من المعروف أن المادة 50 من الدستور الجزائري تكفل حرية التعبير كحق مشروع لجميع المواطنين بشكل عام، وللمثقفين والمفكرين والفنانين أيضا، ولكن التجربة علمتنا أن القانون يمطط أو يقلص حسب هوى المسؤولين الجزائريين المتواجدين في سدة الحكم.
ومما يؤسف له أن لجوء السلطات الجزائرية إلى أساليب الاحتواء والسيطرة بواسطة فرض الأمر الواقع وتكريس الطاعة العمياء بواسطة الاعتقالات والمساءلة والسجن، هو الذي جعل ولا يزال يجعل الناشطين السياسيين الجزائريين على مستوى الأحزاب المعارضة والحراك الشعبي يرون أن قانوني العقوبات ومكافحة الكراهية سيضران بمصداقية وسمعة المؤسسات التشريعية وجهاز القضاء وبحقوق الإنسان، ويعتقدون أن البديل الحقيقي هو إشراك الفاعليات السياسية المدنية من خلال إنزال هذين القانونين قبل اعتمادهما قانونيا من طرف واحد إلى قواعد التنظيمات والجمعيات المدنية والأحزاب السياسية المعارضة بكل تنوعاتها، لضمان توسيع فضاء النقاش الشعبي حولهما وحماية الحريات العامة والفردية والمكاسب القليلة التي بدأت تفقدها التعددية الحزبية الجزائرية تدريجيا.
وفي الواقع فإن سن القوانين بشكل أحادي سيساهم في إحلال المؤسسات الجزائية محل المؤسسات التربوية الأمر الذي سيحول وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المتنوعة إلى أجهزة سيطرة بدلا من ترقيتها لتكون مجالا عاما تنمو فيه الديمقراطية الحوارية.
إن تبرير السلطات الجزائرية مصادقة البرلمان الجزائري على القانونين المذكورين بحجة مكافحة التمييز العنصري في الجزائر لا يصمد أمام النقاش العلمي، لأن المكون البشري للدولة الجزائرية بعد الاستقلال مؤسس على التعددية الإثنية لغويا ومذهبيا وليس على التضاد العرقي كما هو الوضع في مجتمعات أخرى.