هاني مسهور يكتب:

عن "الفزعة" الإخوانية لليرة التركية

أستميح أخي الدكتور فهد الشليمي، رئيس المنتدى الخليجي للأمن والسلام، باستعارة لفظ “الفزعة” الذي أطلقه على تدافع الإخوان لدعم الليرة التركية من السقوط، وللأشقاء العرب فإن معنى “الفزعة” في لهجة أهل الخليج العربي هو النجدة وسرعة الاستجابة للمنكوب والمحتاج إلى النصرة، والفزعة دائماً مقرونة بالشجاعة والإقدام، ولعل هذا اللفظ العميق يختصر حالة التدافع غير المنطقية من المتحزبين والموالين لتنظيم الإخوان المسلمين نجدةً لمساعدة الاقتصاد التركي وإنقاذه من التراجعات الخطيرة.

ولعل هذه الحادثة تذكرنا بسنوات طويلة عرفت فيها العناصر المتحزبة إخوانياً الاستفادة من أزمات فلسطين وأفغانستان ومجاعات الصومال وزلازل باكستان وغيرها من النكبات التي أصابت دولا عربية وإسلامية، وشهدت تعاطفاً شعبياً بحكم الانتماء الديني والقومي، غير أن الإخوان المسلمين لا يفوّتون هذه الأحداث بغير أن يتقافزوا عليها لجمع الأموال وحث الناس على التبرعات في انتهازية معتادة من أفراد التنظيم استغلالاً لعواطف الشعوب.

الفكرة مكررة بامتياز غير أنها في هذه المرة كشفت مراميها وأهدافها بشكل غير مسبوق، فعادة تُجمعُ الأموال لنصرة فلسطين أو غيرها، ولا يعرف أحداً أين ذهبت أموال تلك التبرعات، بينما اليوم وبكل وقاحة يراد للناس أن يدفعوا أموالا لتدعيم الاقتصاد التركي وباسم الدين الذي لا علاقة له من قريب أو بعيد بأزمة سياسية واقتصادية تعيشها تركيا بسبب سياسات رئيسها رجب طيب أردوغان.

أفظع ما يمكن أن يكون في هذه المتاجرة بالدين وبمثل هذا الإسفاف أن يصل أحدهم إلى الحديث عن أنه في حال سقطت الليرة التركية وسقط النظام التركي فإن هذا سيهدد باغتصاب نساء المسلمين في بلادهم في تصوير سخيف أن النظام التركي هو المدافع عن أعراض مليار مسلم، كهذا الخطاب الذي تغيب فيه العقول وتحضر فيه “الدروشة” ضاعت الأمة كلها، فلقد أثبتت التحقيقات الأمنية التي أجرتها كافة الدول العربية والغربية أن الأموال التي تجمع كتبرعات لا يصل إلى مستحقيها إلا 5 بالمئة، بينما هذه الأموال تذهب في مسارات أخرى أهمها تمويل الجماعات الإرهابية في البلدان العربية المستهدفة أمنيا.

بين تشفي الإخوان بهبوط الجنيه المصري وفزعتهم للهبوط الذي أصاب الليرة التركية أشهر قليلة، عناصر تنظيم الإخوان في الخليج يتسولون دعم الليرة التركية واقتصاد أردوغان بطرق بدائية، وما يثير السخرية أن الكويتي المدرج في قائمة الإرهاب للدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب حامد العلي يعتبر دعم تركيا اقتصادياً واجبا شرعاً، مطالباً المسلمين في كل مكان بالهبة لإنقاذ الليرة التركية، فيما تشمّت العلي في أكتوبر 2016 بهبوط الجنيه المصري.

تحوير الأزمة واستهلاك الخطاب الإعلامي بهذا الشكل الذي يصور للبسطاء أن المعركة هي بين الخليفة المسلم والقائد الصليبي وأنها معركة دينية فاصلة، وحرب مقدسة لا يجوز عدم المشاركة فيها بشراء الليرة التركية والمنتجات التركية وتحويل العملات إلى العملة التركية لينتصر الخليفة في هذه المعركة التي تحدد مسارات مستقبل البشرية كلها، هذا نوع من الاستخفاف الذي قدمه ما يسمى “الصحوة” التي تزامن ظهورها مع الثورة الخمينية عام 1979، هذا النوع من الخطاب يعتمد على تعطيل العقل والتكفير ومخاطبة العواطف بسذاجة تسببت في الزج بمئات العشرات من الشباب في أتون صراعات دامية وأغرقتهم في أجندات خبيثة لتنفيذ سياسات حزبية تبحث عن السلطة السياسية وتعتمد على تمزيق الوطنية.

بينما تتراجع الليرة التركية تقبع العملة اليمنية في القاع الأسفل ويعيش اليمنيون ضنك الحياة ويخرجون كل يوم في مسيرات توشك أن تتحول إلى ثورة جياع. الناس يبيعون أجزاء من أجسادهم وأصبح توفير الاحتياجات الأساسية من الطعام عند أكثر من ثلثي الشعب اليمني هو المشكلة في بلد تهدده المجاعة وتفتك به الحرب الطائفية اللعينة، ماذا قدم تنظيم الإخوان المسلمين الدولي، قبل اليمني، للشعب في اليمن؟

قدموا الآلاف من المسدسات الكاتمة للصوت ضبطت في العاصمة الجنوبية عدن وهي صناعة تركية خالصة، ليس هذا فقط فقد تم ضبط سفينة تركية تحمل مواد غذائية منتهية الصلاحية، ومع ذلك لم نسمع حزبياً إخوانياً واحداً باع دولاراً ليشتري ريالات يمنية لتعزيز عملة اليمن التي يتاجر بها الإخوان المسلمين شأنها شأن غيرها من القضايا والأزمات.

من أشهر أقوال ابن رشد “التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل”، هذا هو العدو الحقيقي في مجتمعاتنا العربية؛ الجهل الذي من خلاله يدخل تجار الدين وأصحاب الفزعات والانتماءات الحزبية الذين فرقوا القلوب وعاثوا في الأرض فساداً وصاغوا الأفكار الضالة والمؤخرات المفخخة والناسفة، وأعلنوا عن مواقف كثيرة بلسانهم لا توافق المسلمين، فالقاعدة كل ما يصب في مصالحهم يرحبون به وكل ما يصب في الصالح العام للوطن والشعوب يتبرأون منه ويبتعدون عنه ويتجنبونه.

كل ذلك لأنه لا يصب في هوى الجماعة والفكر المنظم في التمكين والدولة العميقة، وبالنسبة لهم أن العالم اليوم ليس بالعالم الحقيقي، بالوسائل الموجودة والتي يمكن أن تخدم دعوتهم، لذلك تجدهم في كل مكان وبكل وسيلة تستطيع إيصال وجهات نظرهم بشكل مبطن تارة لكي لا يتصادموا مع المجتمع المحيط بهم خاصة المجتمعات المتفتحة التي ترفض الاستغلال والانتهازية، وتارة تجدهم يدافعون وينشرون دعوتهم بشكل علني في حال لا يوجد من يتصدى لخطابهم أو حينما تكون الأرضية مهيئة لتقبل وجودهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي.