نهى البدوي تكتب لـ(اليوم الثامن):
هل معياد المُنقذ المنتظر؟
وكأن شعاع الأمل الذي يُشع من نظراته ينطلق من أُعين مريض وجد أخيراً الطبيب المختص لعلاج حالته الصحية، بعد أن فقد الأمل لإنقاذ حياته، هكذا تبدُ لنا نظرة المواطن اليمني يكتسيها الأمل عند حدوث أي هبوط لسعر العملات الأجنبية أمام الريال اليمني، نظرات لم تعد تبحث إلا عن منقذ له ولحياة أطفاله الغلاء المعيشي ومن خطر نتائج الأزمات والمشكلات التي تدمر المجتمع بسبب الحرب، هكذا كانت نظراته تستقبل أي تغيير في رئاسة البنك المركزي اليمني وآخرها تعيين حافظ فاخر معياد وتعيينه رئيساً له، الذي يراه الكثيرين مُنقذاً للريال اليمني في ظل خشية آخرون من تكرار فشل من سبقوه ويتحول المنقذ إلى مُدمر.
سنجافي الحقيقة إذا لم نعترف مع ذواتنا بأن البنك المركزي اليمني كان ولا زال أحد محاور الصراع بين الأطراف المتحاربة في اليمن، حتى بعد تم إفراغه تماماً من الاحتياطي النقدي الأجنبي، حيث تحوّلت فروعه إلى أوعية مثقوبة، وممولة لاستمرار الحرب، ومنابع للفساد وأثارة الفوضى المالية، ووقعت بعض قياداته تحت تأثير المتحاربين، وتم استغلاله من قبلهما لضرب بعضهما البعض على حساب الأضرار بالمواطن ومعيشته، وتؤكد تقارير الأمم المتحدة أن الأزمة الإنسانية في اليمن هي "الأسوأ في العالم" ويحتاج نحو 24 مليون شخص، في اليمن لمساعدة غذائية أو حماية، بينهم 14.3 مليون شخص بشكل عاجل، نتيجة الحرب والنزاع بين الحكومة "الشرعية" المعترف بها دولياً والمدعومة بتحالف عربي عسكري تقوده السعودية، وجماعة الحوثيين (أنصار الله) المدعومة من إيران، والتي تسيطر على العاصمة صنعاء وأغلب المناطق شمالي البلاد ذات الكثافة السكانية، وبحسب منظمة الصحة العالمية يعاني أكثر من ٧ ملايين شخص- ما يقارب ربع عدد السكان في اليمن- من سوء التغذية، منهم من يعاني من سوء التغذية الحاد، حيث أن ٢ ملايين طفل دون سن الخامسة ممن يعانون من سوء التغذية و ١.١مليون من النساء الحوامل والمرضعات بحاجة إلى المساعدة العاجلة للبقاء على قيد الحياة.
إنقاذ العملة من التدهور يرتبط بتنفيذ سياسات داخلية وحسابات خارجية لا يستبعد تأثير مجريات الحرب عليها، وباستعادة الدورة النقدية، وثقة البنك المركزي اليمني بالخارج، واتخاذ حزمة من الإجراءات الصارمة لتوريد العائدات وإعادة فتح الحسابات له في الدول والبنوك الخارجية، وتنشيط دور الرقابة المصرفية، وطمأنة المانحين لتحويل المنح عبره، كما يتطلب كوادر بقدرات تخصصية تعمل بما يرضي الله تعالى في هذا الشعب المظلوم، وبما تمليه عليهم ضمائرهم لإنقاذ المجتمع.
لا يزال اليمن يحصد أخطاء سياسة إخضاع الوظيفة العامة، وإدارة المؤسسات المالية والاقتصادية، لمعايير الولاء للسلطة والانتماء السياسي، والجغرافي والقبلي، الذي أفقد الكوادر اليمنية، وذوي الاختصاصات العلمية النادرة المشهود لها بالكفاءة والنزاهة، حيادتها المهنية، وعطائها العملي، وهذا أحد أسباب فشل محاولات الحكومات السابقة للنهوض التنموي والاقتصادي والعلمي في اليمن، في وقت نهضت فيه البلدان التي هاجر إليها الكادر اليمني في الخليج وشرق آسيا، وبقية المجتمعات التي احتضنته، وهذا سر السمعة الطيبة والاحترام لأبناء حضرموت وعدن وتعز وكل اليمن في الخارج.
ليس ظهور النتائج الإيجابية السريعة، هو الدلالة على نجاح الكادر المتخصص في عمله، لمعالجة أي أزمة أو مشكلة كتدهور العملة اليمنية، قد يكون هذا نجاح مؤقت أو حقنة مخدرة للشعب، إذا لم تكن هذه النتائج قادرة على إحداث تغيير مستمر على الواقع العملي، فتحقيق النجاح الملموس للمواطن بإنقاذ وضعه المعيشي والإنساني من الغرق هو الفيصل والحكم على هذا عمل الكادر أو ذاك وتسميته بالمُنقذ أو المُدمر لحياتهم، فالكادر الرافض للإملاءات الحزبية والسياسية المدمرة للاقتصاد الوطني، هو من سينتصر لعمله وتخصصه المهني، وستنظر له كمُنقذ لنا. فهل حافظ معياد المُنقذ المنتظر؟