نهى البدوي تكتب لـ(اليوم الثامن):

ملائكة.. لكنهم بلا رحمة

أجبرني تدهور الحالة الصحية لوالدتي خلال الأيام الماضية على التنقل برفقتها بين المستشفيات العامة، والخاصة، وعيادات الأطباء، ووجدت نفسي أثناء ترددي معها على المستشفيات، أعيش بين مآسي مختلفة الأسباب لمرضى يُرثى ويشفق لحالاتهم الصحية، وأوضاعهم المادية، كلاً منهم له قصته ومعاناته، بعضها اعتيادية يمكن حدوثها في أي بلد، خاصة كاليمن الذي يعاني من شحة الامكانيات، وافتقاره للوسائل والمستلزمات الطبية، وقلة توفر الأطباء ذوي التخصصات النادرة، وبعض مشكلاتهم الصحية ومآسيهم ترجع لأسباب، ودوافع تقشعر لها الأبدان.

    ليس تجاهلاً منا الإغفال عن مثل كهذا قضايا ومشكلات تؤرق المجتمع، وتتسبب في مخاطر كبيرة للمواطن وعدم تناولها وتسليط الضوء عليها، لكن ربما يعود السبب لعدم التقرب والبحث عن تفاصيلها ومعايشتها عن قرب؛ لتتضح الرؤية الكاملة حول الحقيقة المؤلمة التي يجهلها الكثيرون عن بعض من ننعتهم بملائكة الرحمة، ونستأمنهم على أرواحنا ونسلمها لهم.

     ما سمعته في رواياتهم فاق توقعاتي، ولم أكن متصورة أن تصل ضمائر الأطباء، والجشع وإهمالهم لمرضاهم إلى المستوى الذي شاهدته وسمعته منهم، أو أن تتحّول مهنة الطب الإنسانية إلى مهنة تجارية دون شفقة أو رحمة ومراعاة ظروف المرضى، لقتل أرواحهم بسبب الإخطاء الطبية الناتجة عن الجشع، والإهمال، والتشخيص الطبي الخاطئ، أو الدفع بالمريض لإجراء عمليات جراحية لا تستدعي حالته الصحية حاجتها، ما شاهدته يجعلني أوفق القول المتداول بين المرضى " أن بعض المواطنين يدخلون المستشفيات وهم أصحاء ولا يغادرونها إلا وهم جثث أو مبتوري الأعضاء".

    عند سماعي ما حملته قصة كل مريض من  أوجاع ومآسي هانت علي مصيبتي وحالة والدتي أطال الله عمرها، وإني أستمع و أنظر في وجوه الضحايا ، وعدم اعتراف من نطلق عليهم بملائكة الرحمة بما ارتكبوه من ذنب في حياة المرضى، وإصرارهم على أن المريض وحدة هو المتسبب في المضاعفات التي حدثت لحالته المرضية، بينما في الواقع هي ردود تحجب عنه الحقيقة، بدافع مقصود حتى لا يتحمل الطبيب أو المستشفى تبعات إهمالهم واتجارهم بحياة المرضى لإبقاء صورهم في نظر المجتمع على أنهم ملائكه للرحمة ومعصومون من الخطاء، تذكرت الدكتور السعودي حسين الخضيري الذي بكى قبل اسابيع على الهواء، أثناء حديثه على قناة المجد الفضائية عن موت فتاة من جازان بسبب خطأ طبي لم يجري لها الأطباء الفحوصات والأشعة اللازمة، وتحسرت على وطني الذي صار فيه حياة الانسان كأنها سلعة للمتاجرة، وأصبح من لا يموت فيه بآلة الحرب والإرهاب، وانتشار السلاح، لا ينجو من الأخطاء الطبية القاتله، وكنت أتساءل مع نفسي، متى سيبكي الطبيب اليمني ضحيته؟! وأخر تلك الضحايا الطفل أحمد عبد الرحمن والطفلة البتول، وآخرين في المستشفيات الخاصة والحكومية بصنعاء، ووفاة طفل آخر بسبب خطأ طبي أثناء تلقيه العلاج في أحد مستشفيات عدن جنوب اليمن، بحسب ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، وقبلها وفاة مريض بالفشل الكلوي بسبب نقل له دم ملوث بفيروس الايدز أثناء الغسيل بالمستشفى الجمهوري بعدن، وحالات كثيرة في صنعاء وعدن وتعز ومعظم المحافظات اليمنية، لا يُعلن عنها ذوي الضحايا.

    ذاع صيت وشهرة الأطباء اليمنيين العاملين في الخارج؛ لتميزهم بالخبرة والأمانة، والتزامهم الأخلاقي في مزاولتهم لمهنة الطب، وأصبحت سمعتهم في بلدان الخارج فخراً لليمن واليمنيين، لكن للأسف نتساءل لماذا يختلف الوضع في الداخل في بعض «الدكاكين» المستشفيات والمرافق الصحية؟ أم أن الرحمة انتزعت من قلوب بعض الأطباء، وتحولت المستشفيات إلى ملاحم للجزارين وورش للنجارة والحدادة، وصار فيها ملائكة اليمن بلا رحمة.