د. جمال جبابة يكتب لـ(اليوم الثامن)

الجغرافيا السياسية التي لا تراقبها هرجيسا

 يشهد المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي تحولات متسارعة. غير أن قيادة صوماليلاند تبدو، إلى حدٍّ كبير، غير منخرطة في متابعة هذه التطورات وما قد يترتب عليها من تداعيات. وفيما يلي عرض موجز لعدد من التغيرات الجوهرية التي تستدعي اهتمامًا وثيقًا.

إثيوبيا ومصر والسودان

أُفيد بأن الولايات المتحدة، عبر وزير خارجيتها ماركو روبيو، طلبت من إثيوبيا المساهمة بقوات عسكرية في إطار قوة الأمن الدولية الناشئة الخاصة بغزة. وفي حال تَحقُّق هذا المقترح، ستُنشر القوات الإثيوبية على حدود مصر، في مفارقة لافتة، إذ كانت مصر قد هددت إثيوبيا سابقًا بحشد قواتها في الصومال قرب الحدود الإثيوبية.

كما يُوصَف على نطاق واسع أن إثيوبيا تحافظ على علاقات ودية مع قوات الدعم السريع (RSF)، التي تسيطر حاليًا على أراضٍ قريبة من الحدود الشمالية للسودان. وقد يتيح هذا التطور لإثيوبيا وصولًا غير مباشر إلى الحدود الجنوبية لمصر عبر السودان.

غالبًا ما تُقدِّم التغطيات الإعلامية الصراع في السودان بوصفه مواجهة ثنائية بين القوات المسلحة السودانية (SAF) وقوات الدعم السريع. غير أن هذا التصوير مُضلِّل. فالواقع أن كلا المعسكرين عبارة عن تحالفات رخوة تضم مجموعات مسلحة متعددة، لكل منها أهداف سياسية وحسابات استراتيجية مختلفة، وهو ما يخلق حالة من التفكك تُعقِّد إلى حدٍّ كبير أي تسوية قابلة للحياة للأزمة السودانية.

شبه الجزيرة العربية وجنوب الجزيرة العربية

على صعيد شبه الجزيرة العربية، رسَّخ المجلس الانتقالي الجنوبي (STC) سيطرته على مساحات واسعة من حضرموت والمهرة. وهو يعمل بشكل متدرج على توسيع نفوذه عبر الأراضي التي كانت تُعرف سابقًا بجنوب اليمن، والتي بات يُشار إليها بشكل متزايد باسم جنوب الجزيرة العربية (الجنوب العربي).

وبالنسبة للمراقبين الذين يتساءلون عن أسباب الجمود في الحرب ضد الحوثيين، فإن تقارير حديثة لوسائل إعلام يمنية تقدم تفسيرًا مقنعًا. إذ إن عددًا من الشخصيات البارزة في الحكومة المنفية، التي يهيمن عليها حزب الإصلاح وشبكات جماعة الإخوان المسلمين، تربطهم صلات عائلية وثيقة بالحوثيين، بما في ذلك أقارب يقدّمون دعمًا مباشرًا للحركة أو يشاركون فيها.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك عائلة الأحمر، الزعامة التقليدية لتحالف قبائل حاشد؛ فبينما يتولى بعض أفرادها مناصب رفيعة في الحكومة المنفية، ينخرط آخرون بعمق في صفوف الحوثيين. وبالمثل، ترتبط عائلات قيادات عسكرية بارزة في حزب الإصلاح، مثل القائد العسكري علي محسن الأحمر، بعلاقات مع الحوثيين. كما يُقال إن شقيقين لصالح المقالح، رئيس هيئة الأركان لدى الرئيس اليمني رشاد العليمي، مرتبطان بالحركة.

ويعيد هذا النمط إلى الأذهان الحرب الأهلية اليمنية بين عامي 1962 و1970، حين كانت الولاءات تتبدل باستمرار بين الملكيين والجمهوريين، وهو ما لخصته العبارة الشهيرة: «جمهوري بالنهار، وملكي بالليل». وقد ضمنت هذه الازدواجية في الولاء البقاء، لكنها حالت دون حسم الصراع.

في هذا السياق، حيث تتشابك عائلات القادة المناهضين للحوثيين في الوقت نفسه مع الحوثيين، لا يبدو مستغربًا أن تصل الحرب إلى حالة من الجمود. كما لا يُستغرب أن يتزايد رفض الجنوبيين لسلطة نظام سياسي مُخترق ومُقوَّض على هذا النحو، وأن يتجهوا بدلًا من ذلك إلى رسم مصيرهم الخاص كجنوب عربي مستقل.