مشاري الذايدي يكتب:
رسالة ترمب للحلفاء الرماديين
هناك مثل غربي شهير يقول ما معناه: «لا تستطيع أن تبقي على الكعكة كاملة وأنت تأكلها».
هذا المعنى أظن أنه ينطبق اليوم على دولة تركيا، تحت قيادة رجب طيب إردوغان. كما يسري بشكل ما على سلطة قطر الحالية.
الدولتان على علاقة تحالفية مع الولايات المتحدة. من مظاهر هذا وجود القواعد العسكرية. بالنسبة لقطر قواعد أميركية صرفة في العديد والسيلية. وبالنسبة لتركيا قاعدة لحلف «الناتو» الذي تقوده واشنطن. أعني قاعدة «إنجيرليك» الشهيرة.
الأمر لم يقتصر على هذه الصِلة العسكرية الحساسة؛ بل على انضواء هاتين الدولتين تحت لواء المعسكر العالمي الذي تتزعمه واشنطن، بالضد من مطامح وغايات وأعمال دول ضخمة، في مقدمها روسيا والصين. بالنسبة لروسيا فالمواجهة الأميركية معها تشمل الجانب الأمني والعسكري والسياسي والإعلامي. وبالنسبة للصين فعنوان المواجهة الأول اقتصادي. من غير نفي لأوجه المواجهة الأخرى.
بالطبع ثمة «هوامش» حركة لحلفاء واشنطن مع روسيا والصين، حتى وإن أزعج ذلك الأميركان. لكن تختلف الصورة حين يرتقي العمل من التصرف ضمن نطاق الهوامش إلى العمل بطريقة الأعداء وليس الحلفاء. هنا، وهنا فقط، يكون على هذه الدولة أو تلك تحديد اختيارها لصنف العلاقة مع واشنطن.
تركيا الإردوغانية، وبعدما شدّد عليها العقوبات الرئيس الأميركي الصلب دونالد ترمب، تعيش وضعاً حرجاً بتدهور قيمة العملة الوطنية. والآتي أعظم. وما زال الرئيس «الشعبوي» إردوغان يهدد أميركا بالويل والثبور وعظائم الأمور!
الخلاف بين إردوغان وترمب ليس محصوراً بقصة القس الأميركي المسجون بتركيا. هذا عنوان الأزمة؛ لكن مضمونها هو انزياح إردوغان بدولة تركيا نحو المعسكر المعادي لواشنطن. وكانت تحديات إردوغان ورجاله للعقوبات على إيران شكلاً صارخاً من أشكال التحدي الأجوف.
الآن، من سيساعد إردوغان في عاصفته المالية والاقتصادية؟
قطر، التي لا تملك الذهاب بعيداً في استفزاز الإدارة الأميركية الحالية. يقال إن إردوغان غاضب من الدوحة بسبب خذلانها له مالياً. طالباً من سلطات قطر «رد الجميل»، بعدما اصطف بشكل «عصمنلي» صلف مع قطر ضد دول الخليج، أو أهمها.
حتى الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق، لم تقدر على المضي بعيداً، في الانحياز لإيران المترنحة تحت سوط العقوبات الأميركية. ففي الأخبار، أكد المتحدث الإعلامي باسم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الأنباء التي تحدثت عن إلغاء الأخير زيارته المقررة، أمس الثلاثاء، إلى العاصمة الإيرانية طهران، عازياً السبب إلى «انشغالاته الكثيرة» رغم أن العبادي سوف يتوجه إلى تركيا في اليوم نفسه.
وكانت وكالة «أسوشييتدبرس» قد نقلت عن مسؤولين عراقيين أن «طهران هي التي ألغت زيارة العبادي» بعد أن أثار غضب المسؤولين الإيرانيين، إثر إعلان التزام بلاده بالعقوبات الأميركية ضد إيران الأسبوع الماضي.
على كل حال، الاختيارات صارت واضحة في عهد الرئيس الأميركي الصلب دونالد ترمب. لن تدعي بعد اليوم الحلف مع أميركا وأنت في المعسكر المعادي. ربما كان هذا «اللعب» ينفع في وقت الرئيس «المرن» باراك أوباما!
نقلا عن "الشرق الأوسط"