
اللواء د.محمد أبو سمره يكتب لـ(اليوم الثامن):
فلسطين: 140 عاماً من النكبات والمصائب والثورات المستمرة
هذه الدراسة هي الخطوة الأولى من جانبي في سياق بدء صياغة ( الرواية الفلسطينية العربية الإسلامية ، للصراع الفلسطيني والعربي والإسلامي / الإسرائيلي اليهودي الصهيوني ) ، وخصوصاً في جوانبها الحضارية والتاريخية والواقعية والجغرافية والديمغرافية والسياسية ، وقد يستغرب البعض من عنوان الدراسة : ( فلسطين : مائة وأربعون عاماً من النكبات والمصائب المتواصلة ، والثورات المستمرة ...) ، لماذا 140 عاماً على بدء النكبات الفلسطينية ، ولماذا نكبات ومصائب ، وليست نكبة واحدة أوإثنتين أو ثلاث ؟
وللتوضيح أود التنويه والإشارة إلى أنني بدأت التأريخ للنكبة الفلسطينية الحديثة والمعاصرة للشعب الفلسطيني ، وللصراع الكوني على أرض فلسطين مع تأسيس المشروع الصهيوني الحديث الذي تُوِّجَ مع بناء وتشييد أول مستعمرة ومستوطنة يهودية صهيونية على أرض فلسطين الحبيبة عام 1878م ، وهي ( مستوطنة بتاح تكفا ) بالقرب من القدس الشريف ، وقد تعرَّض الشعب الفلسطيني وأرضه المباركة إلى سلسلة متواصلة من النكبات والمصائب والمجازر الوحشية والجرائم البريطانية الصهيونية ، والطرد والتهجير والإبعاد والنفي القسري المُنَّظَم ومصادرة الأراضي ، وكانت النكبة الكبرى لفلسطين والأمة الإسلامية والعربية إثر هزيمة ومصيبة عام 1948 والإعلان عن قيام الكيان الصهيوني الاستعماري السرطاني على الجزء الأكبر من أرض فلسطين العزيزة ، هي أم النكبات والمصائب الكبرى لفلسطين والأمة ....
وبالتأكيد فإنَّ صياغة الرواية الفلسطينية تحتاج لجهد وامكانيات وعمل جماعي مؤسساتي منهجي ومنظم فلسطيني وعربي وإسلامي وإنساني عالمي ، فهناك الكثير من الحقائق الحضارية والتاريخية والواقعية والجغرافية والسياسية والإنسانية والتراثية والديمغرافية تم تزوريها عمداً وبشكل منهجي خطير ، وللأسف الشديد وقع الكثير من المؤرخين والباحثين والدارسين والمثقفين الفلسطينيين والعرب والمسلمين ومن شتى أنحاء العالم ضحية التزوير التلمودي الصهيوني / الصليبي الغربي والاستشراقي المُتَّعَمَّد لحقائق الحضارة والتاريخ والجغرافيا والديمغرافيا والواقع ، وتزوير كل مايتعلق بفلسطين والقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين وبلاد الشام بشكلٍ خاص ، والبلاد العربية والإسلامية بشكلٍ عام...
وهذه الخطوة المتواضعة من جانبي لبدء البحث المُعمَّق والدراسات المُوسَّعَة في سياقات وجودنا وتاريخنا الإنساني الفلسطيني العربي الإسلامي الحضاري على أرض فلسطين وبلادالشام المباركة جميعها؛ هي الخطوة الأولى على طريق الألف ميل ، ومعذرةً على أي تقصير ، وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد والرشاد ..
وفي البداية أود التنبيه إلى أنَّ المؤامرة الغربية الصليبية / الصهيونية لاغتصاب فلسطين العزيزة ، واستعمار وتهويد أرضها المباركة وكافة المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها ، ولطرد شعبها وأهلها والمرابطين على ثراها الطاهر ، وكذلك المجاورين للمسجد الأقصى المبارك ولكافة المقدسات فيها ، وزرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة فلسطين ، ككيانٍ إستيطاني عنصري سرطاني يفصل بين شمال وجنوب المنطقة العربية والإسلامية ، ومابين شرقها وغربها ، وعلى وجه التحديد مابين مصر وبلاد الشام والعراق ، ومابين بلاد الشام والجزيرة العربية ، قد بدأت فعلياً مع الحملة الفرنسية الإستعمارية الصليبية التي قادها الجنرال الحالم والمجرم نابليون بونابرت لإحتلال مصر وفلسطين وبلاد الشام (1798 م ــــــ1801 م ) ، وقد جاءت الحملة الفرنسية الاستعمارية استكمالاً للحملات الصليبية العدوانية الاستعمارية على فلسطين وبلاد الشام ومصروأجزاء عديدة من العالم الإسلامي والتي استمرت قرابة المائة عام ، وكان بونابرت هو أول من مَنَحَ اليهود وعداً لإقامة وطناً قومياً لهم في فلسطين ، فيما لوساعدوه على إحتلال الشرق العربي والإسلامي ، وظل يتودد لهم قبل وأثناء وعقب فشل وهزيمة الحملة الفرنسية الإستعمارية على مصر وفلسطين وبلاد الشام .
وليس خافياً على أحد حجم ومستوى التحالف الصليبي الغربي / الصهيوني ، هذا التحالف الشيطاني الشرير ، أُصطُلِحَ على تسميته بــــ ( التحدي الغربي الحديث ) ، وهو يمثل ذروة تحالف منهج الشر والباطل ، في مواجهة ذروة منهج الحق والعدل والإنسانية والرحمة المتمثل في الإسلام العظيم / الإسلام الرباني المحمدي النقي الأصيل ، الخالي من الشوائب ، الوسطي المعتدل ، الذي يعتبر أن حياة الإنسان أقدس وأغلى وأهم عند الله ، ونبيه الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم) من الكعبة المُشَّرفَّة .
المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني :
نشأت فكرة الإستيطان اليهودي الصهيوني في فلسطين أواخر القرن السابع عشر الميلادي ، ولتحقيق هذه الفكرة أعدَّ التاجر الدنماركي أوليغربولي عام 1695م، خطةً لتوطين اليهود في فلسطين سلَّمها إلى ملوك أوروبا ، وفي عام 1799م إقترح نابليون بونابرت إنشاء دولة يهودية في فلسطين ، ومع تنامي الأطماع الاستعمارية الأوروبية لتقسيم ممتلكات الدولة العثمانية تواصلت الجهود الأوروبية واليهودية لتكريس المشروع الإستيطاني اليهودي في فلسطين في القرن التاسع عشر، وحمل هذه المطالب عدد من زعماء اليهود وغيرهم أمثال : اللورد شاتسبوري، الذي دعا إلى حل المسألة الشرقيـة عبر استعمـار واحتلال اليهـود لفلسطيـن، بدعمٍ من الدول العظمى، ساعده في ذلك اللورد بالمرستون ( 1856ـــــــ 1784م) ، الذي شَغَلَ عدة مناصب منها وزير خارجية بريطانيا، ثم رئيس مجلس وزرائها، وعَيَّنَّ أول قنصل بريطاني في القدس عام 1838م، وكلَّفه بــ : ( منح الحماية الرسمية لليهود الذين تمكنوا من الهجرة والتسلل إلى فلسطين ) ، وطلب من السفير البريطاني في القسطنطينية بالتدخل لدى السلطان العثماني للسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين .
وبعد تأسيس وظهور الحركة الصهيونية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، سعت للسيطرة على الأراضي الفلسطينية، وكان من أبرز نشطائها ( لورنس أوليفانت 1888ـــــــ 1820م ) ، الذي كان عضواً في البرلمان الإنجليزي، وعمل أيضاً في السلك الدبلوماسي الإنجليزي، واعتقد بــ : ( ضرورة تخليص اليهود من الحضارة الغربية بتوطينهم في فلسطين ) ، وفي عام 1880م نشر كتاب بعنوان (أرض جلعاد) ، اقترح فيه إنشاء مستوطنة يهودية شرقي الأردن، شمال البحر الميت، لتكون تحت السيادة العثمانية بحماية بريطانية ، وشجَّع استعمار واستيطان اليهود في فلسطين والمناطق المجاورة عن طريق إقامة مستوطنات جديدة.
وحاول العديد من زعماء اليهود خلال القرن التاسع عشر القيام بمشاريع لتوطين اليهود في فلسطين، ومن بين هؤلاء (مونتفيوري 1784 ـــــــ 1885م )، الذي حاول استئجار 200 قرية في الجليل لمدة 50 عاماً ، مقابل 10%ــــــــ 20% من إنتاجها، إلا أنَّ هذه المحاولة فشلت أمام رفض الحاكم المصري لبلاد الشام آنذاك، ثم نجح بالتآمر والتحايل والنصب والتزوير والتدليس في شراء عددٍ من قطع الأراضي بالقرب من القدس ويافا، وأسكَنَ فيها مجموعات من العائلات اليهودية الصهيونية ، إلا أنَّ هذه المحاولة فشلت أيضاً نتيجة رفض وتصدي الحكومة العثمانية لجميع مشاريع الاستيطان اليهودي الصهيوني في فلسطين.
وكان ومازال مخطط احتلال فلسطين ، وطرد وتهجير شعبها ، واقامة دولة الكيان الصهيوني الغاصب ، فوق أرضها الطاهرة ، نتاج مؤامرة عالمية كونية كبرى اشترك فيها الغرب الاستعماري الصليبي الحاقد ، مع الحركة الصهيونية واليهود ضد الشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية والعربية ، فقد ساهم عددٍ كبيرٍ من المُبَّشرين الأمريكيين، في تشجيع اليهود للهجرة إلى فلسطين، وخصوصاً القس جون ماكدونالد راعي الكنيسة المسيحية البروتستانية ، وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر قام أحد قادة البروتستانت بالهجرة إلى فلسطين وأَنَشَأَ مستوطنة زراعية صهيونية ، وقامت أيضاً البروتستانية كلواندا مانيور ( زوجة أحد كبار التجار) بإرسال مجموعة من رجال الدين المسيحي البروتسانت إلى فلسطين عام 1850م، واشترت مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية ، لإقامة المستوطنات الصهيونية ، وفى عام 1870م، تم تأسـيس مسـتوطنة ( مكفا إسرائيل/ أمل إسرائيل ) في لواء القدس، وهي أول مستوطنه زراعية صهيونية في فلسطين ، وفي عام 1878م اشترى النمساوي سلومون 3375 دونماً من أراضي قرية ملبس، ومنحها للمستعمرين الصهاينة لإقامة مستوطنة عليها ، وأُنشِئَت عدة مستوطنات أخرى في الفترة من 1882ـــــــ 1884م .
ثم توالت عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بالتزوير والترغيب والترهيب والتدليس والنصب والإحتيال والخداع وبشتى الوسائل ، ولعبت العديد من المؤسسات الصهيونية دوراً كبيرا في هذا الشأن، ومن بينها (منظمة بيكا) التي أسسها الميليونير الصهيوني روتشيلد، و( الوكالة اليهودية ) التي انبثقت عن المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897م، و(الصندوق القومي اليهودي ـــــ الكيرن كايمت ) و( صندوق التأسيس اليهودي ـــــ الكيرن هايسود) .
وبدأت المستوطنات بالظهور العلني عام 1878م إثر تأسيس ( مستوطنة بتاح تكفا / الوردة المتفتحة ) بالقرب من القدس ، ثم تم إقامة ثلاث مستوطنات عام 1882م ، هي ( ريشون ليتسيون ، وزخرون يعقوب ، وروش يبنا )، ثم مستوطنتي ( يسود همعليه ، وعفرون) عام 1883م، ومستوطنة ( جديرا ) عام 1884م، وفي عام 1890م، أقيمت مستوطنات ( رحوبوت ومشمار هيارون)، وبعد أن وصل عدد المستوطنات الصهيونية الزراعية إلى22 مستوطنة، سيطرت على200 ألف دونم، ثم تمددت وتوسعت لتصل إلى 418 ألف دونم ، وساهم تشكيل ( الحركة الصهيونية ) بزعامة ثيودور هرتسل سنة 1897م، بوضع حجر الأساس للمشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني ، حيث كان الأساس الأيديولوجي الذي استندت عليه الحركة الصهيونية، منذ بـدء نشاطها ، الأكذوبة الكبرى التي تقول : ( إنَّ المشروع الصهيوني هو عودة شعب بلا أرض ، إلى أرض بلا شعب ) ، فعملت المؤتمرات الصهيونية العالمية بدءاً من المؤتمر الأول على تنفيذ برامجها التي تمحورت حول برنامج المؤتمر الأول عام 1897م، ويدعو هذا البرنامج إلى العمل على : ( استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود وفق أسس مناسبة، وتغذية وتقوية المشاعر اليهودية والوعي القومي اليهودي، واتخاذ الخطوات التمهيدية للحصول على الموافقة الضرورية لتحقيق غاية الصهيونية) .
وسعت الحركة الصهيونية خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر إلى امتلاك أكبر مساحة ممكنة من الأراضي ؛ باعتبار ذلك إحدى الركائز الرئيسة والضرورية لإقامة ( دوله يهودية صهيونية على أنقاض فلسطين العربية ) ، وللأسف فقد ساعد النظام المُهترئ لملكية الأراضي، الذي كان سائداً في فلسطين وغالبية مناطق وولايات الإمبراطورية العثمانية آنذاك ، الحركة الصهيونية على تحقيق مخططاتهم في امتلاك الأراضي الفلسطينية وتهويدها .
وجمَعَ وليم هشلر تبرعات مادية وأرسلها إلى الجمعيات الصهيونية؛ لتشجيع الاستيطان في فلسطين بدعم وحماية من الاحتلال البريطاني .
الحملة الفرنسية :
خرجت في 19/5/1798 قوات كبيرة من الجيش الفرنسي مكوَّنة من36826 جنديًا وضابطًا ، من ميناء طولون في جنوب فرنسا ، يرافقهم حوالي 1200 عالم وخبير فرنسي ، ومن بينهم عدد من المستشارين والمعاونين والخبراء اليهود، ونزلت هذه الحملة بميناء الإسكندرية يوم 21/7/1798، وبعد عدة معارك تمكن نابليون من فرض سيطرته على مصر، وكان من بعض أهداف هذه الحملة الإستعمارية على مصر وفلسطين ، مايلي :
1ـــ إقامة إمبراطورية فرنسية إستعمارية في الشرق العربي والإسلامي تمتد حتى مشارف الهند.
2ــــ احتلال مصر وبلاد الشام باعتبارها أغنى ولايات الدولة العثمانية اقتصادياً وتجارياً ، ومركزًا استراتيجيًا وتجاريًا مُهمًا ومصدرًا للمنتوجات الزراعية .
3ـــــ إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين .
4ــــــ فصل مصر عن بلاد الشام والآستانة والمشرق الإسلامي والعربي ، وفصل المشرق الإسلامي عن المغرب الإسلامي.
5 ـــــ السيطرة على الطريق التجارية بين البحر الأبيض المتوسط والهند .
6ــــــ فتح أسواق الشرق للبضائع والمنتوجات الفرنسية .
أهداف بونابرت التبشيرية والتطبيعية : كانت الأهداف التبشيرية والتغريبية للحملة الفرنسية لاتقل أهمية بالنسبة لنابليون عن الأهداف الإستعمارية والإقتصادية ، ولذلك فقد أحضر معه المطابع باللغة العربية إلى جانب البارود والمدافع ، ووزع على المصريين منشوراً كتب وطبع باللغة العربية شرح فيه أسباب قدومه لمصر زاعماً وكاذباً أنَّ هدفه ليس احتلال مصر أو مقاومة السلطان العثماني ، وإنَّما مساعدة السلطان وأهل مصر ضد المماليك !!، وحاول التقرُّب إلى علماء الأزهر الشريف الذين أوصدوا الأبواب في وجهه ، وقادوا المقاومة الشعبية والعسكرية البطولية الباسلة ضده .
ونشر بونابرت المطبوعات والمراسيم باللغة العربية ، وحاول تنظيم أمور الحكم في مصر ، وأصدر أوامره للمصريين برفع العلم الفرنسي في كل مكان ، ولكنهم قاوموا الإحتلال الفرنسي ورفضوا تنفيذ جميع أوامره ، وأثقل نابليون كواهل الشعب المصري بالضرائب وفرض العقاب الجماعي ضد كل من يخالف أوامره ، مما أثار نقمة واستياء وغضب وثورة المصريين ، ونتيجة لتخوفه من قدوم الجيش عثماني ومواجهته في مصر، بدأ بالتحضير والاستعداد لشن حملة عسكرية على فلسطين والشام في بداية سنة 1799.
غزو بونابرت لفلسطين : قاد نابليون في شهر شباط / فبراير عام 1799م ـــــ 1214هـ حملة عسكرية تعدادها 13,000 جندي لاحتلال فلسطين وإخضاعها للسيطرة الفرنسية ، ثم طرد الفلسطينيين من أرضهم واستقدام يهود فرنسا وأوروبا وتوطينهم في فلسطين ، ثم استكمال احتلال بقية بلاد الشام ، والزحف نحو الآستانة / عاصمة الخلافة العثمانية ، للقضاء على الإمبراطورية والخلافة العثمانية ، رغم أنَّ الهدف المُعلن والرئيس لحملة نابليون على فلسطين ، هو استباق الخطر العثماني وإقامة منطقة عازلة بين مصر واسطنبول ، وقد سلك الجيش الفرنسي طريق الساحل الفلسطيني من الجنوب نحو الشمال ، وفي 22 شباط/ فبراير 1799 م احتل الجيش الفرنسي مدينة العريش ثم مدينة غزة ، إثر معركة ومقاومة شرسة شارك فيها السكان وحاميتي المدينتين ، وفي 7مارس/آذار1799 م سقطت مدينة يافا بعد مقاومةٍ جبَّارةٍ وباسلةٍ خاضها سكان وحامية المدينة ضد قوات نابليون ، وارتكب نابليون وجنوده أبشع الجرائم والأعمال قسوةً ووحشيةً ، فأعدَمَ ما يزيد عن ألفين من حامية يافا ، وآلاف الأسرى من الجنود والمدنيين بمجزرةٍ رهيبة ، ثم تابع نابليون وجيشه تقدمهم شمالاً عبر الساحل الفلسطيني لاحتلال مدينة عكا ، واخضاع واليها أحمد باشا الجزار (1775ـــــــ1804م) ، وواجهت جيش الإحتلال الفرنسي صعوبات جمّة وخسائر عسكرية كبيرة بالقرب من نابلس ، مما إضطر نابليون إلى إستقدام قوة دعم فرنسية وصلته من مصر بقيادة الجنرال كليبر عن طريق البحر ، فاستطاعت احتلال مدينة حيفا في 17/3/1799 م ، وبعد ذلك انضم نابليون وجنوده إلى قوة كليبر ، وتشكلت قوة مشتركة للغزاة الفرنسيين بقيادة نابليون وكليبر ، وتوجهوا نحو مدينة عكا لمحاولة إحتلالها واخضاع حاكمها.
حصار عكا، وهزيمة بونابرت ومشروعه الاستعماري : وصل الغزاة الفرنسيون يوم 19 مارس / آذار سنة 1799 إلى مشارف مدينة عكا وفرض الحصار حولها ، وعمل على قصفها بالمدفعية من الجهة الغربية ، وكان أحمد باشا الجزار قد حصّنَّ المدينة ، وبنى حولها أسواراً ضخمة ، وأعدَّ 250 مربضاً للمدفعية ، وشيد خندقاً حول الأسوار بعمق ثمانية أمتار ، وخزنَّ كميات كبيرة من العتاد والمؤن والمياه استعداداً للحصار، وطوّق نابليون عكا وضرب حصاراً حولها من جميع الجهات البرية يوم 23 آذار 1799 ، وكثَّفَّ القصف المدفعي من الجهة الشرقية والشمالية ــــــ الشرقية للمدينة ، وفشل نابليون وجنوده في اختراق أسوار المدينة المنيعة ، وتصدى أحمد باشا الجزار وحامية وسكان المدينة ببطولة فذَّة للغزاة الفرنسيين ، مما أرغم نابليون وجيشه على الإندحار مهزومين شر هزيمة بعد حصارهم لعكا الباسلة 62 يوماً ، من يوم 18/3/1799ــــــ وحتى يوم 21/5/1799 .
وبسبب الخسائر البشرية والمادية والعسكرية الفادحة التي تكبَّدها الغزاة ، ومقتل أكثر من ثلث أفراد الجيش الفرنسي ، قرر نابليون في 20 أيار/ مايو 1799 فك الحصار عن عكا ، وأمر جنوده برمي ما بقي معهم من قذائف على المدينة وأبنيتها وقصر أحمد باشا الجزار والمنطقة المحيطة به ، وعادوا أدراجهم إلى مصر عبر البحر ، بعد أن ألقوا بمدافعهم الثقيلة وعتادهم وأسلحتهم في قعر البحر تاركين عكا وفلسطين مهزومين مدحورين، وقد تلاشت جميع أحلام المجرم نابليون بونابرت باحتلال مصر وفلسطين وبلاد الشام واسطنبول والقضاء على الخلافة العثمانية ، وإقامة دولة وكيان يهودي صهيوني في فلسطين ، وقال مقولته الشهيرة : ( لقد أنستني عكا عظمتي ، لو سقطت عكا لغيرتُ وجه العالم ، فقد كان حظ الشرق محصوراً في هذه المدينة الصغيرة ) .
وغادر نابليون ميناء الإسكندرية سراً إلى فرنسا يوم 22 آب / أغسطس1799 م ، ووقّع نائبه وخليفته الجنرال كليبر يوم 24 كانون الثاني/ يناير عام 1800 على اتفاقية العريش مع الدولة العثمانية ، والتي نصت على جلاء قوات الغزو الفرنسية عن مصر ، وبعد بضعة أشهر من الإتفاق قتل البطل سلمان الحلبي المجرم كليب ، وتمت الهزيمة النهائية للفرنسيين في معركة بالقرب من الإسكندرية يوم 21 آذار/ مارس عام 1801 وتمّ جلاء القوات الفرنسية عن مصر إلى فرنسا، ورغم فشل الغزو الفرنسي لمصر وبلاد الشام ، إلا أنَّ تأثيرها مازال قائماً حتى اليوم .
تأثير الحملة الفرنسية : فضحت الجرائم الوحشية والأعمال البربرية والإعدام الجماعي للأسرى من الجنود والمدنيين التي قام بها المجرم الغازي نابليون بونابرت وجيشه البربري في مصر وفلسطين نواياه الإستعمارية التي حاول التستر عليها بزعم مساعدة الأقليات والشعوب المضطهدة كانت الحملة الفرنسية هي الحملة الأوروبية الغربية الإستعمارية الأولى ضد الشرق العربي والإسلامي منذ الحروب الصليبية ، وكان لها بالغ الأثر على المنطقة برمتها وتغيير أوضاع ، وبدأ التدخل الغربي والأوروبي في شؤون الدولة العثمانية مع نزول قوات الحملة الفرنسية في الإسكندرية عام 1798 ، وطليعة التحدي الغربي الحديث الذي شكَّل ومازال يُشكِل الخطر والتهديد الأكبر للأمة الإسلامية والعربية ، وبدأت المخططات الغربية والأوروبية لتجزئة المنطقة الإسلامية والعربية والتخطيط لتقسيم أملاك الدولة العثقماينة ، فيما عُرِف لاحقا بمشألة : (تقاسم أملاك الرجل المريض : أي الدولة العثمانية ) ، وعقب الحملة الفرنسية أصبحت فلسطين وعكا محط أنظار أوروبا والغرب ، وسباق التنافس والصراع الإستعماري بين الدول الأوروبية الكبرى ومركز الصراعات الدولية ، وخصوصاً بريطانيا وفرنسا للسيطرة والتأثير على الشرق الأوسط .
وكان نابليون أحضر مع قواته الغازية أول مطبعة بالحروف العربية إلى مصر ، وعدد كبير من العلماءوالجغرافيين والمؤرخين والخبراء والباحثين والإعلاميين وبعضهم من اليهود ، وكلف العلماء والخبراء والباحثين والجغرافيين والمؤرخين بدراسة وفحص وتحليل مختلف وجوه الحضارة المصرية والإسلامية والعربية ، وأسس لأجل ذلك ( معهد مصر) في القاهرة بعد احتلالها مباشرة ، وأجرى هؤلاء العلماء والخبراء مسحاً جغرافياً وميدانياً لمصر ، وراقبوا نهر النيل من أرض المنبع حتى المصب ، ورسموا خارطة جغرافية لمصر ، ودرسوا آثارها ، وفي العام 1799 م عثروا على ( حجر رشيد ) الشهير ، وتمكن العالم الفرنسي شامبيليون من فك وشرح الكلمات والرموز المكتوبة باللغة الهيروغليفية القديمة ، وجمع العلماء الفرنسيون نتائج أبحاثهم ودراساتهم في مؤلف ضخم أسموه ( وصف مصر) ، وصدر من باريس عام 1809.
وأدت الحملة الفرنسية الإستعمارية إلى مضاعفة النشاط اليهودي ، ولذلك دعى نابليون المجلس الأعلى لليهود إلى الإجتماع سنة 1806م من أجل إثارة حماستهم وأطماعهم ، وحثهم على مساندتهم له في احتلال الشرق الإسلامي والعربي ، وقد جدد الوعد بمنحهم فلسطين لإقامة وطن ً قومي لهم فيها .
الحركة الصهيونية :
الحركة الصهيونية هي أهم الحركات وأخطرها ، وقرينة اليهودية المزيفة مولدًا ومنشأً وفكراً وأهدافـاً وأسلوبـاً ، والتوراة المزعومة التي يتداولها اليهود والصهاينة هي مزورة ، ولاعلاقة لها بالدين اليهودي الذي أرسل الله سبحانه وتعالى به نبيه موسى ( عليه السلام ) إلى بني إسرائيل ، واليهود الحاليون ، ليسوا هم بني إسرائيل ، وليسوا من نسل إسحاق بن ابراهيم ( عليهما السلام ) ـــ كما يزعمون ـــــ ، وهي ليست فكرة جديدة وليدة القرن الماضي ، أو ما قبله من القرون ، ولكنها وليدة الفكر والمشروع اليهودي التلمودي المنحرف ، واهي حركة سياسية استغلت الدين اليهودي ، وزعمت كذباً وزوراً وبُهتاناً ، أنَّها تدعو إلى : ( تكوين أمّة يهودية ، وتنادي بحق هذه الأمة بتكوين كيان لها على أرض «إسرائيل» التاريخية كما ذكرت في التوراة ) ، ونشأت الصهيونية كحركة سياسية استيطانية مرتبطة بالحملات الأوروبية والاستعمارية ، ومتأثرة بنمو النزعة القومية في أوروبا، واشتق المفكر الصهيوني ناثان بيرنباوم مصطلح ( الصهيونية) بمدلولها السياسي الحديث في مقالته الصادرة باللغة الألمانية : ( التحرر الذاتي ) التي نشرها في العام 1890 ، وكتب الصحافي اليهودي الصهيوني النمساوي الأصل ثيودور هرتزل (1860ـــــ 1904م) ، في العام 1896 مقالاً بعنوان : ( الدولة اليهودية) ، ودعى في العام التالي 1897 إلى عقد مؤتمر لليهود في مدينة بال بسويسرا ، حيث تم الإعلان رسمياً عن تأسيس ( الحركة الصهيونية العالمية ) ، كحركة سياسية يهودية تسعى إلى إقامة كيان يهودي صهيوني على أرض فلسطين التاريخية ، وتم تعيين هيرتزل رئيساً لها ، ومنذ ذلك الحين تركّزت جهود الحركة الصهيونية من أجل تحقيق هذا الهدف ، ووضع هرتزل كتابـًا بيَّن فيه أهدافها التي تتلخص في : ( جمع اليهود وتوطينهم في دولةٍ يهوديةٍ خالصة وخاصة ) ، وساعد هرتزل في تأسيس حركته الصهيونية الإرهابية ، كُتَّاباً كباراً من اليهود الصهاينة مثل ماكس نوردو ، وإسرائيل ذا نجويل ، واختلفت عند نشأتها على مكان إقامة الدولة ، وتكثفت وتضاعفت وتواصلت الجهود الصهيونية مدعومةً من الغرب الصليبي لاغتصاب فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني فوقها أرضها الطاهرة .
وكان الهدف الإستراتيجي الأول للحركة الصهيونية دعوة الدولة العثمانية في العام 1844 م بالسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين والإقامة بها ، وألَّحَت الحركة الصهيونية على الدولة العثمانية وطالبتها مراتٍ عديدةٍ بالسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين ، ولكنَّ السلطان عبد الحميد الثاني رفض ذلك بشدة ، فعرضوا عليه بيع بعض الأراضي الفلسطينية لليهود ، ولكنَّه أيضاً رفض ذلك رفضاً تاماً ، بل وأصدر فرماناً / مرسوماً سلطانياً ، جعل فيه فلسطين تتبع للآستانة وللصدر الأعظم / رئيس الحكومة مباشرةً ، ولذلك تآمرت الحركة الصهيونية مع بريطانيا والعديد من الدول الأوروبية والغربية على دعم وتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين ، ومن أجل ذلك الهدف عقد أول مؤتمر صهيوني في مدينة بال السويسرية في العام 1897 ، وبدأت فعلياً عمليات التسلل اليهودية والهجرة إلى فلسطين منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر بأعداد قليلة منذ النصف الثاني ، وتزايدت موجات الهجرة وأعداد المهاجرين الصهاينة تدريجياً ، وتولى مكتب الإمبراطور الألماني مساعدة اليهود بالتسلل والهجرة إلى فلسطين.
وحاول هرتزل استغلال سماحة الإسلام التي كان اليهود يعيشون في ظلها ، وسعى إلى محاولة استدرار وكسب عطف السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ( رحمه الله ) ، حينما قابله في مايو/آيار 1901م ، وفي أغسطس/آب 1902م حاول إقناعه بالمال والإغراءات ، ولكنَّ السلطان العثماني رفضها جميعاً ، وفشلت كافة محاولات هرتزل ، فعاد ليمارس ضغوطه على الإنجليز ، وأقنعهم بدعم اليهود لإقامة دولة لهم في شبه جزيرة سيناء ، غيرَ أنَّ ندرة الماء حالت دون المضي في هذا المشروع ، ثم عَرَضَ عليهم هرتزل إقامة دولة يهودية في أوغندا فقبلوا الفكرة ، ولكنَّ المؤتمر اليهودي السادس الذي انعقد في سنة 1903م رفض هذا المشروع ، وأصرَّ على فلسطين لإقامة الوطن القومي لليهود فيها ، ومات هرتزل وفي نفسه غصة لعدم قبول مشروع إنشاء وطن قومي اليهود في أوغندا .
وأخذ الصهاينة أفكاراً عديدة على محمل الجد ، وكانت تلك الأفكار ترمي إلى إقامة الوطن القومي لليهود في أماكن أخرى غير فلسطين، وكانت الأرجنتين أحد الدول المختارة لإقامة الكيان الصهيوني ، وفي العام 1903 عرض هيرتزل على المؤتمر الصهيوني السنوي بإقامة الكيان الصهيوني في كينيا ، ما حدا بالمندوب الروسي إلى الانسحاب من المؤتمر ، واتفق المؤتمر الصهيوني على تشكيل لجنة لتدارس جميع الأُطروحات بشأن مكان الدولة ، أفضت إلى اختيار أرض فلسطين التاريخية .
وأخطر ما تمخَّضَّ عن الحركة الصهيونية الحديثة ، المؤتمرات السنوية التي تنعقد كل عام في بلدٍ من بلاد العالم ، وتضم كبار شياطين اليهود الصهاينة الذين يطلق عليهم لقب ( الحكماء) ، وكانَ أول هذه المؤتمرات وأهمها مؤتمر بال في سويسرا عام 1897م ، واتخذ هذا المؤتمر قرارات علنية وسرية ، أما العلنية فخلاصتها تأسيس دولة لليهود في فلسطين ، وأما السريَّة فقد تسرَّبَت عن طريق مراسل جريدة ( مورننج بوست ) اللندنية في روسيا في أوائل القرن العشرين ، والتي عُرِفَت باسم ( مقررات حكماء صهيون ، أو برتوكولات حكماء صهيون) .
وتركّزت وتكثَّفَت الجهود على فلسطين لإنشاء الكيان الصهيوني ، ثم انتهجت سبيل الهجرة بأعداد صغيرة ، ، وأسست الحركة الصهيونية ( الصندوق القومي اليهودي) في العام 1901، ثم( البنك الأنجلو ــــــــ فلسطيني ) في العام 1903 ، وأيقنت الحركة الصهوينة منذ البداية أنَّ الفلسطينيين سيُشكِّلون العائق الأكبر أمام تحقيق طموحاتهم الإستعمارية ، ولذلك أنشأت بدعمٍ من الإستعمار والاحتلال البريطاني والغربي العديد من العصابات الصهيونية الإجرامية الإرهابية المُسلَّحة لترويعهم وإرهابهم وتخويفهم وارتكاب الجرائم والمذابح المُنَّظمة بحقهم ، ودفعهم للفراروالهروب من قراهم ومدنهم وحقولهم ومصانعهم وبيوتهم ، وتآمرت الحركة الصهيونية وعصاباتها الإجرامية على الفلسطينيين بالتعاون مع بريطانيا والدول الإستعمارية الغربية مع بعض حكام وملوك المنطقة العربية ، وتمكَّن اليهود بدعمٍ من بعض الدول الأوروبية والغربية من شراء مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية الواقعة في مناطق الشمال والمروج والسهول الخصبة من بعض العائلات الإقطاعية المارونية اللبنانية ، والمسيحية السورية التي كانت تمتلكها شمال فلسطين .
إتفاقية سايكس ـــ پيكو :
لكي يتم تمهيد الطريق عملياً أمام عصابات المرتزقة الصهاينة المجرمين القادمين من شتى بقاع الأرض للإستيطان في أرض فلسطين العزيزة ، كان لابد للإستعمار الغربي ( التحدي الغربي الحديث ) ، أن يعم على تمزيق أواصر وحدة الأراضي العربية والإسلامية ، وتفكيك التواصل الجيوسياسي والديمغرافي بين شعوب المنطقة العربية والإسلامية ، وصناعة كيانات سياسية وجغرافية جديدة ، والقضاء على الخلافة الإسلامية ، وزرع بذور الفتن والخلافات الطائفية والمذهبية والإثنية والعرقية في المنطقة ، والعبث بخصوصيات وتقاليد وأعراف وروابط الشعوب ، ووضع القنابل الموقوقتة القابلة للإنفجارفي كل وقتٍ وحين في نطاق الحدود الجديدة التي عمل على صناعتها مشرط المستعمر الغربي ، فلم يراعِ خصوصيات الشعوب والقبائل والعشائر وصلات القفربى والنَسَب ، بل تم تقسيم القبيلة والعشيرة الواحدة بفعل التقسيم الجيوسياي والديمغرافي الجديد ، لتصبح القبيلة والعشيرة وأحياناً العائلة والأسرة الواحدة على أكثر من إقليم جغرافي وسياسي جديد ، وأوجد الإستعمار والتحدي الغربي البغيض كافة عوامل الفتن والتفكك والتمزق ، بل والتَّشظِّي في المنطقة العربية والإسلامية ىالمنكوبة ، والأمثلة كثيرة ، وليس المجال هنا لحصرها وتوضيحها ؛ إنَّما كان الهدف الرئيس تمزيق أواصر الأمة جغرافياً وديمغرافياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً ثم دينياً وثقافياً وفكرياً ، وذلك كخطوة رئيسة وأساسية نحو توفير كافة السبل لتمهيد الطريق أمام عصابات المستعمرين اليهود الصهاينة للتسلل نحو فلسطين ، وطرد اصحابها التاريخيين الشرعيين ، واحتلالها ، ثم إقامة دولة الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها ، ولأنَّ تفكيك الأمة العربية والإسلامية هو الخطوة الرئيسة نحو اقامة الكيان الصهيوني ، فإنَّ إقامة الكيان الصهيوني ، هو الخطوة التالية والهامة والإستراتجية في مخططات وأهداف التحدي الغربي الحديث ، لضمان استمرار تفكك وتمزق الأمة ، وعدم توحدها ، ومع أي تواصل جيوسياسي وديمغرافي فيما بينها .
ومن أجل تلك الأهداف والمخحططات الإستراتيجية الإستعمارية الخبيثة ، فقد تم توقيع هذه الإتفاقية عام 1916بين فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية من جل أجل اقتسام مناطق الدولة العثمانية ، وتم التوصل إليها بين شهري أبريل/ نيسان ، ومايو/ آيار 1916م ـــــــ 1334هـ على صورة تبادل وثاثق بين وزارات خارجية الدول الثلاث ، وتم الكشف عن الإتفاق بوصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا، مما أثار وأغضب الشعوب التي تمسها الإتفاقية ، وخصوصاً العرب والمسلمين ، وتم تقسيم مناطق الدولة العثمانية بموجب الاتفاق بحيث حصلت روسيا على القسطنطينية (إسطنبول) والسيطرة على ضفتى البوسفور ومساحات كبيرة في شرق الأناضول في المناطق المحاذية للحدود الروسية التركية، وحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من بلاد الشام وجزء كبير من جنوب الأناضول ومنطقة الموصل في العراق وتونس والجزائر وغيرها من البلاد العربية والإسلامية وخصوصاً في أفريقيا ، أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي وفلسطين والأردن ، والإتجاه شرقاً لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج الفارسي ( العربي ) ، والمنطقة الفرنسية ، كما تقرر أن تقع فلسطين والمنطقة التي اقتطعت فيما بعد من جنوب سوريا تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية ، ولكن الاتفاق نص على منح بريطانيا مينائي حيفا وعكا ، على أن يكون لفرنسا حرية إستخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا بريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الإسكندرونة، الذي كان وقع تحت سيطرتها .
وعد بلفور المشئوم : اتفقت كلاً من بريطانيا وفرنسا عام 1916 ـــــ بصفتهما القوَّتين الاستعماريتين الغربيتين الكبريتين ـــــ ، مع روسيا القيصرية ، على توقيع معاهدة سايكس / بيكو لتقاسم وتمزيق وتفتيت وتجزئة أملاك الرجل المريض ، أي الولايات والبلدان التابعة للدولة العثمانية ، وعلى رأسها البلاد العربية والإسلامية ، مما نتج عنها إحتلال بريطانيا لفلسطين ، تمهيداً لتسليمها للعصابات اليهودية الصهيونية الاجرامية ، لإقامة دولة الكيان الصهيوني مكانها ، وطرد وتهجير العرب الفلسطينيين من وطنهم التاريخي ...
ومن أجل تسهيل وتسريع وتيرة الهجرة الإستعمارية اليهودية إلى فلسطين ، وتوفير جميع أشكال الدعم الغربي للصهاينة لإغتصاب فلسطين فقد منح وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور( اليهودي ) في الثاني من نوفمبر / تشرين الثاني1917 وعده الملعون والمشئوم للحركة الصهيونية ، والذي أعلن فيه عن : ( إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ) .
وإثر هزيمة وتفكيك الإمبراطورية والخلافة العثمانية في العام 1918 ، ثم مصادقة عصبة الأمم في العام 1922 على فرض الإنتداب البريطاني على فلسطين ، كثَّفت الحركة الصهيونية جهودها وجرائمها الوحشية وإعتداءاتها ، من أجل إنشاء الكيان الصهيوني الإستعماري في فلسطين ، وجمعت لأجل ذلك الكثير من الأموال والأسلحة والمعدات والتجهيزات والذخائر اللازمة ، مما أدى إلى زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين المستعمرين الصهاينة إلى فلسطين ، وتضاعفت الهجرة اليهودية عقب تولي أدولف هتلر حكم ألمانيا، وخصوصاً أنَّ الولايات الامريكية المتحدة منعت اليهود من الهجرة إليها.
ومع ارتفاع أعداد المهاجرين اليهود الصهاينة إلى فلسطين، ارتفع في المقابل مقدار وشكل ومستوى الغضب والغليان الفلسطيني والعربي والإسلامي من جريمة الهجرة اليهودية المنظمة.
مقاومة وثورات فلسطينية متواصلة منذ مطلع القرن العشرين:
منذ تأسست الحركة الصهيونية والمشروع الصهيوني الحديث في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بال بسويسرا عام 1887 ، والشعب الفلسطيني ومعه أشقاءه من مصر وبلاد الشام والعراق وغيرها من البلدان العربية والإسلامية ، وهو في ثورةٍ ومقاومةٍ مستمرة ومتواصلة للتصدي للمشروع الصهيوني ، وللمخطط الغربي / الصليبي /اليهودي الصهيوني ، لاحتلال فلسطين ، ومنحها للعصابات اليهودية الصهيونية القادمة من خلف البحار والمحيطات ، لإقامة وطناً قومياً لهم فيها ، على أنقاض أصحابها الشرعيين التاريخيين ، الذين بذلوا ، ومازالوا يبذلون بحاراً من الدماء دفاعاً عنها وعن مقدساتها ، منذ الحملات الصليبية والإحتلال الصليبي لفلسطين وبيت المقدس ومساحات كبيرة من بلاد الشام ، وقد تزايدت وتضاعفت مقاومة وثورات الفلسطينيين والعرب والمسلمين دفاعاً عن بيت المقدس وفلسطين ، عقب بدء مؤامرة موجات الهجرة اليهودية الصهيونية السرية والعلنية إلى فلسطين الحبيبة ، منذ مطلع القرن الماضي ، وحتى هذا الساعة ، فالفلسطينييون وحدهم قدموا على مدار أكثر من مائة عام مالايقل عن مليون شهيد وجريح ، بينما قدمت الشقيقة الكبرى مصر منذ بدأ المخطط الصهيوني / الغربي لاحتلال فلسطين أكثر من مائة ألف شهيد ، وخاضت حروبها جميعاً ضد العدو الصهيوني ، إلى جانب الفلسطينيين ومن أجل فلسطين ، ومن أجل تحرير أرضها العزيزة شبه جزيرة سيناء ، التي احتلها العدوالصهيوني عام1967 ، إلى جانب أجزاء عزيزة من أراضي الأشقاء سوريا ولبنان والأردن ، الذين قدموا هم أيضاً مئات آلاف الشهداء والجرحى ، على طريق التصدي للكيان والمشروع الصهيوني ...
ومازال الشعب الفلسطيني ورغم مرور أكثر من 130 عام على تأسيس المشروع الصهيوني ، و70عام على تأسيس واقامة الكيان الصهيوني الاستعماري السرطاني ، يخوض الثورات تلو الثورات ، والانتفاضات والهبَّات تلو الهبَّات ، ومقاومة تتلوها مقاومة ، ونفذَّ عشرات آلاف العمليات الفدائية البطولية ، وهاهو يواصل تقديم التضحيات الجليلة ، ويستمر في مقاومته بلحمه الحي وعظامه ودماء أروع أبنائه ، من أجل التصدي المؤامرات والمخططات الشيطانية التي تسعى قوى تحالف الشر الكبرى في العالم / حاضنة وداعمة وراعية وحامية وحارسة الكيان الصهيوني الشيطاني المجرم ، من أجل تصفية القضية الفلسطينية ، واذابة وطمس الهوية والكيانية والديمغرافيا والجغرافيا الفلسطينية ...
ويواصل الفلسطينييون الأبطال / جوهرة الشرق والعالم تقديم الشهداء والجرحى والأسرى أفواجاً أفواجأً ، دفاعاً عن أرضهم المقدسة ، ودفاعاً عن كيانهم الجيوسياسي /الحضاري وحقهم التاريخي والمشروع ، ودفاعأً عن وجودهم وبقائهم وهويتهم وتاريخهم وتضحياتهم المجيدة ووطنهم الغالي المبارك ، وأيضاً دفاعاً عن كرامة الأمة الإسلامية والعربية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية وقبلتها الأولى ومسرى نبيهم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ...
وهاهو العالم أجمع يرى على شاشات التلفاز كيف يخرج الفلسطينييون المدنيون السلميُّون العزَّل يتصدون لأعتى أسلحة الإجرام والشر والتوحش والدمار الأميركية / الصهيونية ، يدافعون عن حقهم في الحياة والبقاء والرباط فوق ترابهم الوطني الطاهر ، وبنفس الوقت يرى العالم ويشاهد عمليات الإعدام والقتل المنهجية ، التي ينفذها على الهواء مباشرةً ، جيش الاجرام والتوحش والإفساد الصهيوني ، الذي يزعم أنه أقوى جيش في الشرق الأوسط ، ضد الأطفال والنساء والرجال والفتيان والشيوخ والأطباء والمسعفين والمسعفات والصحافيين...
وقد فرض وسيفرض الشعب الفلسطيني بدماء أطهر وأروع وأعظم أبنائه وبناته وعذابات أسراه معادلة النصر ، الذي لابد وأن يتحقق ـــ إن شاء الله ــــ معادلة : الدم الذي هزم وسيهزم سيف البغي والعدوان والتوحش والإفساد والعلو اليهودي الصهيوني ... هذا الشعب العظيم الذي لم ، ولن يهُن في مواجهة المحتل الغاصب المجرم ، ومواجهة كافة مخططات الادارة الأميركية الصهيونية لتصفية قضيته العادلة ... ولابد ـــ بإذن الله تعالى ـــ من أن يكون النصر والفوز حليفه.
ولأنَّ المجال لايتسع هنا في سياق هذه الدراسة ، لسرد التفاصيل التاريخية عن الثورات والمقاومة المستمرة للشعب الفلسطيني في مواجهة التحدي الغربي الحديث (التحالف الغربي الصليبي / الصهيوني ) ، والتصدي المتواصل للمشروع والكيان الصهيوني ، فنحن على وعدٍ ـــــ بإذن الله ـــــ ، وفي سياق البدء بصياغة الرواية الفلسطينية / العربية / الإسلامية للصراع الفلسطيني والعربي والإسلامي / الصهيوني ، لأفراد دراسة تفصيلية تنشر لاحقاً عن مراحل النضال والمقاومة والثورة والكفاح الفلسطيني المتواصل ، والذي لن يتوقف ـــــ بمشيئة الله تعالى ــــ حتى تحرير آخر شبرٍ من أرض فلسطين الحبيبة ، وعودة آخر لاجئ فلسطيني إلى وطنه المبارك ، وتحرير آخر أسير من سجون العدو، الذي حتماً هو إلى زوال ، نعم الكيان الصهيوني ، هو ـــ بإذن الله ــــ إلى زوال ، وهذا ماوعدنا الله به ، وماوعدنا به القرآن الكريم، والنبي العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهذا ما نفهمه ونعيه من دروس التاريخ ، والواقع ، فهذه الأرض المباركة كانت وستبقى لنا وحدنا... نعم وحدنا .. ( وما النصر إلا من عندالله ) .... وللحديث في هذا السياق بقية وتفصيل.