هاني مسهور يكتب:

القضية الجنوبية.. الاستحقاق اليمني المُعّقد

يبدو اليمن منفتحا على كل الاحتمالات ولا تملك أي قوة في داخل اليمن أو خارجه قرار السيطرة على مآلات ما يمكن أن يتشكل عليه اليمن بعد أن تضع الحرب أوزارها، وهذا ناتج للتعقيدات المضافة على الأزمة اليمنية في سنوات توالت فيها الأزمات السياسية، بداية من الربيع الإخواني في 2011، مرورا بمخرجات مؤتمر الحوار، وصولا إلى واقع ما خرجت به الحرب من إفرازات ووقائع مختلفة عن تلك التي كانت قبل اندلاع عاصفة الحزم، ومن هذه الإفرازات تبدو القضية الجنوبية الأكثر تعقيدا والأجدر حضورا، ففيما يبدو أنها باتت مفتاحا لحل الأزمة اليمنية برمتها، يبدو أيضا أن هناك قوى سياسية يمنية ودولية ترى في حلها تعقيدا لمشكلات أخرى.

في العام 2007 خرج الحراك الجنوبي يجوب شوارع العاصمة الجنوبية عدن وكان الرئيس السابق علي عبدالله صالح يعتقد أن المعالجة الأمنية يمكنها أن تخمد الثورة الجنوبية، إلا أن ما حدث أنها ظهرت في المُكلا كمؤشر على امتداد الحراك الجنوبي في واحد من أهم المناطق التي لطالما كان الرئيس صالح يعتقد أن بإمكانه أن يحتوي هذا التصاعد الشعبي في المحافظات الجنوبية، ومع ذلك راهن الرئيس صالح على قدرته على توظيف المطالب الجنوبية لمصلحته في مواجهة خصومه شمال اليمن، وعندما ظهر علي سالم البيض من منفاه، في مايو 2009، اعتقد صالح أنه قادر على احتواء الجنوب وأنه يستطيع التلويح بالقضية الجنوبية أمام خصومه الذين كانوا يتحينون فرصة الانقضاض عليه والتي سنحت في فبراير 2011 ليلتفوا حوله لإسقاطه من حكم اليمن.

لم تفلح القوى الشمالية التقليدية في تذويب القضية الجنوبية حتى بوصول الرئيس عبدربه منصور هادي، وهو ابن الجنوب، إلى أعلى سلطة في حكم اليمن. باءت المحاولات بالفشل ولم يحصل الرئيس هادي في استفتاء فبراير 2012 إلا على نسبة 8 بالمئة في المحافظات الجنوبية في إشارة إلى أن الجنوبيين كانوا أكثر تشددا تجاه قضيتهم التي تنامت مع إقصاء الحراك الجنوبي عبر فصائله الحقيقية في مؤتمر الحوار الوطني، ووصلت قناعات الجنوبيين إلى ما لا يمكن التراجع عنه بسبب مخرجات مؤتمر الحوار التي اعتبروها مجحفة بحق قضيتهم، وازداد الاحتقان السياسي مع مقترح الأقاليم الذي قسم الجنوب إلى قسمين.

شكلت عاصفة الحزم منعطفا هاما على اعتبار أن كل الانتصارات العسكرية التي حققها التحالف العربي كان الجنوبيون هم شركاء فيها، وحتى مع ظهور المجلس الانتقالي الجنوبي في مايو 2017 لم يكن سوى اعتبار منطقي، فالاختلال الحاصل بين المؤسسة الشرعية والجنوبيين كان لا بد وأن ينتج هذا الكيان السياسي المُعبر عن القضية الجنوبية، وإن فشل المجلس لاحقا في أن يكون حاملا لها لاعتبارات كثيرة غير أن الأهم هو أن القضية الجنوبية ظلت محورا فاعلا على امتداد الجغرافيا الجنوبية.

التحول الأجدر يكمن فيما تلا مقاطعة السعودية والإمارات ومصر والبحرين للنظام القطري في يونيو 2017، فلقد ظهرت المطامع الإيرانية وكذلك التركية في الجنوب إضافة إلى الحديدة كمدخل لجنوب البحر الأحمر، وهنا ظهرت المخاطر الفعلية التي لا يمكن تجاهلها من قبل جماعة الإخوان المسلمين والتي أظهرتها من بعد المقاطعة ومدى رغبة التنظيم الدولي في إحكام القبضة على المحافظات الجنوبية تحت يافطة التمسك بالوحدة اليمنية، لذلك لم يكن ظهور فصيل من الحراك الجنوبي ممول من قطر وإيران في أكتوبر 2017 معاد للسعودية والإمارات سوى تأكيد على أن القطريين يراهنون بقوة ويشعرون بخطر حقيقي على فقدانهم للجنوب، والذي ترى طهران وأنقرة أن لا بد من فرض نفوذ لهما على مساحته.

الخطر على الجنوب سيبقى ماثلا بسبب الصراع الدولي عليه وهذا ما يستدعي معالجة جوهرية تنطلق من مبدأ حماية الأمن القومي العربي الذي تقوده السعودية وتدعمها الإمارات. فاليمن الذي تم استرداده من أنياب إيران سيظل محتاجا لمعالجات طويلة المدى، وهذا ما يدركه السعوديون والإماراتيون ودليل ذلك احتوائهم لحزب المؤتمر الشعبي العام وهذا ما تتطلبه القضية الجنوبية التي يجب احتواؤها بهيكلة المجلس الانتقالي الجنوبي واستيعاب مختلف القوى الجنوبية، والبدء في إطلاق معالجات لأزماته. فالجنوب يعاني من انعدام الخدمات الأساسية فضلا عن تحديد مصيره السياسي الذي بات يشكل خطرا على المنطقة في ظل الدفع القطري لإيجاد اختراق يحكم من خلاله إخوان اليمن قبضتهم على الجنوب، ومنه على جنوب شبة الجزيرة العربية كلها.