أزراج عمر يكتب:

الجزائر.. صراعات مزعومة تخفي حروب المواقع

كيف نفهم ملابسات الصراع الذي نشب مؤخرا بين رئيس جمعية المسلمين الجزائرية عبدالرزاق قسَوم، الذي شغل من قبل منصب أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الجزائر المركزية وبين وزيرة التعليم نورية بن غبريط، التي قالت مؤخرا إنها أنقذت التعليم الجزائري من الظلاميين؟

هل هو صراع حقيقي حول المضمون الذي ينبغي أن تكون عليه هوّية المنظومة التعليمية الجزائرية، أم أنه عراك الديكة من أجل التموقع داخل تضاريس الخارطة السياسية حيث يغذي ذلك تباين الخلفيات السياسية العميقة التي ينطوي عليها التنافر القديم الجديد بين ما يسمّى في الجزائر بتيار الإسلاميين بشكل أساسي ومعه تيار المعربين التقليديين من جهة، وبين التيار الفرانكوفوني الذي يوصف جزافا بالعلماني من جهة أخرى؟

العارف بالحياة السياسية الجزائرية يدرك أن هذا الصراع المزعوم بين الأطراف المذكورة لا يندرج حقيقة ضمن مسعى يرمي إلى بناء مشروع الهوية التعليمية الوطنية المتطورة في الجزائر، بقدر ما يعني استخدام شعار الدفاع عن الهوية الوطنية التي يوهمنا بها كل طرف من هذه الأطراف من أجل الاستيلاء على المناصب وخدمة النظام الجزائري كل حسب برنامجه وأهدافه الخاصة التي لا علاقة لها إطلاقا بمصلحة المواطنين الجزائريين.

ومن الواضح أيضا أن المشكلة الجزائرية المزمنة التي ما فتئت تسمّم التنمية الوطنية المتعثرة تتلخص في تضييق الخناق على المبادرات الجادة التي تهدف إلى تأسيس منظومة تعليمية عصرية في الجزائر، وذلك عن طريق حصر هوية هذه المنظومة في دائرة مغلقة تغلّف بمقاصد مبيّتة تتمثل في الابتزاز وتصفية الحسابات السياسية. وفي الواقع فإن الصراع المحتدم بين فصائل التيار الإسلامي الجزائري وفي مقدمتها تنظيم جمعية العلماء المسلمين وبين التيار المتفرنس، لا يستند إلى أخلاقيات النقاش العلمي أو إلى أفق فكري ناضج وعصري.

ومن المعلوم أن الصراع بين المعربين والإسلاميين من جهة، والتيار الفرانكوفوني من جهة ثانية ليس جديدا في الساحة السياسية الجزائرية بل هو ظاهرة نمطية متكررة.

والسؤال هنا هو لماذا ينشب هذا الصراع بمثل هذه الحدة علما وأن كلا من الطرفين لم يقدما على مدى سنوات الاستقلال أي صيغة لمشروع تعليمي عصري لتحقيق تحول جذري في المنظومة التعليمية الجزائرية، يكون لبنة صلبة يتم بواسطتها تأسيس الذهنية الوطنية التقدمية ومكوناتها الفرعية بما في ذلك الأبعاد الاجتماعية والسياسية.

وأكثر من ذلك فإنه يلاحظ أن المعارك الناشبة بين هذه الأطراف المذكورة لا تتم من أجل ترشيد النقاش العلمي لتحديد أبجديات دور المنظومة التعليمية في بناء معمار الهوية الوطنية، بل إن ما يحدث في ما بينها هو انعكاس لتناقضات جهات متصارعة على مستوى الهرم الأعلى للدولة، حيث أن هذه الجهات هي التي تحرك غالبا خيوط لعبة الصراعات لكي تدفع بالصدام بين الإسلاميين والمعربين من جهة، وبين المتفرنسين وأشباه العلمانيين من جهة أخرى إلى حدوده القصوى، وتوظفه لضمان بقائها على رأس الأجهزة التي تتحكم في السلطة الإدارية والاقتصادية والثقافية والسياسية.

من الضروري هنا إبراز خلفية مهمّة ذات جذور تاريخية تفضي إلى إدراك تأثيرها القوي على العلاقة المتوترة بين التيار الإسلامي عموما وبين جبهة التحرير الوطني وكل من حذا حذوها سياسيا. فمن المعروف أن جمعية المسلمين الجزائريين لا تزال عاجزة  عن حل عقدة جبهة التحرير الوطني التي لم تعترف بنضالها الوطني التحريري، ما عدا الاعتراف بجهودها في ممارسة التعليم الديني والمحافظة على اللغة العربية.

أما جمعية العلماء الجزائريين، التي طلبت عام 1947 على لسان رئيسها البشير الإبراهيمي من فرنسا تطبيق العلمانية في الجزائر أسوة بما فعلته حينذاك في ربوع الجمهورية الفرنسية، فإنها تنظر بعين الريبة إلى تسلّط حزب جبهة التحرير الوطني خاصة في مرحلة ما بعد الاستقلال.

في هذا السياق نفهم أن اشتعال الصراع بين وزيرة التعليم نورية بن غبريط وبين جمعية المسلمين الجزائريين يدخل في إطار حرب المواقع قصد تكريس هيمنة الألقاب التاريخية في المشهد السياسي الجزائري.