نهى البدوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
لن نصنع بتعصبنا إلا مجتمعًا متطرفاً
شدتني حالة الندم التي أبداها احمد الحفناوي في مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي ورفضه تكرار كلمته الشهيرة "هرمنا" التي أشعلت حماس الشباب التونسي والعربي وتأييدهم للثورة في جميع دول الربيع العربي ومنها اليمن، للتأمل بحسرة في حالة الانكسار الذي انكسر معها حلم الشباب العربي، ولواقعنا اليمني الأكثر تعقيداً من الواقع التونسي لتحقيق أحلامنا، وللشعور بأشد الندم ونحن نرى ملامح ظهور النتائج المتوقعه من تسلح الشباب والأطراف السياسية بالتعصب، وجعله كالديناميكا التي تحرك به الشارع لتحشيد الشباب خلف مشاريعها التي اختلفت وتنوعت بتنوع تعصبها وأسقطت الجميع في مستنقع التعصب الذي لن يزول ضرره بنهاية الحرب، لأننا لن نجن من ممارسته إلا تنشئة مجتمعًا متطرفاً.
يمكن تعريف التعصب بأنه الشعور الداخلي للإنسان الذي يجعله متمسك بمعتقداته وأفكاره وقناعاته، وعدم التراجع أو العدول عنها مما يجعله يتشدد في التعامل مع أبسط القضايا لرؤية نفسه أنه دائما على الحق، ويرى الآخر على الباطل بلا حجة أو برهان، ويظهر هذا الشعور بصورة ممارسات ومواقف متزمتة ينطوي عليها احتقار الآخر، وعدم الاعتراف بحقوقه وإنسانيته ويسيطر على شخصه وحريته وينجر خلف الأشخاص المقتنع بأفكارهم، حتى وأن كانت باطلة، وتتعدد أضرار التعصب بتعدد أنواعه حيث تفسد الوصول إلى الحق وتُحرم الأفراد والمجتمع من التقدم والرقي، وتذكي النزاعات وتطيل أمد الحروب، وتقطع النسيج الاجتماعي، وتوسع هوة الخلافات، وتقلل فرص التوصل للحلول الناجعة للمشكلات، ويؤدي التعصب في الغالب إلى انتاج التطرف وتنشئة المجتمعات المتطرفة، ومن الثابت شرعاً وعقلاً أن التعصب لا يهدي الإنسان إلى سواء السبيل؛ لأنه يغلق عليه منافذ المعرفة، والوصول إلى علوم الآخرين ومعارفهم، واكتساب الحكمة مهما كان مصدرها ومنبعها، فالذي لا يستمع القول لا يتبع أحسنه، فقد قال تعالى:{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ}[الزمر:18].
عززت حالة الكبت والشعور بالظلم التي عانى منها اليمنيون قبل الربيع العربي رغبتهم في إحداث التغيير إلا أن غياب الوعي الثوري المنظم بالإضافة إلى تدني وعي المجتمع أوجد طريقاً سالكاً لتملئه الأحزاب السياسية والكيانات الدينية والقبلية بثقافة التعصب الديني والسياسي والقبلي، كوسيلة للحشد الشعبي لتتطور ممارسته فيما بعد إلى نهج سياسي وفكر ثوري تفجرت معه أحلام الشباب وتشابكت مع المشاريع المبالغ فيها للكيانات القائمة على إقصاء الآخر دينياً وسياسياً واستعداء المجتمع بعضه البعض، مما قذف بالشباب في مستقنع التعصب والانجرار خلفها لرؤيتها في إشاعته إضعاف الأصوات المعارضة لمشاريعها وكسب الالتفاف حولها، دون النظر للخطر الذي سيخلفه هذا النهج على المجتمع بخلقه مناخات تنتج عوامل العنف والتطرف كسلوك يحل محل التعايش وثقافة الحوار والقبول بالآخر.
إن لجوء المجتمعات لتحقيق احلامها باستخدامها نفس النهج والوسائل التي رفضتها وثأرت عليها لتغيير الوضع والواقع الذي يكرسها التعصب السياسي للحاكم ورفضه الآخر في التشارك لمعالجة مشكلاته فأن النتائج الخطيرة غير المتوقعة لممارسة هذه النهج كالتعصب سيقودها إلى الشعور بالندم ولعنة اللحظة التي ولد فيها حلمها والتفكير به، وهو ما يحدث اليوم عند الكثيرين في اليمن.
حتى لا نصنع بتعصبنا الديني والطائفي والسياسي عوامل مشجعة لخلق بيئة متطرفة تزيد مجتمعنا غرقاً في مستنقع الحروب والصراعات المدمرة، علينا إدراك خطر انجرارنا خلف الأنظمة والحركات والكيانات الدينية السياسية العصبوية التي تستمد منه بقائها، لأنها لن تحقق به أحلامنا أو تصنع به مجدنا والعيش الكريم بقدر ما تؤسس لتنشئة جيلاً ومجتمعًا متطرفاً غير مقبول في بيئتنا الاقليمية.