أزراج عمر يكتب:
كارثة استبعاد التربية الجمالية
في فترة السبعينات من القرن العشرين شرعت الجزائر في إنشاء اللبنات الأولى للمدرسة الأساسية التي استلهمت فكرتها الأساسية من ألمانيا، وكان الهدف منها هو تشييد تعليم عصري يجمع بين التقنيات، والمهنيات، والجماليات، فضلا عن عناصر أخرى جوهرية أيضا وهي تحديث اللغة العربية ومختلف مضامينها وأشكالها الثقافية والفكرية.
كان مشروع المدرسة الأساسية حينذاك يرمي في جانب أساسي منه إلى تكوين أجيال جديدة مثقفة ثقافة فنية منذ الصغر بدءا من فنون الدراما، والشعر، والموسيقى والغناء والرقص، والرسم والنحت، وتذوّق الأدب، وانتهاء بالتصميم المعماري للقرى والطرقات والمدن والمحيط الجغرافي ككل والسينوغرافيا وهلمّ جرّا.
أول عقبة واجهت المسؤولين بوزارة التربية الوطنية ووزارة التكوين المهني تمثلت في ندرة الإطارات القادرة على تنفيذ مثل هذه الأهداف الكبرى سواء في المدارس والمعاهد الريفية أو في تلك التي توجد في المدن الصغرى والكبرى، أما العقبة الثانية فكانت محصورة في انعدام الوسائل التي تمكن المدرسين من تدريس التربية الفنية، أما العقبة الثالثة فكانت تتلخص في غياب تقاليد الثقافة الفنية في المجتمع الجزائري بما في ذلك الغياب المطلق للكتب العلمية والفكرية المتطورة التي تتضمن فلسفة الاستيطيقا التي تعني في الأدبيات الفكرية “علم الإحساسات” ونظرية الجمال بشقيها الطبيعي والروحي معا.
ورغم هذا النقص الفادح في البيئة الجزائرية التقليدية فقد حققت بعض التجارب والتطبيقات القليلة في عدد من المؤسسات التعليمية نجاحات نسبية، وممّا يؤسف له أن النظام الحاكم في ذلك الوقت قد قام بتقسيم المنظومة التعليمية الجزائرية إلى فئتين، وهما فئة التعليم الأصلي الديني وفئة التعليم المدني الدنيوي، ومن هذا برز انفصام في هذه المنظومة جرّاء هذه الثنائية المتضاربة من حيث المحتوى والأهداف السياسية، وهكذا تبخر مشروع تربية وتكوين الأجيال الذي يتم ضمنه التفكير في العلاقات الإنسانية والعمل بها وتقييمها وفق المعايير الجمالية الراقية في المجتمع الجزائري، ولا شك أن إحدى نتائج الفشل في توطين الثقافية الجمالية في هذا المجتمع الذي صار ذا بعد رأسمالي بشع واحد، هو بروز جيل مادي واستهلاكي وغريزي عنيف وهدّام يعادي أخلاقيات التمدن والحضارة.
المشكلة في التحليل الأخير ليس نابعا في ما يطلق عليه دون موضوعية بانعدام الخطوط العريضة للفكر الجمالي في المعطى الثقافي الوطني، بل إنها تتمثل بالدرجة الأولى في طمس قسمات هذا المعطى الذي نجده هنا وهناك في منظومة الرأسمال الرمزي الوطني.
ولا شك أن في الجزائر محاولات فكرية مكتوبة تتضمن أبجديات ما يسميه أحد المثقفين الجزائريين المعاصرين بالعناصر الجوهرية للثقافة، وهي الدساتير الأربعة المتكاملة والمتبادلة التأثير والمتمثلة في الدستور الخلقي، والذوق الجمالي، والمنطق العملي، والتقنية، أي الصنائع، بتعبير ابن خلدون، ولكن المسؤولين على أجهزة الثقافة والمنظومة التربوية الجزائريتين يديرون بالظهر لها، بل إنهم يكرسون كل ما هو وحشي وبدائي في البلاد.